عطب في قاطرة العولمة

في اليوم التالي على تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، زار باراك أوباما جامعة ستانفورد في كاليفورنيا للتحدث مع أصحاب مشاريع من 170 بلدا حضروا قمة ريادة الأعمال العالمية.

ووصف جمهوره بأنه “الغراء” الذي يعمل على إبقاء مجتمعاتنا معا، قال الرئيس الأمريكي إنهم يجسدون “كل التفاؤل والأمل والفرصة” لعالم مترابط. وقال: “أنتم ستكونون ما يساعد عملية التكامل العالمي هذه على النجاح بطريقة تعتبر جيدة للجميع وليس فقط لبعضهم”.

هذه النسخة السعيدة من العولمة تشير إلى أن مستقبلنا يتطلع إلى الخارج، وأنه شامل، ومترابط. لكن من الواضح أن هذه الرؤية لا تجد قبولا لدى الجميع، كما اعترف أوباما. العولمة أيضا تثير مخاوف بشأن تآكل الهوية، والقومية، والأمن الاقتصادي – كما أصبح كل هذا واضحا خلال حملة الاستفتاء في بريطانيا.
رفض الناخبين البريطانيين لعضويتهم المستمرة لـ 43 عاما في الاتحاد الأوروبي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه يعكس رغبة في الانفصال عن هذا العالم المثير للحيرة و”استعادة السيطرة”.

في زيارة إلى لندن الأسبوع الماضي، ناندان نيليكاني، صاحب مشاريع التكنولوجيا الهندي الذي ابتكر عبارة “العالم مسطح” لوصف وعد العولمة، فسر خروج بريطانيا بأنه حدث مهم في تاريخ العالم، على نحو يعكس واقعا جديدا لعصرنا. قال: “خروج بريطانيا هو كناية لما يحدث في العالم. إنه التراجع عن العولمة”.
بالحكم من خلال خطاب حملة الاستفتاء، على الأقل، الصورة أقل صرامة. في الحقيقة، حملة المغادرة كانت ائتلافا من التناقضات، بما في ذلك الأممية الليبرالية لأجزاء من المحافظين اليمينيين مع الحمائية القومية للكثير من حزب الاستقلال البريطاني. وقد عكست كلا من الطلب لإغلاق الباب في وجه الهجرة غير المسيطر عليها، لكن أيضا لمد بصر بريطانيا إلى خارج أوروبا. الغلاف الأمامي لمجلة “سبيكتيتر” المؤيدة لخروج بريطانيا حمل صورة لفراشة بريطانية تبرز من صندوق أوروبي مع عنوان “خرجت إلى العالم”.

بعض نشطاء حملة خروج بريطانيا هاجموا الاتحاد الأوروبي باعتباره بيروقراطية اشتراكية خنقت المشروع الرأسمالي في بريطانيا. لكن آخرين أدانوا الاتحاد الأوروبي باعتباره حصان طروادة للعولمة، يسهل حرية حركة رأس المال والبضائع والأشخاص. العلاجات، بالقدر الذي كانت فيه واضحة، كانت إما إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في محاولة لتصبح سنغافورة ذات التجارة الحرة في بحر الشمال، وإما إعادة عقارب الساعة إلى عالم الخمسينيات حين كان كل شيء يبدو قابلا للتنبؤ أكثر بكثير. هذه الدوافع السياسية ربما قادت الاستفتاء، لكنها بالتأكيد غير متوافقة على المدى الطويل. أي عقلية ستسود في بريطانيا بعد استفتاء الخروج يمكن القول إنها ستكون مهمة أكثر من تفاصيل العلاقة التي تحاول لندن التوصل إليها بشكل فوضوي مع بقية أوروبا.

القطاعان الأكثر عرضة لهذا الصراع هما المجتمعات التكنولوجية والعلمية في بريطانيا. لقد كانا من بين الداعمين الأكثر صخبا لحملة البقاء وهما من بين الأكثر قلقا من النتيجة. كلاهما يعتمد في حيويته على التدفق الحر للأفكار والأشخاص وهما الآن يخشيان على مستقبلهما إذا انغلقت بريطانيا على نفسها.

السير بول نيرس، العالم الحائز جائزة نوبل، وصف قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي بأنه أكبر تهديد للبحث البريطاني في الذاكرة الحية. جامعات البحث البريطانية كانت تعتمد إلى حد كبير على تمويل الاتحاد الأوروبي و44 في المائة من جميع أنشطة التعاون البحثي الدولي في المملكة المتحدة مع شركاء أوروبيين.

ويخشى بعض أصحاب المشاريع من هجرة الأدمغة إلى مراكز التكنولوجيا الأوروبية، مثل برلين أو ستوكهولم، في الوقت الذي يبحث فيه مواطنو الاتحاد الأوروبي عن مواطن أكثر ترحيبا في أماكن أخرى.

بالنسبة لكثير منهم، التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي يبدو بمنزلة عمل من أعمال الحماقة الوطنية التي لن تؤدي سوى إلى نزوح جماعي في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة لتأمين اتفاق أسوأ من الذي تتمتع به بريطانيا اليوم.

لكنهم يعترفون أيضا بأنهم ربما في مكان أفضل من معظم الناس للازدهار في عالم معولم في مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، كانت الحكومة تحاول طمأنتهم بأنها سوف تدافع عن مصالحهم. جو جونسون، وزير الجامعات والعلوم، قال لعلماء في الجمعية الخيرية “ويلكوم تراست” الأسبوع الماضي: “لن نمنع العلماء الأذكياء من القدوم إلى العمل في الجامعات البريطانية”.

الطريقة التي ستميل فيها بريطانيا خلال الأعوام القليلة المقبلة قد تخبرنا الكثير عن الاتجاه المستقبلي للعولمة. العلماء وأصحاب المشاريع في البلاد سيكونون أول من يشعر بأي تحولات في مستوى الميلان. ينبغي أن نراقب من كثب إلى أين تذهب. استضافة قمة ريادة الأعمال العالمية الخاصة بهم قد تكون مكانا جيدا للبدء منه.

FINANCIAL TIMES

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى