فصل متجدّد من صراعات الأجهزة: كفّة «المخابرات» راجحة دائماً
على رغم نجاح مدير «المخابرات العامة» المصرية، اللواء عباس كامل، في حسم الصراعات السابقة مع أجهزة الدولة، سواء العسكرية أو المدنية، لمصلحته، بغضّ النظر عن موقعه في سكرتارية الرئيس أو في «العامة»، فإن الصراعات تتجدّد هذه المرّة أمام الجميع ومن دون استحياء، مع أن النتائج محسومة سلفاً، لكن تبقى ثمّة رسائل ذات وجهة معلومة، وخصوصاً مع دخول أطراف جديدة على الخطّ. وطفت الخلافات إلى السطح، أخيراً، مع لجوء كلّ شخص إلى استخدام أدواته التي يديرها؛ فمكتب الرئيس بقيادة اللواء محسن الفنجري حاول نسْب ما يوصف في دوائر الرئاسة بـ«الإنجاز»، بعد قرار تركيا إيقاف البرامج السياسية في القنوات «الإخوانية» التي تَبثّ من على أراضيها، إلى نفسه، وذلك بتصريحات وزير الدولة للإعلام (المدعوم من الفنجري)، أسامة هيكل، ورجاله، وهو ما لم يلقَ ترحيباً من كامل الذي يرى في ما حدث محاولة لانتقاص دوره في هذا الملفّ، ولا سيّما لناحية تتبُّع نفوذ «الإخوان» في الخارج، وإدارة سياسة وزارة الخارجية، وخاصّة في الملفات الحسّاسة مثل تركيا.
وجهٌ آخر للصراع ظهر، أيضاً، بوضوح، في سلسلة المقالات التي كتبها رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في إعلام القاهرة، أيمن منصور ندا، الذي انتقد «المخابرات العامة» وسيطرتها على الإعلام خلال السنوات الماضية، وما تسبّبت فيه داخل المشهد الإعلامي من تصدير شخصيات غير مهنية، ليس على مستوى تقديم البرامج فقط، بل على مستوى المسؤولين أيضاً. وانتهت سلسلة المقالات تلك بإيقاف ندا عن العمل، وإحالة الملفّ على النيابة العامة، بعدما قدّم «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بلاغاً رسمياً ضدّه يتّهمه بالتشهير برئيس المجلس وأعضائه في مقالاته. وفي مقابل الانتقادات التي طاولته، ردَّ كامل بالتوجيه المباشر بإبراز «الدور الإيجابي» الذي قامت به وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، والتغيُّرات التي نجحت في إحداثها الجهات التابعة للمخابرات، مُمثَّلة في شركة «سينرجي للإنتاج الدرامي والسينمائي» و«المجموعة المتّحدة»، في هذا المجال، وصولاً إلى استغلال أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس وإبراز تداوُل وسائل الإعلام العالمية الصورة التي نقلتها المخابرات، بعدما سُمح لها وحدها بالتقاط لقطات من مواقع عدّة. أمّا تصريحات هيكل، الذي يدرك أنه سيخرج في التعديل الوزاري المقبل، فجاء الردّ عليها سريعاً داخل البرلمان عبر النائب نادر مصطفى، وهو عضو «تنسيقية شباب الأحزاب» التي شكّلتها المخابرات، بطلب استجواب الوزير وسحْب الثقة منه، مع أن مصطفى كان مساعداً لهيكل الذي شغل رئاسة «لجنة الثقافة والإعلام» البرلمانية، قبل استقالته لتولّي المنصب الوزاري. ويُتوقَّع أن يتحدَّد موعد استجواب هيكل خلال الأسبوع الجاري، في خطوة بات من المؤكّد حدوثها ما لم يستبق الوزير الاستجواب بالاستقالة التي رفض مراراً تقديمها، على رغم التهديدات التي يتعرّض لها بصورة شبه يومية، فضلاً عن إقصائه من المشهد كلّياً.
وبالتوازي، يسعى كامل إلى إحكام سيطرته على ما تبقّى من وسائل إعلامية، بعدما اشترت المخابرات قناة تلفزيونية وصحيفة يومية. وهذه المرّة، يواصل عبر أذرعه إظهار ما يوصف بأنه مساحة الحرّية المتاحة إعلامياً، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يزال يشعر بالغضب على إدارة المشهد الإعلامي، على رغم المليارات التي تُدفَع سنوياً في ضريبة للاحتكار. وهو غضبٌ عبّر عنه السيسي خلال ظهوره في «السويس» أول من أمس، حيث ركّز على ما يراه «عجزاً عن مواكبة جهود الدولة في تحقيق إنجازات على أرض الواقع»، مع مقارنة ما يؤدّيه الإعلام الآن بالتغطيات التي كانت تصاحب مشروعات جمال عبد الناصر. وعلى رغم منع المعارضة كلّياً في الإعلام، يرى «الجنرال» أن هناك الكثير ممّا يمكن تقديمه. ويتعامل السيسي مع الإعلام بمنطق الموجِّه والمرشد، فهو يرى أن الإعلام وحده القادر على إشعار الشارع بالرضى حتى لو لم يكن هناك سبب لذلك، بل حتى مع عرض أجزاء من الحقائق فقط من دون الصورة الكاملة. لذا، ينقل المقرّبون عنه أنه في انتظار المزيد، في الوقت الذي تَحوّلت فيه جميع المحطّات إلى أبواق دعاية فجّة للنظام، في ظلّ تغييب صوت الشارع كلياً.