فوز الثوار السوريين يغيـّر وجه الشرق الأوسط (سيمون تيسدال)
سيمون تيسدال *
تتعاظم احتمالات اندلاع مواجهة مع ايران قد توسع رقعة النزاع في الشرق الاوسط. والحال اليوم تشبه وقائع 2010. فوفق تقرير اسرائيلي صدر اخيراً، أوشك بنيامين نتانياهو قبل نحو ثلاثة اعوام على شن هجوم على منشآت نووية إيرانية. وحال دون الهجوم اعتراض اثنين من كبار القادة العسكريين والاستخباراتيين.
اليوم تعاظمت العناصر التي قد تشعل فتيل الحرب: البرنامج النووي العسكري الايراني قطع شوطاً كبيراً، كما تحسب القوى الغربية. والمسؤولان (العسكري والاستخباراتي) غادرا منصبيهما، وتربع محلهما من يؤيد الحرب. وفي الشهر الجاري، يدخل نـتانياهو الـسبـاق الانتـخابي للفوز بولاية ثانية رئيسـاً للوزراء. وإذا أفلحت مـساعـيه، فـاقـم الـضغـط على طهران، وقـادة الليــكود سيـنـظرون الى فوزه على انه تفويض بـشن الـحـرب. وإيران صـارت بمثـابة هاجـس «نتـانيـاهـوي».
وفي ايران، تشارف ولاية محمود احـمدي نجـاد الـثانيـة على الانتهاء. ويرجح ان المرشد آية الله علي خامنئي والمتطرفين المحافـظين يسـعون الى انتخاب من يمـثّلهم الى الرئاسـة. لكن المعارضـة، على رغـم انقـسامها، لن تتراجع. فـالانتـخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) 2013 قد تؤدي الى اضطرابات اهلية واصـطدام في الـشوارع كمـا حـصل فـي 2009 يـوم بدا ان حركة الشارع أوشكت على اطاحة النظام الثوري.
ويرى ايرانيون كثر ومراقبون غربيون ان زعيم «الحركة الخضراء»، مير حسين موسـوي، فـاز في الانـتخـابات السـابقة. وقد تُلهم ثورات «الربيع العربي» الداخل الايراني لمواجهة تزوير الانتخابات ومقاومة النظام. فيلقي على التدخل الخارجي مـسـؤولية الاضـطرابـات كما جـرت الـعـادة، وقد يفـتح جبـهة خارجية لتـنفيـس احـتقان الـداخل. ويرجح ان يتجنب الأميركيون المواجهة العسكرية، على رغم ان ثمة متطرفين يمـينيين في واشـنطن، كما الـحال في طهران، يشتهون الحرب. وتتواصل فصول حرب الظل الدائرة ضد ايران: هجمات افتراضية واغتيالات وتخريب للمنشآت الايرانية. ولا يرغب باراك اوباما في الانزلاق الى نزاع جديد في العالم الإسلامي، واستأنف الغرب جولة جديدة من المفاوضات مع ايران.
يقال ان ثمة مفاوضات سرية ايرانية – اميركية، ومعالم الاتفاق العريضة مع طهران واضحة: وقف التخصيب الى عتبة 20 في المئة في مقابل تخفيف العقوبات؛ ومواصلة تخصيب اليورانيوم للمنشآت المدنية في مقابل الرضوخ لمراقبة دولية من كثب.
وترى الوكالة الدولية للـطـاقة الذرية ان استئناف عمـليـات التفتيش والرقابة ممـكن في الشهر الجاري، ولكن اسرائيل تقول ان المهلة النـهائـية للـحل هي حـزيران المقبل، موعد بـلـوغ ايران عتبة التخصيب الذري العالي الذي يخولها حيازة قنبلة نووية. وثمة عثرة لا يـستـهان بها تـعيق المـفاوضـات، فلا أحـد يعرف مَنْ يملك صلاحية التـفاوض في طهـران المتعددة مراكز القوة، ولن يـرغب أي سـياسي ايراني في التنازل امام الغرب في مرحلة انتقالية سياسية. وثمة مشكلة وثيقة الارتباط بالملف الإيراني: الحرب الأهلية في سورية. فطهران هي ابرز داعمي نظام بشار الأسد مالياً وعسكرياً، وإذا تراجع الأسد امام الثوار المدعومين من الغرب، قد تحسِب ان الدور دار عليها لتغيير نظامها. وخسارة إيران الشيعية الحليف السوري، هي خسارة استراتيجية في نزاعها الاقليمي مع الحكومات في مصر والخليج.
ورحيل الأسد يقوّض النفوذ الإيراني في لبنان، ويخلّف أثراً سلبياً في حلف ايران مع «حماس» في غزة – وهي نقطة مواجهة مع اسرائيل – ويوجّه ضربة إلى سعي طهران الى إقصاء مصر وتركيا عن قيادة المنطقة. لذا، يبدو ان انتهاء الحرب الأهـلية السورية الى فوز الثوار – وترجح اميركا والحلف الأطلـسي وروسيا غلبة كفّتها في العام الجاري – هو لحظة مفصلية خطيرة في الشرق الأوسط. فطهران قد تستبق الـضربة الإسـرائيلية – الأميركية الوشيكة، وتبادر الى هجوم.
* معلّق، عن «ذي غارديان» البريطانية، 1/1/2013، اعداد منال نحاس
صحيفة الحياة اللندنية