«صفقة القرن» تطل برأسها من جديد: نسخة أعنف وأكثر راديكالية
يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة عازمة على تغيير المشهد في المنطقة، فتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «حل» في غزة تزداد وتصبح أكثر راديكاليةً مع مرور الأيام، وهي تصريحات رافقتها تلميحات إلى دور متوقع أن تلعبه دول في المنطقة وخطوات فعلية وعلى الأرض بدأت واشنطن باتخاذها. نوايا ترامب ليست خافيةً على أحد، فالرئيس الذي طرح «صفقة القرن» أمام العالم، يعتبر «اتفاقيات أبراهام» أبرز إنجازات عهده الأول، وهو يرى أن مهمته الحقيقية لم تُنجز بعد، ولن تُنجز إلا بطرد الفلسطينيين ممّا تبقّى من أراضٍ لهم في قطاع غزة أولاً، ثم الضفة لاحقاً، وتصفية القضية الفلسطينية.
ما لبث أن اعتلى ترامب كرسيه كرئيس للولايات المتحدة حتى بدا وكأن المخطط الأميركي القديم بتصفية القضية الفلسطينية قد وُضع على نار حامية. تصريحات أمس التي أعلن فيها ترامب أمام نتنياهو نيته تهجير سكان قطاع غزة لم تكن مفاجئة، حيث أنه كررها مرات عدة في الأسبوع المنصرم، إلا أن كلامه عن دور أميركي مباشر بالسيطرة على القطاع هو ما كان مفاجئاً، وكشفه عن هذه الخطة جرى بعد أن ذكرت وكالة «رويترز» قبل أقل من أسبوع، أن شركة أمنية أميركية ستعيّن حوالى 100 عسكري متقاعد، براتب 1,100 دولار لليوم الواحد، للمساعدة في إدارة نقطة تفتيش في قطاع غزة، إلى جانب الجيش المصري.
على الجهة المقابلة، تزامن وقف العدوان على غزة بانطلاق عدوان آخر على الضفة الغربية، حيث أعلن جيش الاحتلال في 21 كانون الثاني الفائت عن إطلاقه عملية «الجدار الحديدي» في جنين، ثم توسع العدوان حتى بات يشمل طولكرم ومدناً أخرى داخل الضفة.
وكما الحال في غزة، سبقت العملية في الضفة كلاماً وتسريبات كثيرة عن وعود قطعها ترامب لنتنياهو (لم يكن هناك أي تأكيد رسمي أميركي بشأنها) تسمح للأخير بإطلاق يده في الضفة وضمّها إلى إسرائيل. وتصريح ترامب يوم أمس عن صغر حجم إسرائيل يؤشر إلى أن هذه الادعاءات ليست بعيدة عن الحقيقة.
ضغوط على دول عربية لتصفية القضية الفلسطينية
في هذا الوقت، يعود ترامب لاتّباع أسلوب لَي الأذرع بالتعامل مع دول العالم وحتى تلك الحليفة لواشنطن، وهو الذي أمر قبل أيام بوقف أعمال وكالة «USAID» من أجل استخلاص تنازلات أكبر من الدول المتحصلة على مساعدات مالية أميركية.
تشكّل مصر والأردن مفتاحَي «الحل» بالنسبة إلى ترامب، فمخطط تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة لا يمكن أن يتحقق من دون موافقة كل من البلدين المجاورين لفلسطين وفتحهما حدودهما أمام «المطرودين».
رد الفعل الأوّلي من الحكومتين كان رفض الطلب الأميركي، إذ اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «رحيل الشعب الفلسطيني وتهجيره هو ظلم لا يمكن أن نشارك فيه»، كما أكد العاهل الأردني عبد الله الثاني «موقف الأردن الراسخ بضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ونيل حقوقهم المشروعة، وفقاً لحل الدولتين».
إلا أن تلك المواقف لم تثنِ ترامب، الذي ردّ على التصريحات المصرية – الأردنية بالتشديد على موقفه قائلاً «سيفعلون ذلك. نحن نفعل الكثير من أجلهم، وسيفعلون ذلك».
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الأوراق التي قد يعمد ترامب إلى استخدامها إذا لمس تعنتاً من قبل هذه الحكومات في الاستجابة لطلباته، كالتلويح بالتوتر الشعبي وإزاحة عبد الله الثاني عن عرشه في الأردن في حال لم يسمح باستقبال ربع مليون فلسطيني.
الأمر نفسه ينطبق على الموقف الرسمي السعودي. هذه المرة عمد نتنياهو إلى إحراج السعودية، فصرّح أثناء لقائه ترامب أمس، بأنه يعتقد «أن السلام بين إسرائيل والمملكة ليس ممكناً فقط، بل أعتقد أنه سيتم»، مقللاً بذلك من أهمية البيانات السعودية التي دائماً ما كانت تربط موافقتها على التطبيع بإعلان دولة فلسطينية مستقلة على حدود الـ67. كلام نتنياهو استدعى رداً سريعاً جداً من الخارجية السعودية، التي نشرت بياناً عند الساعة الثالثة من فجر اليوم أعلنت فيه رفضها التطبيع من دون إعلان دولة فلسطينية، إضافة إلى رفض تهجير الشعب الفلسطيني وضم أراضٍ فلسطينية جديدة إلى إسرائيل.
تلف الضبابية مستقبل المنطقة، طموحات ترامب ونيّته تصفية القضية الفلسطينية للتفرغ للخطر الصيني قد يدفعانه إلى الاستعجال في ممارسة الضغوط على القوى الفاعلة في الشرق الأوسط. وفي ظل موجة الضغوط هذه والعمل الأميركي الحثيث على تغيير شكل منطقتنا، لا شيء يوحي بأن حكام العرب قادرون على المواجهة أو الصمود، والعبارة التي نُقلت عن الملك الأردني عبد الله الثاني خلال لقائه وفداً من وجهاء عشائر أردنية خير دليل: «يبدو أننا نجونا من صفقة القرن، ولكن التحدي الجديد قد يكون صعباً، ولا أعرف إن كنا سننجو منه مرة أخرى!».
صحيفة الاخبار اللبنانية