فى ذكرى طه حسين: مستقبل الثقافة فى مصر مازال غامضًا
«إن عصور الانحدار والتخلف انتهت فى مصر منذ أن تيقظت من سباتها بالحملة الفرنسية وحكم محمد على، وبدأت تأخذ من أوروبا علومها وأسلوبها فى الحكم، وصار كل شىء فى مصر غربياً، حتى المؤسسات الإسلامية فى مصر مثل المحاكم الشرعية, كانت على غرار النمط الأوروبى، حقيقية هناك فروق بين مصر وأوروبا حالياً, لكن هذا يأتى من أن عصر النهضة الأوروبية قد بدأ فى القرن الخامس عشر، أما عصر النهضة فى مصر, فقد بدأ مع بداية القرن التاسع عشر، لكن مصر سوف تلحق بأوروبا فى وقت قصير إن شاء الله».
ترى هل خطر على بال كاتب هذه الكلمات والتى مر على طباعتها أكثر من ثمانين عاماً، أن الوضع فى مصر ما زال على ما هو عليه، وأن نبوءته لم يتحقق منها شىء، وأننا لم نستطع استغلال أى من الاستقلالات التى حصلنا عليها طوال القرن العشرين، ولا أى من الثورات التى بدأنا بها قرننا الحادى والعشرين.
هذه الكلمات من كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين والذى تحتفى الدوائر الفكرية هذه الأيام بذاكره، فحال الثقافة الآن ألزمنا أن نعود بعض الشيء إلى الوراء لعلنا نعثر على فكر مفيد لدى أجيال سابقة لنا، تخبرنا ما الخطأ الذى وقعنا نحن فيه؟ والذى لا سبيل لنا للفكاك منه حتى الآن.
فعندما وقعت مصر معاهدة الاستقلال عام ١٩٣٦ اعتقد المصريون أن بلدهم يسير بخطى ثابتة نحو بناء دولة حديثة، و«طه حسين» من موقعه كأديبٍ ومفكِّرٍ ووطني، رأى ضرورة أن يسهم في وضع تصوُّر لمستقبل الثقافة في مصر، صابغًا تصوُّره ذاك بمسحة غربية ينكر معها استمرار ارتباط مصر بأصولها الشرقية، مؤكدًا أنها أقرب لدول حوض البحر المتوسط منها لدول الشرق، ومن هنا فقد أثار الكتاب موجةً عنيفةً من الانتقاد لا تقلُّ عن تلك التي واجهت العميد حين أصدر كتابه «في الشعر الجاهلي»، وأنكر عليه البعض إغفاله للعلاقات بين مصر والشرق، مؤكدين أن المصريين، وإن كانوا غير مرتبطين بدول الشرق الأقصى، فإن هناك تقاربًا ثقافيًّا لا يمكن تجاهله بينهم وبين الشرق الأدنى، ولا سيما العرب.
صدر كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» لطه حسين عام 1938م. بعد أن وقعت مصر معاهدة 1936م, التى أنهت بها الاحتلال البريطانى رسميا، وأصبحت بمقتضاها دولة مستقلة.