فيلم للمخرجة اللبنانية ديما جمّال – «وراء الحجاب»: الكبت يُولّد الانفجار (محمد غندور)
محمد غندور
نقاط دم حمراء على سرير أبيض غيّرت حياة نور. الفتاة المحجّبة حاولت أن تتحدى أهلها وأن تمارس قناعاتها وحريتها من دون خوف من عادات أو تقاليد. هي التي فُرض عليها الحجاب من دون قناعة، إنما تلبية لرغبات أهلها الدينية وتماشياً مع محيطها ومجتمعها.
تعيش نور حالة من انفصام الشخصية، فهي محجّبة داخل المنزل، لكنها خارجه فتاة عصرية تفرد شعرها الأسود الطويل، وتتسوق مع أصحابها، بل ولديها حتى حبيب سري لا يعرف به أهلها. الحياتان المختلفتان اللتان تعيشهما نور ولّدا في داخلها ضياعاً وعدم استقرار، فاختلطت عليها الأمور، وباتت لا تفرق بين الخطأ والصواب، أو بين ما تريده وما يريده غيرها منها.
في فيلمها الأول القصير «وراء الحجاب»، تعالج المخرجة اللبنانية ديما جمّال وضع الفتيات اللواتي يفرض عليهن الحجاب فرضاً، وتقدّم نموذجاً الفتاة الجميلة نور الضائعة بين ما يريده أهلها، وما تريده هي من حياة منعها الحجاب من ممارسة العديد من جوانبها. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يسعى الأهل إلى تزويجها زواجاً تقليدياً من رجل غني ترى أمها أنه سيكون وفياً وكريماً وحنوناً. أما النهاية فكانت حين علمت نور أن الشاب الذي يريد خطبتها سيأتي في المساء، وضّبت حقيبتها وما يلزمها للهرب مع حبيبها. وصل الشاب استقبلته العائلة، ورحبت به نور. سألته عن عمله وإن كان أهله قد فرضوه عليه. رن الهاتف. هربت نور من المنزل. استقلت التاكسي متوجهة صوب البحر حيث سيلاقيها حبيبها الذي وعدها بالجنة. اتصلت به لم يرد. اتصلت ثانية فتبين أن جهازه خارج نطاق التغطية. في طريقها إلى البحر كانت أمها تقرأ الرسالة التي تركتها ابنتها. تذكرت نور أن حبيبها أعطاها ذات يوم رقم منزله، اتصلت فأجابتها فتاة صغيرة بصوت رقيق ونادت : «بابا الاتصال لك». رمت نور السماعة من يدها وغاصت أكثر في ضياعها.
أما حبكة الفيلم فأتت بين بدايته ونهايته: لقد ولّد الضغط النفسي لدى الشابة، رغبة في الانتقام من المجتمع قبل أهلها. قصدت محلاً للملابس الداخلية، واختارت أكثرها إثارة، وراحت إلى موعدها الغرامي. على السرير تحولت نور من فتاة محجبة إلى امرأة متمردة، حرّة كسرت التقاليد التي عاشت وتربّت عليها انتقاماً من عائلتها، ومن المجتمع الذكوري المتسلط. فعل الحب الذي مارسته نور أعطاها ثقة كاذبة في نفسها وحرية يتبيّن لاحقاً أنها واهية.
حاولت المخرجة الشابة أن تناقش قضية فتاة فرض عليها الحجاب ككثيرات بسبب المحيط الاجتماعي قبل الديني. ولكنها أخطأت في العديد من الأمور، واعتبرت أن الحجاب يوحي بعدم الثقة بالنفس وانعدام الحرية وأنه يحد من قدرات المرأة وممارسة حقوقها. انطلقت جمّال من فكرة جميلة ولكن معالجتها لم تكن موفقة، إذ إن السهام التي أطلقتها أصابت العديد من المحجبات الناجحات والواثقات بأنفسهن. لم تغُص المخرجة في تفاصيل المشاكل التي طرحتها، بل ظلت «تسبح» على سطحها، من دون أن تعرض موقفاً تعرضت له نور سبّب لديها أذى اجتماعياً مثلاً.
ولم تتنبّه المخرجة الشابة إلى أن فئة كبيرة من الأهالي تفرض على بناتها السافرات أزواجاً وتحرمهن الاختيار، وهنا لا يكون الحجاب عائقاً، بل يكون الفعل نابعاً من تسلط العائلة والخضوع لعادات وتقاليد قد لا يصلح استعمالها في القرن الواحد والعشرين.
كما عانى الفيلم قلة عفوية الممثلين والإكثار من التصنع في الكلام، علماً أن السيناريو أتى ركيكا جداً ويحتاج الكثير من التطوير ليكون أقرب إلى المشاهد. ومع هذا، يتميز الفيلم بجرأة طرح الفكرة إنما من دون معالجة جذرية، والاقتصار على عرضها أو تقديمها ضمن قالب طفولي. ووقعت المخرجة في بعض الأخطاء الإخراجية، كأن غيّرت لون الملابس التي اشترتها نور لليلتها الحمراء المنتظرة، من الأبيض إلى الأسود. والملاحظ أن غالبية الأعمال الجديدة في الفترة الأخيرة، تتميز بنقاوة صورتها وضخامة إنتاجها بالنسبة إلى أفلام قصيرة، وجمال كادراتها.
صحيفة الحياة اللندنية