تحليلات سياسيةسلايد

ضبط شحنة أسلحة إلى السويداء يعيد الجدل بشأن دعوات الانفصال

محافظ السويداء ذات الغالبية الدرزية ينفي وجود دعوات للانفصال أو نزعة طائفية من قبل وجهاء ومشائخ المحافظة.

 

أعلنت السلطات الأمنية في محافظة درعا، جنوبي سوريا، الأحد، عن ضبط شاحنة محمّلة بأسلحة وصواريخ مضادة للدروع، كانت متجهة من دمشق إلى محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية حيث أعاد الإعلان إلى الواجهة النقاش حول الدعوات الانفصالية التي تطلقها بعض المجموعات الدرزية، وتزايد التحركات التي توصف بأنها تتجه نحو “الفدرلة”، في ظل تحديات تواجه سلطة الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، فيما نفى محافظ السويداء مصطفى البكور وجود نوايا او توجهات حقيقية للانفصال.

وأوضحت محافظة درعا في منشور عبر “تلغرام” أن “الأمن العام في المحافظة ضبط شاحنة محملة بأسلحة متنوعة وصواريخ مضادة للدروع، كانت معدة للتهريب من دمشق إلى محافظة السويداء (جنوب)”. وأضافت أن العملية جاءت في إطار مداهمات استهدفت عصابات متورطة في تجارة الأسلحة في المنطقة الغربية من درعا، خاصة شمال داعل وغرب إبطع.

وتأتي هذه التطورات وسط تحولات غير مسبوقة في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة أعلنت تولي أحمد الشرع رئاسة البلاد لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات.

ومحافظة السويداء، التي تتمتع بخصوصية ديموغرافية وطائفية بسبب غالبية سكانها من طائفة الدروز، ما تزال تمثل معضلة أمنية للسلطات المركزية في دمشق. ورغم تأكيد الإدارة الجديدة على شمولية التمثيل الوطني، واستيعاب مختلف المكونات ضمن إطار وطني موحد، لا تزال مجموعات درزية محلية مسلحة خارج سلطة الدولة، وهو ما يثير تساؤلات بشأن مستقبل العلاقة بين المحافظة والمركز.

وقد تعززت هذه المخاوف في ظل الدعوات المتزايدة – وإن كانت غير رسمية – من بعض النخب الدرزية لتبني نموذج حكم فدرالي على غرار مطالبات كردية في شمال البلاد. ومما يزيد من تعقيد المشهد، الدعم الخارجي الذي تحاول إسرائيل تقديمه لبعض القوى الدرزية تحت غطاء “الحماية”، وهو ما ترفضه دمشق وتعتبره تدخلاً سافرًا في شؤونها.

واتجهت إسرائيل لتعزيز خطاب “حماية الأقليات”، وخصوصًا الدروز في سوريا، محاولة إيجاد موطئ قدم داخل المجتمعات السورية الهشة بعد سقوط النظام السابق. وتلوّح تل أبيب، عبر تصريحات متكررة، بأنها قد تتدخل في السويداء أو مناطق درزية أخرى تحت ذريعة “منع الاعتداءات”، في خطوة تراها دمشق محاولة لإعادة رسم خرائط التأثير داخل البلاد.

وفي هذا السياق، نظّمت شخصيات درزية سورية، داخل السويداء وخارجها، وقفات واحتجاجات رافضة لأي تدخل إسرائيلي، وأكدت تمسكها بالوحدة الوطنية ورفض الانفصال. وعبّرت هذه الشخصيات عن دعمها للإدارة الجديدة ورفضها استغلال الطائفة الدرزية كأداة في صراعات إقليمية.

من جانبه أكد محافظ السويداء أن الواقع داخل المحافظة لا يعكس ما يُروّج له إعلاميًا بشأن وجود دعوات انفصال أو نزعة طائفية قائلا “لم ألمس أي دعوات للطائفية أو الانفصال في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، وإن هناك توافقاً مع مشايخ العقل في القضايا الوطنية. أبناء المحافظة دائماً يؤكدون أنهم وطنيون سوريون، ولا يوجد أي دعوات للانفصال من المواطنين أو مشايخ العقل الدروز”.

وحول الأوضاع الأمنية، قال البكور أن “جهاز الأمن في السويداء يجب أن يتشكل من أبناء المحافظة، لأن الوضع فيه كثير من التجاذبات، وتشكل جهاز أمني محلي يضمن عدم حدوث مشكلات جديدة لحين بناء الثقة”.

وتابع “لا يوجد تنسيق تام بين كل الفصائل، بعض الفصائل تتواصل مع وزارة الدفاع، والبعض الآخر ينتظر. لكنني أتوقع أن تعود الثقة وينضوي الجميع تحت وزارة الدفاع قريبًا”.

وفي إشارة إلى العلاقة مع القيادات الدينية، قال “نحن متفقون مع مشايخ العقل في القضايا الوطنية. زياراتي مستمرة للشيخ حكمت الهجري، ونتبادل الآراء بكل محبة واحترام. كذلك ألتقي الشيخ حمود الحناوي والشيخ يوسف جربوع ونأخذ بنصائحهما بكل محبة ومودة”.

وكان الشيخ الهجري هاجم بشكل غير مسبوق الإدارة السورية الجديد في تصريحات سابقة ونعتها بالتطرف.

وعن الوضع الخدمي، أوضح المحافظ “بدأنا ترميم الآبار وقدمنا دعماً مالياً لمديرية المياه. تطوّع نحو 640 شخصًا للشرطة، والتقت لجنة من وزارة الداخلية بعدد كبير من الشرطة لتدريبهم. المحافظ هو من يحافظ على أمن الناس وحقوقهم، ولذلك لا يمكن أن نغلق بابنا أمام المحتاجين”.

وفي رده على دعوات إسرائيلية لتأجيج الطائفية، قال “منذ أن توليت منصب محافظ السويداء لم ألمس دعوات للطائفية أو الانفصال من المشايخ الثلاثة. كل من التقيت بهم من مثقفين وأكاديميين قالوا: نحن وطنيون سوريون، قبلتنا دمشق حتى لو تخلت عنا”.

وشدد على أن “الرئيس أحمد الشرع طلب منا رفع خطط المشاريع الاستثمارية، ونحن نرحب بأي مبادرة استثمارية ونسعى لتذليل كل العقبات”.

وتواجه الحكومة الانتقالية في دمشق تحديات كبيرة في إدارة البلاد بعد 61 عامًا من حكم حزب البعث، و53 عامًا من حكم عائلة الأسد، وسط محاولات لإعادة بناء الثقة بين المركز والمجتمعات المحلية. وتبقى محافظة السويداء نموذجًا بالغ الحساسية، إذ تتطلب معالجات سياسية واجتماعية وأمنية خاصة، لضمان عدم تحول المطالب المحلية إلى مشاريع انفصال أو صدام داخلي.

في هذا الإطار، تبدو تصريحات محافظ السويداء مصطفى البكور بمثابة رسالة طمأنة من الداخل، تعكس رغبة محلية بالبقاء ضمن الإطار الوطني السوري، رغم الضغوط الخارجية، والتجاذبات السياسية التي تحيط بالمشهد.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى