ظل الرئيس.. وصمته (محمد صلاح)
محمد صلاح
مرة أخرى تفرض الظلال نفسها على واقع الأحداث التي تخيم على مصر، خصوصاً أن نسائم الربيع العربي تحولت بعد سنتين من الثورة المصرية إلى رياح عاتية تكاد تضرب البنية المصرية من أساسها، وتهدد مقومات دولة يفخر شعبها بأن لهم من الحضارة آلاف السنين. كثرت وانتشرت ظلال لا تقي الشعب نار وشظايا الصراع السياسي، أو الانفلات الأمني، أو الأداء السيء لكل أطراف الحكم. وإنما هي تخفي أحياناً نيات هؤلاء الفاعلين على الساحة، أو تداري أدوارهم التي ينكرون القيام بها، أو أياديهم التي تعبث من دون أن يقروا بأن لهم أيادي أصلاً. كذلك هناك ظل الرئيس الغائب عن الأحداث الضخمة المؤثرة في أمن بلده، وسلامة شعبه، وتاريخ دولته، ومستقبل أمته، فتطل تساؤلات حول مغزى الغياب عند الحاجة إلى الظهور، والظهور عندما يكون الغياب واجباً!.
العام 1977 قدم المخرج الياباني المبدع اكيرا كوروساوا إلى السينما العالمية رائعته «ديرسو اوزالا» أو فيلم «ظل المحارب» ليبهر الناس بـ»ظل» هو بطل شريطه السينمائي، وسبب في نصرٍ حققه أبناء قبيلة يابانية كانت تصارع أخرى في حروب ضروس ظل نجمها الأول «ظل الرئيس» الذي غاب! بالطبع تطرح المقارنة نفسها بين ما جاء في الفيلم الرائع الذي يجسد فترة مهمة من تاريخ اليابان وحروب القبائل هناك مقابل رؤساء غائبين، وهم حاضرون، أو كان حضورهم ربما سبباً في نكبة شعوبهم. في رائعة كوروساوا مات زعيم القبيلة عندما كان شعبه يواجه محنة كبرى، فمثل غيابه معضلة لرجاله ووزرائه ومساعديه الذين أدركوا أن إعلان موت الرئيس سيضرب بعنف قلوب الناس وعقولهم، ويؤثر بالسلب في الضباط والجنود الذين كانوا يخوضون غمار حرب امتدت سنوات، هدفها تحقيق «النهضة» لبلدهم، والرخاء لشعبهم. توصلوا إلى حل يقوم على إخفاء خبر موت الرئيس، ووضعوا دمية تشبهه على مقعده الذي ثبتوه في المكان نفسه الذي كان يجلس فيه الرئيس أعلى قمة جبل أثناء الحروب، وفي كل معركة. دون الدخول في التفاصيل فإن الجنود كلما نظروا من بعيد إلى حيث مكان الرئيس اطمئنوا إلى وجوده ومشاركته الحرب معهم، وظنوا أن الأوامر التي تصلهم صادرة عنه. مُنذ الدقائق الأولى وحتى نهاية الحرب، أو الفيلم، بقي ظل الرئيس داعماً لبلده، موحياً لأهله بالنصر القريب و»النهضة» المنتظرة وقد كان.
لا حاجة إلى كلام كثير لتوصيف الحالة المصرية في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، ومهما كانت الأسباب التي أفضت إلى هذا الأداء السيء لحكم يفجر الأزمات واحدة بعد أخرى من دون حلول لها، لأنه يكاد لا يقر أصلاً بأن هناك أزمة، أو يلقي بالمسؤولية دائماً على معارضيه أو منافسيه، وذلك الانفلات الأمني الذي زاده إضراب الشرطة، وهذا الصراع السياسي الذي يكاد يطيح مقومات الدولة، وتلك المعارك والاشتباكات التي تدور هنا وهناك دون نهاية أو أمل بالنهاية، وهؤلاء الشهداء الذين يسقطون من كل الأطراف يوماً بعد آخر من دون أن تجف أنهار الدماء. فإن الثابت والقاطع أن الرئيس حتى الآن لم يحقق أي نهضة وعد بها، وأن الظلال من حوله، وهو الذي يغيب كثيراً، تفجر الأزمات وتصنعها ولا تحلها، وسواء كانت تلك الظلال تتمثل في مكتب الإرشاد، أو رموز «الإخوان»، أو قادة الحرية والعدالة، أو شباب «الإخوان»، أو حلفاء الجماعة ومناصريها، فإنها لم تعاون الرئيس ليكسب حرب «النهضة» وإنما كانت سبباً بسلوكها وتصرفاتها وكلامها دائماً في الخسارة.
واضح أيضاً أن معايير المكسب والخسارة مختلفة ما بين أطراف الحكم التي تعتقد أن البقاء في السلطة هو «مكسب للثورة» وبين الشعب الذي يتعرض كل يوم إلى أضرار بالغة بعدما ضحى، ومازال، واكتشف أن الضرر يصيبه بلا ثمن، وأن الدولة التي عاش فيها ومن أجلها مهددة بالضياع.
صمت الرئيس مُحير، خصوصاً أن ظلاله حين تتحدث تربك المشهد بصورة أكبر، وتزيد من إحساس الشعب بوقع الخسارة. ورغم صخب المناصرين وبقائهم خلف الرئيس كظلال له فإنهم في كل الأحوال مجرد فصيل واحد بين فصائل أخرى متعددة تتصارع دائماً وتخفق غالباً، بينما الشعب يعاني ظلال الرئيس.. وصمته!
صحيفة السفير اللندنية