عندما تخشى الموسيقى غضب السياسة

يستعرض كتاب “مذكرات ديمتري شوستاكوفيتش: معاناة عبقري مبدع في إمبراطورية الرعب” حياة واحد من اهم الموسيقيين الروس في القرن العشرين بكل ما فيها من عبقرية وإبداع ومعاناة.والكتاب الذي أعده وحرره الصحفي والموسيقي سولومون فولكوف وترجمه عن الإنكليزية محمد حنانا صدر مؤخرا عن منشورات المتوسط في ايطاليا.

تميزت موسيقى شوستاكوفيتش بابتعادها عن الشعبية والرومانسية، مناقضاً بذلك تعليمات الواقعية الاشتراكية، ومثيراً غضب ستالين. وتم اعتبار موسيقى شوستاكوفيتش غير لائقة بموسيقي روسي، ومن هنا بدأت أزمة شوستاكوفيتش الحياتية ومعاناته، فهو لم يكن قادراً بأي حال من الأحوال، لاسباب شخصية، على مغادرة البلاد مثل سترافينسكي أو بروكوفييف أو رخمانينوف، بل ظل في روسيا واضطر أن يخضع ويتماشى مع الكثير من الضغوط.

لكنه كتب مذكراته هذه سراً وهربها عن طريق الصحفي والموسيقي سولومون فولكوف.

وعن إصدار هذا الكتاب يكتب الناشر خالد سليمان الناصري على الغلاف:

“لا يزال الجدل محتدماً حول هذا الكتاب، فمُعده سلومون فولكوف لم ينشر وثائقه الأصلية بعد، لذا شكك الكثيرون في صحة ما جاء فيه.

لكن في المقابل أكد كثيرون أيضاً ما أتى به هذا الكتاب، منهم عائلة شوستاكوفيتش، باستثناء أرملته إيرينا الزوجة الثالثة بحجة أن فولكوف لم يلتق شوستاكوفيتش إلا ثلاث مرات. لكن الحقيقة أن العلاقة المهنية التي جمعت بينهما استمرت 15 عاماً.

أكد كثيرون اطلاعهم على الوثائق الأصلية، وأحال فولكوف عدم نشر الوثائق بسبب أن مالكها هو الناشر الأميركي، وصرح مكسيم ابن ديمتري شوستاكوفيتش بصحتها أكثر من مرة، وفي أحد اللقاءات التلفزيونية قالت غالينا ابنة شوستاكوفيتش: أنا ممتنة لـ فولكوف. لا شيء زائف هنا، حتى الخطاب هو خطاب شوستاكوفيتش، وليس اختيار المفردات فقط، بل حتى ورودها في السياقات هي لشوستاكوفيتش”.

وفي إحدى المقالات يكتب يزن اللجمي عن شوستاكوفيتش: “خلال الحرب الباردة، ظل الجدل محتدماً في الغرب حول كيفية التعامل مع شوستاكوفيتش أخلاقياً وفنياً، فبينما اعتبر البعض أسلوبه رجعياً ومتأخراً بالنسبة لعصره، دافع عنه آخرون مشيرين إلى أن بطولته يصعب فهمها من قبل أولئك الذين عاشوا طوال حياتهم في مجتمعات حرة ومزدهرة”.

يقول الناشر على غلاف الكتاب “تقدم المتوسط هذا الكتاب للقارئ العربي الذي قد يكون الأقدر على فهم هكذا نوع من البطولات، فما أكثر من عايش، ومن لا يزال يعايش أنظمة فاقت في قمعها وجبروتها نظام ستالين”.

يقول سولومون فولكوف: “قسمت المادة المجمعة إلى أقسام ورتبتها على نحو ملائم ثم عرضتها على شوستاكوفيتش الذي وافق عليها، إن ما نتج عن هذه الصفحات كان له تأثير عميق عليه، وتدريجياً أكسبتُ هذه المجموعة الرائعة من الذكريات شكلها الأخير، ثم طبعتها على الآلة الكاتبة، كان واضحاً لكلينا أن هذا النص النهائي لا يمكن نشره في الاتحاد السوفييتي، بذلت عدة محاولات في هذا الشأن وفشلت، لذا قررت إرسال هذه المخطوطة إلى الغرب، وقد سمح شوستاكوفيتش بذلك، كانت لديه رغبة شديدة في أن يُنشر ذلك الكتاب بعد الوفاة، وكان يردد دائماً: بعد موتي، بعد موتي”.

ويضيف فولكوف في الكتاب “لم يكن شوستاكوفيتش مهيأً ليقاسي محناً جديدة، كان ضعيفاً جداً، أرهقه مرضه. في تشرين الثاني عام 1974 دعاني شوستاكوفيتش إلى منزله. تحدثنا لمدة، ثم سألني أين المخطوطة، أجبته في الغرب واتفاقنا نافذ المفعول. فقال: جيد. أخبرته بأني اعددت تصريحاً بما معناه أن هذه المذكرات ستظهر مطبوعة فقط بعد موته. توفي شوستاكوفيتش في آب عام 1975. وفي حزيران من عام 1976 وصلتُ نيويورك، مصمماً على نشر هذا الكتاب”.

وسولومون فولكوف صحفي وعازف موسيقي روسي، ولد في مدينة اوروتيبا، في طاجكستان حالياً، درس الكمان في لينينغراد وتخرج من معهدها مع مرتبة الشرف في العام 1967، ثم واصل الدراسات العليا في الموسيقى هناك، شغل منصب المدير الفني للموسيقى التجريبية في مسرح الغرفة.

بدأت علاقته المهنية بدميتري شوستاكوفيتش في العام 1960 عندما كتب عرضاً عن الرباعية الوترية الثامنة لشوستاكوفيتش، وكتب شوستاكوفيتش بعد ذلك بسنوات مقدمة لأحد كتب فولكوف، في العام 1971.

توفي شوستاكوفيتش في عام 1975 وانتقل فولكوف إلى أميركا في العام 1976، وكان باحثاً مشاركاً في المعهد الروسي في جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث يعيش الآن مع زوجته ماريانا ويعمل كموسيقي ومصور.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى