صحيفتا (الاقتصادية) و(الخبر) : الصحافة السورية تبحث عن قارئ!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
أين هي الصحافة السورية من الحرب التي عاشتها البلاد، وهل هي قادرة على أن تنتقل إلى مرحلة جديدة بعد الحرب ؟!
هذان السؤالان في حقيقة الأمر هما سؤال واحد : هل وجدت الصحافة السورية قارئا لها في الحرب لتحافظ عليه بعدها؟!
السؤال مهم، وربما يحتاج إلى حوار واسع للإجابة عليه، ولكن المستجد الأخير الذي حصل مؤخرا وخلال اٌقل من شهر يدعو للتأمل وطرح المزيد من الأسئلة، فقد عادت صحيفتان هامتان للصدور، وهما محسوبتان على القطاع الخاص، أي أنهما ليستا رسميتان، وتكافح صحيفة الأيام الخاصة الثالثة أيضا للاستمرار بعد أكثر من سنة على صدورها وسط صعوبات بالغة في الوصول إلى قراء نأوا عن الصحافة المحلية كلها!
ومعروف أن الصحف السورية الرسمية الموجودة تعاني قلة جمهورها وضعف أدائها وعجزها عن مقارعة الفساد وكشف ملفات استقصائية تضع المجتمع والرأي العام عند مسؤوليتهما، أما الصحافة الخاصة، فهي في وضع أشد حساسية، وهذا يعني أن الصحافة مشروع خاسر في سورية، فلماذا يُقدِم البعض على مشروع خاسر؟!
هو مشروع خاسر لأنه لا يجني ربحاً، ويُرتّب على صاحبه مصاريف طائلة، نتيجة تكاليف الطباعة والنشر (مع رخص الأقلام التي تكتب في سورية). وخاسر لأن الهدف منه لا يتحقق إلا بشق الأنفس ( أهم مطبوعة لاتبيع 500 نسخة) ، فما فائدة رسالة إعلامية مهما صُرف عليها لتزيينها وانتقاء ورقها إذا لم تصل إلى أصحابها !
ورغم أن المشكلة، في ذاك الذي استرخصوا عمله (أي الصحفي الذي يصنع الصحافة)، فإن أصحاب القرار يتعاملون مع الواقع ويدافعون عن الصحافة لتبقى، فالصحفي وضاح عبد ربه رئيس تحرير الاقتصادية والذي يدير صحيفة الوطن الشهيرة في سورية، قال في مقاله في أول عدد بعد استئناف صدور الاقتصادية “إن الإعلام المطبوع لا يمكن أن يموت في سورية”!
كان يمكن أن نصف هذه العبارة بالمبالغة والرومانسية لولا أنه أوضح نقطة على غاية الأهمية، وتتعلق بالمصداقية التي “نادرا ماتجدها في الإعلام الالكتروني، الذي تسوده الفوضى والأخبار الكاذبة والتحقيقات المبتذلة إضافة إلى الاختراقات والتحكم عن بعد (…) بهدف نشر الشائعات وزرع الفتن والتعرض لكرامات الناس وابتزازهم لغايات سياسية ومادية “، أي أن الصحافة الورقية هي الصورة الأخرى التي يجب أن تظل باقية لنقل صورة الحقيقة، وهذا نوع من التحدي يطلقه رئيس التحرير..
وتبدو عودة صحيفة الاقتصادية خطوة مبررة باعتبار أن سياسة الدولة السورية تتجه بعد سبع سنوات من الحرب إلى مرحلة إعادة الإعمار (الحرب لم تنته بعد)، وهذا التوجه يحتاج فعليا إلى صحافة اقتصادية تكون قادرة على طرح الموضوعات التي تثيرها المهمات العتيدة على هذا الصعيد، ومن المفترض أن تدير حوار اقتصاديا صحيحا بين رجال الأعمال والحكومة، وهي هنا يمكن أن تكون صوتا من أصوات رجال الأعمال نظرا لأن ممولها منهم ..
وكانت صحيفة الاقتصادية قد توقفت بسبب الحرب، بعد أن كانت رائجة وناجحة في الأوساط المعنية بها، وقد أثارت موضوعات هامة في وقتها وكانت تُقرأ فور صدورها من رجال الأعمال والاقتصاديين حتى اندلاع الحرب.
(صحيفة الخبر)، استأنفت صدورها أيضا قبل أسابيع، وتبّنى ممولها وصاحب امتيازها رجل الأعمال طريف الأخرس تبنى شعارا مهما يقول : «نعود اليوم بالخبر، ومنذ ولادتها الأولى أردنا أن تكون الخبر منبراً للحقيقة، ومكاناً لفرز الموضوعية عن الادعاءات والمزايدات والكذب».
ويبدو الصحفي أسعد عبود الذي كلف برئاسة تحريرها متفائلاً، كما هو صاحبها، ومستعدا للمضي في الطريق ذاته الذي سلكه زملاؤه السابقون في الصحيفة قبل توقفها، وكما هو معروف شغل رئاسة تحريرها صحفيان معروفان هما زياد غصن ويعرب العيسى وهذان الصحفيان شاغبا إلى الدرجة التي يُعزى توقف الصحيفة إلى تجاوز الحد السياسي في موضوع التعامل مع الأزمة في بدايتها عام 2011 ، والذي وصفه أسعد عبود في زاويته المنشورة في صحيفة الأيام مؤخرا بأنه “شكل محنة في حينه للجريدة و للإعلام السوري، الورقي بشكل خاص” لكنه يعترف الآن صراحة : “نحن لم نستنفذ أبداً من الإمكانات التي يتيحها الإعلام الورقي، ولا بأس أن نندفع في الإعلام الإلكتروني، لكن من الجهل و التجاهل نبذ الإعلام الورقي بحجة التطور و وسائل الاتصالات الحديثة، بل نسير على الاثنين معاً، و لدينا فاقة في الاثنين معاً..”.
أما صحيفة الأيام، التي توالى على رئاسة تحريرها كل من عبد الفتاح العوض وزياد غصن وعلي حسون، فهي مستمرة في شق طريقها، وإذا كانت قد تحاول مكاسرة الفساد ومظاهر الخلل الحكومي دون تردد، فإنها لم تنجح بعد في إيجاد قراء يتابعونها ويبحون عنها، واستمرارها لايندرج وفق نظرة رئيسي التحرير حول الصحافة الورقية، فناشر صحيفة الأيام وهو رجل أعمال أيضا (السيد محمد هرشو) لايحمل هذا الرأي بل يريد لصحيفته أن تكون جريئة وشجاعة واستقصائية ، وهذا حلم من الصعب تحقيقه !
إذا ، ماذا تريد الصحافة السورية الآن ؟!
تريد أن تراهن على نفسها، والمراهنة ليست في استئناف أو استمرار الصدور فقط، بل في تشكيل المصداقية التي يحتاجها القارئ ، والوصول إلى هذه المصداقية ليس سهلا، وإذا كان الجانب الاقتصادي منه يهم فئات الشعب الآن فإن التوجه الاقتصادي دون السياسي لايحقق الفرضية المتوخاة، فالسوريون يحاجون الآن إلى صحافة سياسية جريئة وإلى صحافة اقتصادية محاربة وخلال هاتين الحاجتين هم بحاجة إلى محفز إعلامي لايعرفه إلا المهنيون القادرون على ممارسة الصنعة والذين بإمكانهم الخروج من التهمة (صحافة استقبل وودع وأنجز) إلى صحافة الرأي العام والشفافية والجرأة أي صحافة يتابعها القارئ!