عائشة صديقة: ما وراء الاقتصاد العسكري في باكستان
بداية نود لفت الانتباه إلى أن «الشركة العسكرية – داخل اقتصاد باكستان العسكري» (الطبعة الثانية ـ military inc.: inside pakistan›s military economy ـ بلوتو ـ 2017)، يتمم دراسات سابقة نشرتُ عروضاً لها في منبر آخر من «الأخبار» عن الدور الاقتصادي للقوات المسلحة في كل من مصر والسودان والأردن، ضمن مؤلف أشرت إليه من قبل. تأتي هذه الدراسة ضمن مؤلف مستقل خصصت له الكاتبة عائشة صديقة وقتاً طويلاً بفضل منحة وفرها لها «مركز ودرو ولسن للأكاديميين». وهذا ما منح نقادها ما رأوه من سلاح للانتقاص من قيمته العلمية، خصوصاً حملة التخوين التي تعرّضت لها، وتهديد حاكم باكستان الأسبق الجنرال برويز مشرف بملاحقتها قضائياً بتهمة الخيانة العظمى، ما اضطرها إلى الفرار من بلادها الباكستان. مع أن الكاتبة تعرض دور القوات المسلحة الباكستانية في الحياة السياسية والاقتصادية على نحو مسهب، مصحوباً بكثير من الجداول التوضيحية، إلا أن الجزء الأكثر أهمية، هو الأرضية النظرية للعمل. يشكّل القسم النظري، أرضية صلبة يمكن للبحاثة العرب استعمالها للحديث في موضوع الدورة الاقتصادية الخاصة بالقوات المسلحة في العديد من الدول العربية.
هدف المؤلف ـــ وفق الكاتبة ـــ النظر في الاقتصاد السياسي للنشاطات التجارية (business activities) أو أعمدة الاقتصاد الشخصي للأعضاء العسكريين كونها محركاً لتطلعات القوات المسلحة السياسية. ابتدعت الكاتبة هذا الصنف من النشاط مصطلح «المشاريع التجارية العسكرية» «مِلبِز»/ milbus(z) – military business. وفق المؤلفة، يشير المصطلح إلى رأس المال العسكري الذي يوظف للمصلحة الشخصية للأخوية العسكرية (military fraternity)، وعلى نحو خاص لكوادر الضباط، لكنه لا يتم تسجيله ولا يحسب جزءاً من ميزانية الدفاع. هو ضرب مستقل تماماً من رأس المال. ثم تمضي الكاتبة في شرح الأسس النظرية لمصطلح «مِلبِز»، الذي تقول إنه يشير إلى الاقتصاد الذاتي للعسكر.
تضع عائشة صديقة ثلاث نقاط تجادل فيها موضوع «مِلبِز» وتقول إنه: أولاً رأسمال عسكري يسرمد النهب العسكري، وثانياً: الشكل الاقتصادي يقوي من النظام الشمولي.
أخيراً، يسبب هذا النظام علاقات إقطاعية ونظاماً سياسياً لا ديمقراطي. ما يخص مسألة العلاقات الاقتصادية، فالعسكر يسوغون نشاطهم الاقتصادي المستقل وغير الخاضع لأي مراقبة من المؤسسات المدنية، بالقول إنهم يوافرون الأمن للمجتمع. بذلك، هم يعيدون إنتاج العلاقات الإقطاعية حيث كان على أفراد المجتمع دفع أموال للمحاربين لقاء الحماية.
تعقد الكاتبة مقارنة بين الأوضاع في بلادها وتلك التي نراها في دول وكيانات أخرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وجنوب إفريقيا وكيان العدو الصهيوني حيث يعمل العسكر جنباً إلى جنب مع السياسيين. أما في دول أخرى ومنها إيران وكوبا والصين، فإن «مِلبز» يعمل بالتعاون مع الحزب الحاكم أو مع الحاكم المطلق. في دول مثل تركيا وإندونيسيا وتايلندا وميانمار، فإنه يعمل على نحو مستقل تماماً، وهو نتاج تدخل العسكر في السياسة.
توضح الكاتبة على نحو مفصل أن اهتمام العسكر بالمشاريع التجارية الربحية يمكّنها من التأثير في سياسات الدولة، ولا يشجع القوات المسلحة على العودة إلى ثكناتها، أي أن النهاية تكمن في انعدام الديمقراطية في الدولة.
ثمة مؤسسات عسكرية باكستانية عديدة توليها الكاتبة الاهتمام، وتوضح دورها الاقتصادي الاحتكاري ضمن الدولة، ومنها «فَوْجِي فاونديشن» (Fauji Foundation www.fauji.org.pk ) و«ائتمان رفاه الجيش – عسكري غروب» (Army welfare trust). تعد الأخيرتان أكبر تكتلات اقتصادية في الدولة، ويصل مقدار قيمها إلى نحو عشرة مليارات جنيه استرليني أو أكثر. ويضاف إليهما العشرات من الكيانات الاقتصادية الأخرى المنخرطة في الإنتاج، من الإسمنت إلى الكورنفليكس! من المفيد الآن وقد لخصنا المقدمة النظرية، عرض محتوى هذا المؤلف الثمين، منها المقدمة، إضافة إلى 10 فصول هي: «مِلبِز – المفهوم النظري»، و«العسكر الباكستانيين – تطور البريطوريانية 1947-1977»، و«تطور الطبقة العسكرية 1977-2005»، و«بنية مِلبِز» و«مِلبِز: سنوات التكون 1954-1977»، و«تمدد مِلبِز 1977-2005»، و«بارونات الأراضي الجدد»، و«إعالة الأفراد: الرفاه العسكري»، و«كلفة مِلبِز»، و«مِلبِز ومستقبل الباكستان». وقد أضافت الكاتبة فصلين للطبعة الجديدة هما: «من الحكومة العسكرية إلى الحكم العسكري (2007-2016)»، و«من الشركة العسكرية إلى الشركة الإعلامية».
صحيفة الأخبار اللبنانية