تحليلات سياسيةسلايد

صعوبات أمام إجراء الانتخابات في ليبيا رغم تفاؤل باتيلي

عادت الآمال من جديد في ليبيا بشان إمكانية الخروج من نفق الجمود السياسي والمضي في انتخابات تعيد الاستقرار الى البلد الممزق بسبب الحرب وذلك بعد أن أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي الثلاثاء عن “تقارب متزايد في الآراء بشأن وجوب إجراء الانتخابات في ليبيا عام 2023” لكن هذه الامال تقابل بكثير من المخاوف والتوجس في داخل وخارج ليبيا.

وقال باتيلي “قبل مغادرتي صوب نيويورك لتقديم إحاطتي إلى مجلس الأمن أجريت سلسلة مشاورات شملت رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ووفد عن رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة”.

وأضاف في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر: “يجب علينا جميعا أن نعمل معا لإنهاء المأزق الحالي وتلبية تطلعات الشعب الليبي”، مضيفا “أرحب بالتزام الجميع لإيجاد حل بقيادة ليبية للأزمة السياسية الراهنة”.

وأشار إلى “تقارب متزايد في الآراء بشأن وجوب إجراء الانتخابات في عام 2023”.

لكن في المقابل هذا التفاؤل لا يزال يواجه بكثير من المخاوف من محاولات العرقلة خاصة وان المجلس الأعلى للدولة قرر تأجيل جلسة كان مقررا أن تعقد اليوم الثلاثاء لمناقشة تعديل الإعلان الدستوري الذي اقره مجلس النواب قبل فترة حيث تشير مصادر إلى خلافات جوهرية وعميقة بين المجلسين من الممكن أن تعيد البلاد إلى المربعات الأولى من الانقسام.

ويرى مراقبون ان 12 سنة من المراحل الانتقالية لم تكن كافية لخروج ليبيا من نفق الأزمة، وتحول موعد 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، الذي حدد لإجراء الانتخابات إلى فرصة ضائعة، رغم إعادة توحيد المؤسستين التنفيذية والتشريعية.

وشهدت سنة 2022 عودة الانقسام إلى البلاد، بعد تشكيل مجلس النواب في طبرق حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، واصطدامها بحكومة الوحدة، ما تسبب في سقوط العديد من القتلى خلال مواجهات دامية.

ويأمل الليبيون أن يكون 2023، عاما لتجدد الأمل في إمكانية توافق الأطراف السياسية بشأن القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، والتي تفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية تضع نهاية للمراحل الانتقالية.

وتتباين المواقف الداخلية والدولية بشأن سبل حل الأزمة وآليات إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية هذا العام.

مجلس النواب

وبادر مجلس النواب في طبرق (شرق) بتعديل الإعلان الدستوري رقم 13، بشكل مفاجئ وغامض، وبمن حضر، وتجنب المواد الخلافية مع المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، خاصة ما تعلق بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للرئاسة، وتركها لمرحلة إعداد قوانين الانتخابات.

وبهذه الخطوة تجنب مجلس النواب خوض جلسات أخرى من المفاوضات مع مجلس الدولة، لإعداد قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، ما عد تراجعا عن حوارات وتفاهمات سابقة في هذا المجال.

كما خرج رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بمبادرة جديدة ومتجددة تهدف لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وتشكيل حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات.

واقترح عقيلة، أن يختار مجلسا النواب والدولة 15 عضوا لكل منهما بالإضافة إلى 15 عضوا من المستقلين لتشكيل لجنة تتولى اختيار الحكومة الجديدة، على أن يكون لمجلس النواب السلطة التشريعية الحصرية في منح الثقة أو حجبها عن الحكومة، ما يعني إقصاء مجلس الدولة من مشاركته في هذه الصلاحية.

المجلس الأعلى للدولة

وأبدى خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، تفاؤلا في إمكانية إجراء الانتخابات بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، رغم اعترافه بصعوبة المهمة، ملمحا إلى موافقته على تعديل مجلس النواب للإعلان الدستوري بدل الاتفاق على قاعدة دستورية.

وتأجل انعقاد جلسة لمجلس الدولة لمناقشة التعديل الـ13 للإعلان الدستوري، بسبب غياب النصاب، خاصة وأن جزءا من أعضاء المجلس يعارضون الطريقة التي يجرى بها تعديل الإعلان الدستوري قبل الفصل في المسائل الخلافية.

وعلى صعيد آخر يواصل مجلسا النواب والدولة اختيار ممثليهم لاستكمال تقاسم المناصب السيادية.

ويرى المشري، أن حكومة الوحدة غير قادرة على إجراء الانتخابات لأنها لا تبسط سيطرتها على كامل البلاد، ويشترك مع عقيلة في ضرورة الذهاب لتشكيل حكومة ثالثة تشرف على دعم مفوضية الانتخابات في إجراء الرئاسيات والتشريعيات.

وتحظى حكومة الوحدة الوطنية باعتراف أممي ودولي، لكنها بالمقابل لا تحظى باعتراف مجلس النواب في طبرق، وخسرت تأييد المشري، حليفها الرئيسي، لكن كتلة وازنة في مجلس الدولة وأقلية في النواب تدعمها.

وتمكن الدبيبة، من فرض سيطرته على العاصمة طرابلس وأجزاء واسعة من المنطقة الغربية، وباستخدام القوة المسلحة، ردا على محاولات حكومة فتحي باشاغا، المعينة من مجلس النواب، دخول طرابلس.

ورغم أن كلا من مصر وروسيا لا تعترفان بحكومته، فإن الدبيبة سعى لعزيز مشروعيته بفضل تحالفاته الدولية الجديدة خاصة بعد استقباله رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وتوقيع مؤسسة النفط الخاضعة لسلطته اتفاقية ضخمة بـ8 مليارات دولار مع عملاق الطاقة الإيطالي “إيني” لتطوير حقلين بحريين للغاز.

ووقع الدبيبة قبلها، اتفاقا مع تركيا للتنقيب المشترك عن النفط والغاز قبالة السواحل الليبية.

بينما ترفض الجزائر تشكيل حكومة جديدة في ليبيا كل مرة، ما يصب في مصلحة حكومة الوحدة.

كما عزز الدبيبة تحالفه مع الإمارات العربية المتحدة بعد زيارته أبوظبي مؤخرا، رغم أنها كانت من أشد الداعمين لخصومه في المنطقة الشرقية.

ويرى الدبيبة، أن حكومته لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، ويتهم مجلس النواب بتعطيل إجراء الانتخابات، ويشدد على أن حكومته هي من ستشرف على أي انتخابات مقبلة.

في حين رد عليه المشري، بأن حكومته جاءت باتفاق وسترحل باتفاق (بين مجلسي النواب والدولة).

وأصبحت حكومة فتحي باشاغا، الحلقة الأضعف في معادل السلطة بعد عدم تمكنها من دخول العاصمة، ولم تحصل على ميزانية الدولة من المصرف المركزي رغم ضغوط مجلس النواب لصالحها، فضلا عن عدم حصولها على اعتراف دولي.

ورغم هذا الوضع الصعب، فإن باشاغا لم يرم المنشفة، ويواصل نشاطه بشكل محدود في مناطق سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي.

وعلى عكس الدبيبة، لا يعارض باشاغا اختيار مجلسي النواب والدولة لحكومة ثالثة جديدة.

وما زال حفتر يضغط على الطبقة السياسية وبالأخص رئيس مجلس النواب من أجل عدم الموافقة على منع مزدوجي الجنسية من الترشح لانتخابات الرئاسية، ويؤكد دوما حق العسكريين في الترشح.

وهدد مؤخرا بالعودة لاستعمال القوة، متهما السياسيين بالإخفاق في إجراء الانتخابات، ويرى محللون أن حفتر لا يملك القوة العسكرية للسيطرة على العاصمة، في ظل توازن القوى، لكنه يضغط فقط للبقاء في المشهد السياسي.

كما كثفت الولايات المتحدة، التي يحمل حفتر جنسيتها، ضغوطها عليه لإخراج مرتزقة شركة فاغنر الروسية من البلاد، خلال زيارة رئيس وكالة المخابرات الأميركية وليام بيرنز إلى ليبيا.

الأمم المتحدة

وتعيين مجلس الأمن الدولي للسنغالي باتيلي، على رأس البعثة الأممية في ليبيا بعد فترة فراغ، أعطى زخما جديدا للعملية الانتخابية، خاصة بعد دعوته لإيجاد آليات بديلة، إذا فضل مجلسا النواب والدولة التوافق بشأن قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.

وحظي موقف باتيلي، بدعم الولايات المتحدة وكل من ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، وصمت فرنسي.

ولكن احتضان القاهرة للقاءات بين ممثلين عن مجلسي النواب والدولة بشكل منفرد ودون إشراف أممي، أضعف قدرة باتيلي على قيادة الحوار بين الأطراف الليبية، رغم دعوته دول الجوار الليبي إلى دعم أكثر للجهود الأممية.

ويبدو أن باتيلي، يحقق بعض النجاح على مستوى اللجنة العسكرية المشتركة، التي شرعت في التحرك لإخراج المقاتلين الأجانب من البلاد، وخاصة الجماعات المسلحة من تشاد والسودان مقابل وعود بتعويضات مالية.

ولا يوجد توافق أو انسجام بين الدول الكبرى والإقليمية بشأن ليبيا، رغم إعلان الجميع دعمهم لإجراء الانتخابات.

فبينما تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على مجلسي النواب والدولة للتوافق على قاعدة دستورية، وتلوح بـ”آليات بديلة” للحل، تقف روسيا داعمة لحفتر وعقيلة وحكومة باشاغا، متمسكة بتواجدها العسكري في البلاد عبر فاغنر.

وتولي واشنطن أهمية خاصة لطرد فاغنر من ليبيا بل من كامل إفريقيا، وتمارس ضغوطا على حفتر للتخلي عن تحالفه مع روسيا.

وأكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الثلاثاء على ضرورة  اجتياز الانتخابات في أسرع وقت ممكن حتى يكون لديها حكومة شرعية

والخلاف يطول الجبهة الأوروبية أيضا، فإيطاليا تدعم حكومة الدبيبة، بينما فرنسا التي كانت أكبر داعم أوروبي لحفتر، خفضت من هذا الدعم خاصة بعد رحيل جان إيف لودريان (صديق حفتر) من الحكومة الفرنسية، بعدما تولى حقيبة الدفاع (2012-2017) ثم الخارجية (2017-2022).

عربيا تقف الجزائر ومصر على طرفي نقيض، فالأولى تدعم حكومة الوحدة أما الثانية فتساند حكومة باشاغا، وظهر هذا الخلاف أكثر من مرة في اجتماعات وزراء الخارجية العرب سواء في القاهرة أو الاجتماع الأخير في طرابلس، أو خلال القمة العربية في الجزائر.

وهذا التباين في المواقف الدولية صعب من إيجاد نهاية لنفق الأزمة الليبية، حيث احتفلت البلاد في 17 فبراير/ شباط الجاري، بالذكرى الـ12 للثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي (1969-2011).

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى