عبد الحسين شعبان خريطة فكر..
رحلة عظيمة هي تلك الساعات التي قضيتها برفقة العلامة الدكتور المفكر العراقي عبد الحسين شعبان في كواليس تحضيرات الاحتفال الذي أقامته مؤسسة آفاق العدالة للدعم القانوني بالتعاون مع اتحاد الحقوقيين العراقيين في بغداد ٣/١٢/٢٠٢٢ بمناسبة وصوله للعمر الماسي من حياته، احتفاء وتكريما لمنجزات واقع السيرة الفكرية والعلمية والمعرفية والثقافية والابداعية لابرز رواد الدفاع عن حقوق الانسان في العراق والعالم والوطن العربي.
كنت أحاول ان ألملم الشذرات الماسية التي تتساقط منه وهو يجود بوافر المعلومة الانسانية والفكرية والأدبية والسياسية والفلسفية والدستورية والاستشراقية والحقوقية وعلم التاريخ والاجتماع والحكمة والثفافة وعلم المنطق وعلوم الكلام، وفن البلاغة في هندسة فكرية غير معهودة ..
أن تسمع عن العباقرة وإنجازاتهم، وتصورهم في ذهنك طبقا لتلك الايديولوجيات المتاحة فهذا شيء مألوف ومتاح، أما أن ترى عالِما وتواكبه في يومياته وتحركاته وطريقة تعامله مع أدق الاشياء في محيطه، وممارسته لفن اختزال وإسهاب المعلومة بالشكل المناسب، والبعد التحليلي لكل مايكتنف الساحة حولنا بل وكل العالم..وحتى قراءة نفسيات الشخوص الذين يتعاملون معه بدقة عالية فهو أمر لن يتكرر معك دائما..
عبد الحسين شعبان (مركز متكامل لكل أنواع البحوث الاستراتيجية) كتب أكثر من ثمانين كتابا في مختلف التخصصات وآلاف البحوث والتقارير والمقالات وشارك في مئات المؤتمرات الدولية بل تجد حتى أن الكثير من فقرات دساتير الدول المجاورة هي واحدة من مقترحاته..
ان ما دعاني لحضور حفل تكريم شعبان وتقديمه، والسفر الى بغداد، هي مقابلتان جمعتني بحضرته، مقابلتان لا أكثر، فكيف بمن قضوا رهطا طويلا من أعمارهم يستسقون العلم من جواره..يكفي أن من يراه يلوذ بالصمت خوفا من مقاطعة انسيابية المعلومة المتدفقة كشلال هادىء متزن من جهة، ومن جهة ثانية والأهم خوفا من أن ينكشف ستر جهلك أمامه..
إلا اني فوجئت وأنا على المنصة في حفل تكريم المحتفى به، فوجئت بكم البرقيات التي وردت من محافظات العراق وكل دول العالم في وصف شخصية هذا المفكر الفذ ،الامر الذي اربكني في التعامل مع هذا العدد الهائل هو محدودية الوقت، ناهيك عن المحتفين المتواجدين في القاعة والراغبين في آلقاء كلماتهم بالمحتفى به.. مما جعلت توصيفات الرجل تتزاحم في مخيلتي فكنت أراه، العريق، المعاصر، الفذ، العملاق ،مفتاح العلوم، الشجاع، سمفونية الفكر المتنور، صندوق الثقافة المتجدد، أنيق الكلمة والابتسامة، مشرق الروح..
لتستحضرني بعدها الكلمات التي قالها الجواهري بحق شعبان..
أبا ياسر وأنت نعم الصحيب
وقل الصحاب ونعم الخدين
لقد كنت في محضر والمغيب
ذاك الوفي وذاك الأمين
وفي ذكرياتي كنت الصميم
سميرَ المعّنى وسلوى الحزين
من المعلوم أن البشر تختلف توجهاتهم ومقدار إيمانهم بمعتقداتهم، بل ينحاز أحدهم للفكر أو المعتقد الذي يؤمن به حد التطرف والتكفير، لكن؛ على أن تجمع كل هذا الشتات وتدفعه الى رأي واحد فهو ضرب من ضروب الخيال، إلا في حالة عبد الحسين شعبان عندما اتفق الأضداد في وصفه كحالة استثنائية نادرة تجمعهم راية( متفق عليه) كخط واحد للإعجاب والمديح والثناء، وذلك لان شعبان استطاع أن يتكلم كل اللغات ويختزلها في لغة واحدة…
مواقفه الصحيحة والحقيقية تجاه الشعوب والمجتمعات وحتى الاقليات تركت الأثر الكبير في قلوب محبيه وعندما نجد الرئيس مسعود بارزاني يقول :(إن عبد الحسين شعبان يستحق منا ومن الشعب الكوردي كل التقدير) نجد رئيس جمهورية العراق الاسبق جلال طالباني يقول:( لقد عرفنا الدكتور شعبان منذ عقود من الزمن كاتبا وناشطا ومناضلا وصديقا عزيزا لشعبنا الكوردي ولا بد للمناضلين ان يُكافأوا ويكرموا في حياتهم).
وعن الشجاعة النادرة والانسانية في شخصيته وكون شعبان مؤسس جامعة اللاعنف( أونور) تقول الاديبة والصحفية سلام الخياط: (أنه رجل حر من اي ادلجة شجاع دون ادعاء يجاهر باصدق نبرة وأعلى صوت دفاعا عن المحرومين والمعذبين والمستضعفين، هو دعوة رحبة، رحابة سماء ونبيلة نيل صلاة) بينما يصفه القاص والاديب محمود البياتي بانه يتميز بالنفور من العنف والاستبداد أيا كان مصدره والانحياز للمظلومين وباتخاذ المواقف على اساس مبدأي حتى لو تعارضت مع مصالحه الشخصية، أما الكاتب والقيادي الفلسطيني صلاح صلاح فيقول: (سمعت عنه الثناء من دكتور جورج حبش وياسر عرفات وكان أول مرة سالني عنه هو غسان كنفاني الذي التقاه في بيروت العام سبعين واعجب به..)
نزوعه الادبية وشفافيته السياسية والملتزمة جعلت منه شخصا قريبا للشارع العربي فيرى المفكر المصري حلمي شعراوي انه مثال للتكامل الانساني ويقول: (إني دهشت من هذا القانوني الحقوقي الذي يجمع الى جانب ذلك نزوعا ادبيا وفنيا وفكريا نمطيا حيا وممارسة سياسية ملتزمة)
بينما يرى سمير الحباشنة وزير الداخلية ووزير الثقافة الاردني الأسبق أن شعبان يتحدث من منطق عروبي تقدمي عن قضايا الهوية ومسائل الوحدة والتنوع بالارتباط بالمواطنة وتخليص الاسلام من كل ما علق به من خزعبلات ..
خلال ذلك وكما يرى الكثيرون أن شعبان اختط لنفسه طريقة في البحث تمثل في الغوص والبحث عن الحقائق غير معتمد على ماظهر على السطح من دلائل فإني أرى أن الخط المعرفي الإنساني الذي يجب أن يعتمد وترتقي به المستويات البشرية نحو الوجود السليم والقويم للإنسانية يجب أن يتماشى وفق ايديولوجيات (شعبانية )حديثة تدعو الى التنوير الماسي.