“غيب “بأيّة حال عدت يا “عيب “

…تنقضي الأعياد كمن يغادر مرآة بيته كل صباح نحو الزحام.

الأعياد مرايا، تمثل أمامها لتسجّل حضورك مكرهاً كمن يلعب دور البطولة في ملهاة الأقدار .

هذا شعرك يهرول نحو البياض والانقراض وكأنه يكشف ما كان يختفي تحته من كبائر الأحلام. هذا جبينك يصرّح بما خطّ فوقه من سطور، وتلك عيناك جمرتان تقاومان الرماد وبرد الأيام .

هذا أنفك مازال عالياً إلاّ قليلاً ..يشبه سرجاً معشّقاً بخيوط الفضّة …ولكن، دون فارس ولا حصان .

هذا فمك يقطر صمتاً كإبريق التوضؤ، وتلك رقبتك وقد نجت من حبال ظلمهم عند كل مرة تطل فيها على المرآة وتشهد أن لا شريك لك إلاّ أنت في ورطة
الحياة ..

الأعياد تمارين لأفراح متوقّعة، لكنها مؤجلة وطويلة الانتظار، هي تدريب على المصافحة دون صفح والتسليم من غير سلام .

الأعياد في ظاهرها فعل تذكّر، و في باطنها إصرار على النسيان. أولها شوق وابتهاج، وآخرها شجن وحنين .

نتوقف أمام المرآة بغير مواعيد معلنة ولا نفكّر في المرآة إلاّ عندما تتكسّر وتمسي شظايا بين أقدامنا ...كذلك الأيام والأعياد والأعمار حين تنساب من بين أصابعنا كفقاعات صابون .

تأمّل في وجهك الذي يحملك ولا تحمله. تأمّل في العيد الذي تسير نحوه ولا يسير إليك. انظر إلى “غبش ” أنفاسك في المرآة كلما حاولت أن تقبّل نفسك أو تهمس لها بعبارة مغازلة أو عتاب أو حتى شتيمة نابية .

نحن لا نلمّع المرايا إذ نلمّعها ….وإنما نلمّع الصور التي تعاقبت عليها فنلغي اعترافاتنا لحظة صدق ونمسح الكلام الذي رأته والإشارات و”التكشيرات ” التي ارتكبت في حقها …كذلك هو العيد حين نعدّ له ما طاب من حلويات و”معايدات “و “تهاني “، تعويضاً عن كل قبح أدمنّا ممارسته كل يوم في المنطوق والمسموع والمنظور والمفكّر فيه .

أيها العيد الذي صار يشبه وحش “فرنكشتاين “، رفقاً بصانعيك ومنتظريك وباعثيك بينهم أملاً في الحياة ومقارعة للموت .

أيتها المرايا المتكسّرة، لملمي الشظايا، وأعيدي لنا ريشنا وكوني أجنحتنا من جديد مثل عيد يعاد كل صباح …مثل طفولة تقاوم الشيخوخة المبكّرة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى