غموض حول مصير «فاغنر» وزعيمها | بوتين يكرّم العسكريين: أحبطتم «حرباً أهلية»
خلال الأيام الثلاثة الماضية التي تلت فشل محاولة التمرّد التي قامت بها مجموعة «فاغنر» بقيادة فغيني بريغوجين، ظَهر واضحاً أن الغرب يحاول مجدّداً تجنّب «إغضاب» روسيا، من خلال التظاهر بالتزام «الحياد»، واضعاً المسؤولية كلّها على عاتق أوكرانيا، هذه المرّة أيضاً، لإيجاد «نافذة» يمكنها من خلالها توجيه ضربة قد تعطي «نفَساً» لهجومها المضاد الذي يسير أبطأ ممّا كان متوقّعاً. وتزامناً مع «الترقّب الهادئ» للقوى الغربية، شكر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، في خطاب جديد أمام أفراد من وحدات الجيش الروسي والحرس الوطني وقوات الأمن، وغيرهم ممّن شاركوا في حفظ النظام أثناء تمرّد المجموعة العسكرية، العسكريين الذين منعوا وقوع «حرب أهلية»، مشيداً بطيّاري الجيش الذين قتلهم المتمرّدون.
وممّا قاله بوتين في خطابه: «مع رفاق السلاح، وقفتم في وجه هذه الاضطرابات التي كانت ستكون نتيجتها الفوضى بلا شك»، داعياً إلى الوقوف دقيقة صمت على أرواح الطيّارين الذين قتلهم المتمرّدون، فيما يؤدون واجبهم «بشهامة».
وفي إشارة إلى «خيبة أمل» بعض المسؤولين الغربيين، الذين كانوا يتوقون، ولو بصمت، إلى رؤية الاستقرار الداخلي في روسيا يتزعزع، آملين في أن تؤدي الاضطرابات السياسية إلى تقويض قوة بوتين بطريقة ما، وبالتالي حسم الحرب لصالح كييف، قال المتحدّث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إنه يختلف مع آراء «المتخصصين الزائفين»، حول أن التمرد المسلح الفاشل «هزّ وضع الرئيس بوتين»، مشيراً إلى أن الأخير «تصرّف بحكمة» لتجنّب «السيناريو الأسوأ»، مندّداً بـ«المشاعر الهستيرية الكبيرة بين المتخصصين والمتخصصين الزائفين وخبراء السياسة والسياسيين الزائفين، بما يشمل أيضاً بعض وسائل الإعلام الجديدة المصابة بالهستيريا، والتي لا علاقة لها بالواقع». وأشاد المسؤول الروسي أيضاً بالتفاف الشعب والمجتمع «الهائل» حول الرئيس الروسي.
مع ذلك، نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن ثلاثة مسؤولين أميركيين وأوكرانيين قولهم إن مسؤولين بارزين في إدارة بايدن، اتفقوا مع نظرائهم الأوروبيين على ضرورة التزام «الصمت» و«الحياد» إزاء ما جرى. وفي اجتماعهم في لوكسمبورغ، الإثنين، سعى الدبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي، بدورهم، إلى عدم إظهار أيّ موقف واضح؛ إذ «لم يرغب أحد في منح الكرملين فرصة للادّعاء بأن واشنطن وأصدقاءها كانوا وراء محاولة التمرد»، بحسب المسؤولين. ويأتي هذا بالرغم من أن وسائل إعلام عدّة، ومن بينها شبكة «سي أن أن»، تداولت معلومات عن أن المسؤولين الأميركيين كانوا على علم بتحرّكات «فاغنر» القادمة، إلّا أنهم حرصوا على الإبقاء على «سرّية» هذه المعلومات بعيداً حتى عن حلفائهم.
لوكاشينكو: لا أبطال في ما حصل
في هذا الوقت، تناقلت وسائل الإعلام أنباءً عن وصول طائرة من طراز «إمبراير ليجاسي 600» مسجّلة في روسيا، ومرتبطة ببريغوجين، إلى روسيا البيضاء قادمة من روسيا، أمس، تزامناً مع إعلان وزارة الدفاع الروسية أن «التحضيرات» جارية لنقل المعدّات العسكرية «الثقيلة» التابعة لمجموعة «فاغنر» إلى الجيش، علماً أن بريغوجين كان قد ظهر مرة أخرى، الإثنين، مدّعياً أنه أراد فقط «الاحتجاج»، لا الإطاحة بالحكومة الروسية. وفيما لا تزال الأنظار مركّزة على مسار التسوية التي توسّط فيها رئيس بيلاروس، ألكسندر لوكاشينكو، اعتبر الأخير، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الرسمية «بيلتا»، خلال اجتماع له مع قوات الأمن، أنه كان من المؤلم رؤية الأحداث التي وقعت في جنوب روسيا أخيراً، «لا فقط بالنسبة إلي، بل هي مسّت العديد من مواطنينا. لأن الوطن هو واحد». وأكد لوكاشينكو أنه وضع، تحسّباً لأيّ ردّ ممكن على الأحداث الروسية، جميع القوات المسلحة لبلاده، بما فيها الشرطة والقوات الخاصة، «في حالة تأهب قصوى».
أيضاً، حذّر لوكاشينكو من أنه على الرغم من نجاح وساطته في تهدئة الأجواء، إلا أن التوتر الذي كان قائماً منذ فترة بين الجيش الروسي ومجموعة «فاغنر» لم يُعالج كما يجب، متابعاً: «تجاهلنا المشكلة واعتبرنا أنها ستختفي من تلقاء ذاتها، لكن هذا لم يحصل. لذا، لا أبطال في هذه الحالة». وحول موقفه ممّا حصل، قال: «موقفي هو التالي: إذا انهارت روسيا، فسنبقى تحت الأنقاض وسنموت جميعاً»، معتبراً أن الغرب كان سيستغلّ «فوراً» أيّ اضطرابات تشهدها روسيا. كما اتّهم مجدّداً الغرب بالسعي إلى زعزعة استقرار المنطقة كلّها من خلال ممارسات «الناتو» التوسعية واستعراض القوة الذي يقوم به. كما أعلن رئيس بيلاروس، في وقت لاحق، أن بريغوجين وصل إلى روسيا البيضاء اليوم (أمس)، قائلاً، «(إنّني) أوافق وزير الدفاع بشأن حاجة قواتنا إلى وحدة مثل فاغنر»، كاشفاً أنه عرض على زعيم المجموعة استضافة قواته في إحدى القواعد المهجورة في بيلاروسيا، مستدركاً بأن «فاغنر» لن تقوم بحماية الأسلحة النووية في بلاده. ولفت إلى أنه «تصلنا إشارات إلى أن الغرب حذر جدّاً من انتقال فاغنر إلى بلادنا».
من جهته، أشار رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، إلى أنه يعتقد أن تمرّد «فاغنر» لم يضعف بوتين، معتبراً أن ما حصل كان «حدثاً لا يحمل أهمية كبيرة». وردّاً على تصريحات العديد من القوى الغربية التي استغلّت أحداث التمرد الأخيرة لتهاجم ما اعتبرته «ضعف» بوتين والسلطات الروسية، قال أوربان إن «أي شخص يعتقد أن بوتين يمكن أن يفشل أو يتم استبداله، فهو بالتالي لا يفهم الشعب الروسي وأجهزة السلطة الروسية». بل على العكس من ذلك، أضاف الرئيس المجري في المقابلة التي أجرتها معه «بيلد» و«دي فيلت» و«بوليتيكو»، أمس، أن «انتهاء الانتفاضة في غضون 24 ساعة هو مؤشّر قوة»، مرجّحاً أن يبقى بوتين رئيساً في عام 2024، ومشيراً إلى أن تقييمه يستند إلى حقيقة أن بوتين يحظى بشعبية كبيرة، والأجهزة التي تشكّل أساس حكمه قوية، في إشارة إلى الجيش والمخابرات والشرطة.
في سياق متّصل، أعلن الكرملين أن بوتين أجرى مكالمة هاتفية مع ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، الذي «أعرب عن دعمه للإجراءات التي اتّخذتها القيادة الروسية لحماية النظام الدستوري، وحياة المواطنين وأمنهم»، وفق ما نقلته وكالة «تاس» الروسية للأنباء. وبحسب البيان الصادر عن الكرملين، فقد «تمّ خلال المحادثة التطرّق أيضاً إلى بعض نقاط تطوير التعاون الروسي – السعودي ذي المنفعة المتبادلة»، و«الاتفاق على الإبقاء على الاتصالات». كما هنّأ بوتين ابن سلمان والشعب السعودي بمناسبة عيد الأضحى.