عبودية عالم الجواري لا تزال مستمرة وإن اختلفت الأشكال
عبودية عالم الجواري لا تزال مستمرة وإن اختلفت الأشكال…تطورت أشكال العبودية على مدار التاريخ وحتى الآن، وعلى الرغم من الدور الذي لعبته الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام، والتطورات التي لحقت بالإنسانية عبر الثقافات والحضارات شرقا أو غربا، إلا أن العالم لم يلفظ فكرة العبودية إلا في مرحلة متأخرة جدا ومع ثورة الأفكار والأطروحات والفلسفات، لكن حتى هذه الثورة لم تستطع محوها إذ تحورت تلك الأشكال لتأخذ صورا أخرى غير التي ألفتها الإنسانية.
يتطرق هذا الكتاب للباحثة فاطمة عبدالرؤوف إلى شرح تفصيلي لموقف الإسلام من الرقيق عموما ومن الجواري خاصة ومنهجية الإسلام في تحرير العبيد والجواري، كما يتطرق للأوضاع في الحضارات الأخرى المختلفة وفي حضارات الغرب على وجه الخصوص، بدءا من سومر وآشور واليونان القديمة وفي دولة الرومان وأوضاع الجواري في العصور الوسطى، وأخيرا العصر الحديث، حيث يختتم بالتوقف عند جواري العالم المعاصر أو ما يطلق عليه الرق الأبيض وعصابات الاتجار بالنساء، والتي لا تقل بشاعة إن لم تزد عن جميع الانتهاكات التي تعرضت لها الجواري في جميع العصور التاريخية، بل إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها كثير من العاملات في دول العالم قد تتشابه كثيرا مع ظروف الجواري في العالم القديم.
تؤكد عبدالرؤوف في كتابها الصادر عن دار الفاروق إن ظاهرة الجواري قديمة للغاية حتى تبدو لأزمان ما قبل التاريخ. ففي مصر القديمة ـ سلة غذاء العالم ـ حيث الزراعة المتطورة المتنامية، كانت الحاجة ماسة للعمالة الزراعية الكثيفة، ويبدو أن ذلك كان أحد الدوافع الرئيسية للاستعباد؛ أي أداء الأعمال خاصة الزراعية، وفي مراحل تاريخية لاحقة، تم استعمال العبيد من قبل قدماء المصريين في تشييد القصور الملكية والصروح الكبرى وهي أعمال تحتاج لأيدي عاملة كثيفة. كانت العبودية متفشية في الحضارات القديمة جميعا، وليست الحضارة المصرية القديمة فقط، وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية، كانت حضارات الصين وبلاد الرافدين والهند تستعمل العبيد في الخدمة المنزلية والخدمة العسكرية، وكذلك كان الحال في حضارات “المايا والإنكا والأزتك” التي كانت تستخدم العبيد على نطاق واسع في الأعمال والحروب. أما في بلاد الإغرايق، فكان الرق شائعا بطريقة مذهلة حتى إن مدينة “أثنيا” ـ عتيدة الديمقراطية ـ كان الكثير من سكانها من العبيد، يتضح هذا بشكل ناصع من خلال كتابات “هوميروس” في كل من الإلياذة والأدويسا.
وتتساءل: من أين أتى العبيد؟.. وتقول “يبدو أن هناك مساران رئيسان كي يتحول إنسان ما لعبد؛ الأول: هو الأسر خلال الغارة أو الحرب، أما المسار الثاني: هو تسديدا لدين عجز صاحبه عن دفعه. بعد ذلك، انتشر الرق بالتناسل، الذي كان كثيفا في أوساط العبيد، فيولد الطفل أو الطفلة في أغلال العبودية منذ لحظاته الأولى في الحياة. كان الرق ـ إذن ـ أحد الأعمدة الرئيسية في اقتصاد العالم القديم، وكان هناك مجموعة من الظروف المعقدة التي سخرت فئة ليست قليلة من البشر “الجواري والعبيد” لترزح تحت سلطة وهيمنة فئة أخرى. وبمرور العقود والقرون اكتسب هذا الوضع شرعية الأمر الواقع حيث يقول المؤرخ ويل ديورانت في موسوعته الشهيرة “قصة الحضارة”: “بينما كانت الزراعة تنشيء المدنية إنشاء فإنها إلى جانب انتهائها إلى الملكية، انتهت كذلك إلى نظام الرق الذي لم يكن معروفا في الجماعات التي تقيم حياتها على الصيد الخالص.
وتتابع عبدالرؤوف أن العبودية أو الرق أو ظاهرة الاستعباد للآخرين على أوسع نطاق ممكن كان موجودا لدى الفراعنة، إذ كان الملوك والكهنة وقواد الجيش المصري القديم يتخذون أسرى الحرب عبيدا لهم حيث كانوا يستخدمونهم فيما تحتاج إليه الدولة الفرعونية من أعمال، كشق الترع وبناء الجسور والمعابد والأهرام، وكان عبيد القصور يتمتعون بمعاملة إنسانية أفضل، وكان مسموحا للحر أن يتجوز جارية، وكان محظورا على الملاك قتل الرقيق، ومن قتل عبدا فإنه يقتل به على سبيل القصاص. أما في بلاد اليونان القديمة، قد كان في أثينا وحدها عددا هائلا من العبيد حيث وصل عددهم إلى 80 ألف في القرنين الـ 5 و6 قبل الميلاد؛ أي ثلث مجموع السكان في اليونان. ولم يكن لهم قوة أو وضع اجتماعي، وكان لديهم الحق في امتلاك عائلة ملكية خاصة بإرادة السيد وأذنه. ومع توسع الجمهورية الرومانية إلى الخارج في أوروبا ومناطق البحر المتوسط، أصبح هناك وفرة في الإمدادات والموارد، مما أدى إلى استقدامهم العبيد من هذه المناطق من الإغريق والبربر والبريطانيين واليهود والعرب، وتم استخدامهم في التسلية أيضا وليس فقط في العمل مثل المصارعة الحرة التي شاعت شيوعا كبيرا في عصرهم.
وتوضح أن تاريخ الاسترقاق في بلاد ما بين النهرين يعود إلى حوالي 10 آلاف سنة حيث كانت قيمة العبد الذكر بستان نخيل التمر، كما كانت تستخدم النساء من العبيد في تلبية المطالب الجنسية للأسياد. وكان هؤلاء العبية يكتسبون حريتهم عندما يموت سيدهم. وتشير الدراسات لوجود أدلة على أن الرق سبق السجلات التاريخية المكتوبة، وكان موجودا في العديد من الثقافات. وحوالي عام 3500 قبل الميلاد ظهر العبيد في الحضارة السومرية، وكانوا يشكلون أغلبية السكان وهم مسئولون عن جميع الأعمال اليدوية، ومع نمو المدن السومرية في عدد السكان واتسع نطاقها، اختفت الأراضي البكر التي كانت تفصل بين المدن، وكان السومريون من مدن مختلفة غير قادرين أو غير راغبين في حل نزاعاتهم على الأرض وتوافر المياه، فاندلعت الحروب بين تلك المدن، وهي الحروب التي رأوا أنها قامت بين آلهتهم. وبالنهاية اتخذ السومريون العبيد من السومريون الآخرين جرى أسرهم في الحروب بينهم، لكن في الأصل حصل السومريون على العبيد بعد محاربة الشعوب خارج بلاد سومر. وكان الاسم السومري للأنثى من العبيد “فتاة جبلية”، وكان الرجل من العبيد يسمى “رجل الجبل” وكان السومريون يستخدمون عبيدهم أساسا كعمال منازل ومحظيات.
وتضيف أن الرق أيضا كان موجودا على نطاق واسع لدى الآشوريين، وقد كانت قصورهم مليئة بالعبيد والجواري للخدمة والمتعة في آن واحد، ومن أطرف الوثائق والعقود التي عثر عليها وتعود إلى عهد الملك “نبوخذ نصر”، تلك العقود المتصلة بالعبيد “وكان مصدر هءلاء العبيد أسرى الحروب، والغارات التي يشنها البدو الرحل على الولايات الأجنبية، ونشاط العبيد أنفسهم في التناسل، وكان ثمن الأرقاء يختلف من 20 ريالا إلى 65 ريالا للمرأة، ومن 50 ريالا إلى 100 ريال للرجل، وكان هؤلاء العبيد هم الذين يؤدون معظم الأعمال العضلية في المدن. وتدخل في هذه الأعمال الخدمات الشخصية”. ومن الملاحظ ارتفاع سعر العبيد عن الإماء الإناث لأن لهم تأثيرا واضحا على اقتصاديات الدول.
وتشير عبدالرؤوف إلى أن الاتجار بالجنس هو مزيج من العبودية والاتجار بالبشر، وهما عنصران أساسيان لقيام صناعة الاتجار بالجنس، وتستند هذه الصناعة على التفاعل بين مهرب يقوم بخطف الضحايا وعرضهم للبيع، وبين عملاء يقومون بشرائهم واستغلالهم في أعمال جنسية. وللاتجار بالجنس عدة أشكال منها: السياحة الجنسية والاتجار بالجنس على النطاق المحلي واستغلال الأطفال جنسيا وفي الدعارة. وطبقا لتقارير الأمم المتحدة، فقد وصل عدد ضحايا الاتجار بالبشر إلى عدة ملايين من الأشخاص، حيث تم خطف وبيع أكثر من 80% منهم للقيام بأعمال جنسية. وتصل أرباح هذه الصناعة إلى 32 مليار دولار أمريكي سنويا. وطبقا لمنظمة العمل الدولية فإن 20.9 مليون إنسان يعد ضحية للخطف والسخرة، و22 % منهم “4.5 مليون” هم ضحايا استغلال جنسي قسري، ومع ذلك لا تزال هذه الأرقام غير دقيقة نتيجة لصعوبة جمعها. وغالبا ما يكون هؤلاء الضحايا في موقع يجعل من الهروب شيئا مستحيلا أو خطيرا.
وترى أن التعاريف القانونية دائمة التغيير لما يوصف بأنه الاتجار في الجنس والبغاء حيث يحدث خلط شديد بين الدعارة والبغاء بإرادة حرة، وبين خطف النساء وإجبارهنن على ممارسة الدعارة والبغاء، أي أنه يتم استرقاقهن ويكرهن على البغاء، بعد ذلك، ومن ثم لا يتم توجيه الدعم المادي والنفسي لضحايا العبودية الجنسية وجواري العصر الحديث بصورة دقيقة، في هذا السياق لا يمكن تصور أن عملية الاتجار بالجنس بالإكراه وعملية البغاء عمليتان متشابهتان أو مسألتان متجانستان، لكنهما غالبا ما يتقاطعان مع أشكال الاضطهاد الأخرى. إن الحاجة ماسة لزيادة توافر فرص العمل والخدمات الاجتماعية خارج نطاق العمل في مجال الجنس للحد من احتمال الدخول في أي من الصناعتين.
وتتساءل عبدالرؤوف عن السبب الحقيقي وراء جريمة استرقاق النساء وتسخيرهن في صناعة الجنس، وتنقل عن “سيدهارث كارا الكاتب والناشط في مجال مناهضة الاتجار بالجنس قوله “إنه لا يوجد سبب وحيد لانتشار ظاهرة الاتجار بالجنس، وإنما تتشابك العديد من الأسباب. وحسبه أن العولمة وانتشار الرأسمالية الغربية هما أساس انتشار هذه الجريمة، ويضيف أن العرض والطلب المستمر على الاتجار بالبشر هو ما يدعم استمرار هذه الظاهرة. فالكوارث الطبيعية والتفرقة بين الجنسين والمشاكل الشخصية والمعتقدات العامة هي ما قد يجعل بعض أفراد بعض الشعوب أكثر عرضة للاتجار بهم. ويؤكد كارا أن العمالة الرخيصة وقوانين وسياسات الهجرة الصارمة، وإشراك المسئولين الحكوميين الفاسدين في عصابات الاتجار تعد الأسباب الحقيقية للترويج والتوسع في هذه الجريمة. أما سوزان تيفانبيرن أستاذة القانون واللغات في الجامعات الأمريكية، فتؤكد أن ظروف الفقر الشديد والمعتقدات العامة في بعض المجتمعات التي تقلل من شأن المرأة، بالإضافة إلى الجهل وغياب الوعي هي الأسباب التي قد توقع الكثير من النساء في قبضة الدائنين وتجار البشر والجنس من بعض البلاد مصدرا للبشر ضحايا الاتجار والتهريب.
وتلفت إلى أن الرقيق الأبيض مصطلح حديث أطلق على استغلال الإناث من كافة الأعمار للقيام بأعمال وأشياء يجبرن عليهن. وهذا الشيء موجود منذ القدم، ولكن اتخذ طابعا جديدا في الأونة الأخيرة وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى دول ضعيفة اقتصاديا واجتماعيا، فانتشر الفساد والمافيا، وغرر بمئات الآلاف من فتيات أوروبا الشرقية وآسيا الوسطي وبعض الدول في جنوب شرقي آسيا. والآن انتشر بشكل واسع في بعض دول في منطقة الشرق الأوسط. كما يشير المصطلح إلى أحد النزعات الجنسية التي تتصف بميل أحد أطراف العلاقة الجنسية للتعرض لاستبعاد الطرف الآخر له وإذلاله نفسيا وتعذيبه جسديا “المازوجية الجنسية”، حيث يحصل الشخص المازوخي على الشعور باللذة خلال العلاقة الجنسية القائمة بالتراضي مع طرف آخر، عادة ما يكون شخصيا ساديا.