في الوقت الذي تستعدّ فيه السلطة الفلسطينية للعودة إلى مسار المباحثات الأمنية مع الاحتلال، برعاية أميركية وإقليمية، ووسط توقّعات بإعلان حكومة بنيامين نتنياهو رسمياً عن مجموعة من التسهيلات الاقتصادية لصالح رام الله خلال الأيام المقبلة، أحال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أغلب محافظي الضفة الغربية المحتلّة إلى التقاعد. ويأتي هذا القرار كخطوة جديدة على طريق إعادة ترتيب وتقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بما يمكّنها من تنفيذ الدور المطلوب منها في مواجهة المقاومة، واسترضاء إسرائيل والولايات المتحدة في الملفّ الأمني، الذي يَعتبره عباس ورقته الرابحة خلال المباحثات المقبلة.
وأصدر «أبو مازن»، أول من أمس، مرسوماً رئاسياً بإحالة معظم محافظي المحافظات الشمالية (الضفة الغربية) والمحافظات الجنوبية (قطاع غزة) إلى التقاعد. وشمل المرسوم، في الأولى، كلّاً من محافظي جنين، ونابلس، وقلقيلية، وطولكرم، وبيت لحم، والخليل، وطوباس، وأريحا والأغوار. وأمّا في الثانية، فطال كلّاً من محافظي شمال غزة، وغزة، وخان يونس، ورفح. وبذلك يكون محافظا رام الله والبيرة، وسلفيت في الضفة الغربية، مستثنيَين من قرار عباس، فيما محافظ المنطقة الوسطى في قطاع غزة، عبد الله أبو سمهدانة، الذي توفّي عام 2020، لم يعيَّن بديل منه. وتبِع هذا المرسوم مرسومٌ رئاسي آخر يقضي بتشكيل لجنة رئاسية، تضمّ عدداً من الشخصيات القيادية ذات الاختصاص، لاختيار مرشحين لشغل المناصب الشاغرة، ثمّ إحالة قائمة المرشّحين إلى الرئيس لإصدار قرار بشأنها.
وبحسب ما علمته «الأخبار» من مصادر في السلطة، فإن خطوة عباس تلك تأتي «استكمالاً لتنفيذ مخطّط يهدف إلى استعادة قوة السلطة في الضفة الغربية، ويلقى دعماً أميركياً وعربياً». كما أنها تجيء، بحسب المصادر، بعد سلسلة اتصالات ولقاءات أجراها أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطيني، ماجد فرج، مع مسؤولين أميركيين وعرب، تمّ التوافق خلالها على التجهيز للقاء جديد على غرار اجتماعات العقبة وشرم الشيخ. وكشفت المصادر أن عباس «أصدر توجيهات جديدة إلى الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بتكثيف جهودها لإنهاء حالات المقاومة التي ظهرت في عدد من مدن الضفة، وذلك بعد تعهّدات قدّمها للإدارة الأميركية أخيراً». وتترافق هذه التوجيهات مع «ضغط أميركي على حكومة نتنياهو لتمرير تحسينات اقتصادية تساعد السلطة على القيام بالدور الموكل إليها»، وفق المعلومات.
ومن جانب الاحتلال، كشفت مصادر عبرية أن دوائر صنع القرار الإسرائيلية تعكف، هذه الأيام، على إعداد خطة واسعة لدعم السلطة الفلسطينية، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، سعياً لمنع انهيارها. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن الخطّة تشمل، في شقّها الأمني، السماح للسلطة بحرية العمل داخل المناطق «أ»، وتقييد اقتحامات جيش العدو لتلك المناطق، ولا سيما أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تنشط بقوة في هذه الأيام ضدّ المقاومة في شمال الضفة. ومن ضمن التسهيلات التي يُراد من خلالها تعزيز صورة عباس أمام الفلسطينيين، الإفراج عن الأسرى من كبار السن والأطفال، ممّن شارفت محكوميّاتهم على الانتهاء، وتسليم جثامين الشهداء «غير المنتمين إلى فصائل مسلّحة، ومن غير منفّذي العمليات». أمّا في الشق السياسي، فأشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أن دولة الاحتلال ستواصل اللقاءات مع السلطة في شرم الشيخ بوساطة مصرية، وبحضور الأردن والولايات المتحدة، على أن يكون المنحى العام لهذه الاجتماعات أمنياً حصراً. وعلى الصعيد الاقتصادي، يدرس الأمن الإسرائيلي، وفق الصحيفة، استمرار «تجربة» السماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار «رامون» في النقب، وتطوير حقل غاز «غزة مارين» قبالة سواحل القطاع، بالتعاون مع مصر، وكذلك منح السلطة نصف عائدات رسوم المرور عبر معبر الكرامة.
ووصفت «يديعوت أحرونوت» التسهيلات المذكورة بـ«الاستراتيجية»، لافتةً إلى أنها «تهدف إلى مساعدة السلطة على التأقلم مع الواقع المالي الصعب، والتحدّيات الأمنية الملقاة على عاتقها، وخاصة في شمال الضفة». وكان قدّم منسّق أعمال حكومة الاحتلال، غسان عليان، ومستشار «الأمن القومي» الإسرائيلي، تساحي هنغبي، حزمة من المقترحات للمصادقة عليها لدعم السلطة، ومن بينها تأجيل تحصيل الديون المستحَقّة على الأخيرة سنة إضافية، وتحويل عائدات رسوم معبر الكرامة والتي تُقدَّر بنصف مليار شيكل إلى رام الله، بالإضافة إلى إقامة منطقة صناعية قرب الخليل. لكن الصحيفة شكّكت في قدرة نتنياهو على إقناع شركائه في الائتلاف الحكومي بالموافقة على تلك الإجراءات، وخاصة في ظلّ تهديد أحزاب المستوطنين بمعارضة المصادقة عليها.
من جهتها، حذرت «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» من أيّ عودة إلى إحياء مسار «العقبة – شرم الشيخ»، معتبرةً أن هذه العودة «ستلحق ضرراً بالغاً بالقضية الوطنية، بعد أن أثبتت التجربة المُرّة لهذا المسار، أنه شكّل غطاءً للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، وألقى على عاتق السلطة الفلسطينية مسؤولية الالتزام بالوظيفة الأمنية». وحذّرت الجبهة من الاستجابة للضغوط الأميركية على بعض الأطراف الإقليمية، بذريعة تخفيف حدّة التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعزيز التعاون الأمني مع دولة الاحتلال، وبناء حالة من الهدوء تساعد واشنطن على مواصلة مباحثاتها مع الرياض، في إطار مبادرة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتعميم حالة التطبيع في المنطقة.