ظهر إعلان ترويجي لتلفزيون العربي يبشر بحوار صريح مع الناقد السينمائي محمد الأحمد الذي شغل مواقع هامة في الحياة السياسية والثقافية السورية في الحقبة الماضية، وهذا الظهور يأتي ضمن سياسة المحطات العربية لاقتناص الفرصة وفتح صدور الشخصيات المعروفة لتحكي ما تخفيه عن المرحلة الماضية وأسرارها..
موجة الحوارات هذه عملية مبررة في الإعلام ، ويمكن لصحفي مثل أنس الزرق أن ينجح فيها لأنه عمل مطولا في أروقة الإعلام السوري وكان على تماس مع الجهات الفاعلة في الدولة في مختلف جوانبها الإعلامية والثقافية والسياسية.
وكنت أتمنى لو أن محطة إعلامية استضافت أنس الأزرق كما يستضيف هو الآخرين لنعرف أشياء أخرى (يتوقع الإعلام) أننا نجهلها ، ومع ذلك هناك مايثير الانتباه في هذه الموجة فهل يحتاج السوريون الآن لتفاصيل من هذا النوع ، وقد غصت بها ذاكرتهم أم أنهم بحاجة إلى نوع من الحوارت تحاكي تجربة الأشخاص أنفسهم مع النظام السابق وتسعى للبحث في أنهم تسببوا بإطالة عمر هذا النظام طالما هو على هذه الدرجة من الدموية والقمع .
الوزير السابق محمد الأحمد حمّلته أسرته إرثا مشرفا له علاقة بوطنية هذه الأسرة وتاريخ معارضتها للنظام السابق، ولكن السؤال يفرض نفسه ، لماذا يذوب السيد المثقف مع السلطة نفسها التي حاربت جده وسجنت أبيه وحاولت تصفية عمه، وكما أعرف فإن والده الذي عانى كثيرا في السجن ومات فيه كان يمكن أن يثنيه عن تولي منصب كمنصب وزير للثقافة يضطر من خلاله للدفاع عن القمع والترويج لسياساته.
سؤال مشروع فعلا، ويمكن للصديق أنس أن يطرحه بداهة ، ولكن الفرق بيني وبينه هو أنه سيكون السؤال المحوري عندي، والباقي تفاصيل، وهذه وجهة نظر على كل حال.
المخيف الآن أننا أمام حقائق مقلقة، لأن السيد الأحمد هو مثقف ويعرف الوطن والتاريخ والسياسة، وهو نموذج من أسماء كثيرة قبلت تولي مناصب حساسة في الدولة (البوليسية) رغم أنها ليست بحاجة إلى هذه المناصب، رغم معرفتها بها ، والأمثلة كثيرة، والحوار معها الآن والتعرف على مواقفها من النظام السابق يجعلها عرضة للاتهام (بالتكويع) (عفوا أستاذ محمد، عفوا أستاذ أنس).
إن أخطر ما يواجهه المجتمع هو سقوط النخب في مرحلة القمع والتسلط ، ورغم أنني لا أتوقع أن أعيش طويلا لأرى هل سيتغير ذلك مستقبلا أم لا، إلا أن بإمكاني وصفها بأنها أخطر مرحلة عاشها السوريون وأنا منهم لأنها تسببت على الأقل بتبرير ممارسات النظام.
لقد واجهت هذه الحقيقة مع نفسي ، عندما كنت أعمل في أجهزة النظام الإعلامية ، وأنا الذي أمضيت ردحا من الزمن في سجونه، وكنت أخاف من هذه المواجهة مع الذات، وعندما شاهدت النخب تقبل بذلك رأيت أن العيش بهدوء أفضل بعد أن تشتت أسرتي وجاعت أمي بسبب سجني .
إنه لشعور بالاحباط أن نعيش في كنف نظام ظالم، وعندما يسقط نسعى لتصنيف أنفسنا بالمظلومين ، تلك حقيقة ينبغي الحوار حولها، ينبغي أن يشعر الأستاذ محمد الأحمد أنه ظلم أسرته كلها ..
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر