في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، نشر موقع «أورينت 21 Orient XXI» مقالًا بعنوان «سماء الاقتصاد المصري تتلبد بالغيوم»، كتبها الصحافي الفرنسي جين – بيير سيرن وهو صحافي اقتصادي، له كتب عديدة بخصوص المغرب، ودول الخليج، وقطاع الطاقة، ورواد مجال الأعمال والثورة الفرنسية الخامسة.
يرى المقال أن التوقعات بشأن الاقتصاد المصري تسودها حالة من عدم اليقين، ويعزو الكاتب ذلك إلى عدة عوامل: أهمها أن الاقتصاد المصري معتمد بشكل كبير على الدين، وعلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، لا باعتبارها استثمارات حقيقية، وإنما رؤوس أموال مضاربة؛ بمعنى أنها تبحث عن ربح سريع ومضمون نظرًا لارتفاع سعر الفائدة في مصر مقارنة بغيرها من الدول، وتحديدًا بعد جائحة كورونا، التي أجبرت كثيرًا من الدول إلى تخفيض سعر فائدتها حتى أصبحت صفرًا، أو مقاربة للصفر.
يشير الكاتب إلى أن النموذج المصري شبيه من نواحٍ بالاقتصاد اللبناني. فهل يعني هذا أن الاقتصاد المصري قد يتجه لنتيجة مشابهة لما حصل في لبنان؟ أم أن الانهيار الاقتصادي ليس المصير المتوقع لاقتصاد واحدة من أهم الدول العربية؟ يحاول التقرير التالي تقديم إجابة عن هذا السؤال، عبر محاولة فهم الاقتصاد باستخدام المؤشرات الاقتصادية، وتوصيف الحالة الاقتصادية الراهنة وما فيها من تحديات.
اقتصاد الخدمات والدين والنمو المُكلِف
تحتل الخدمات الحصة الأكبر من الاقتصاد المصري؛ فإذا استثنينا قطاعات الزراعة 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي، والاقتصاد التحويلي 16.3%، مع شمول قطاع تكرير البترول 4% ضمن الصناعات التحويلية، والصناعات الاستخراجية 6.7%، فإن باقي القطاعات تشكل الحصة الأكبر من الاقتصاد المصري، بنسبة 65% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
وتهدف مصر ضمن برنامج «الإصلاح الاقتصادي» بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والذي انتهت مرحلته الأولى عام 2016، إلى رفع نسب مساهمة القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على تكنولوجيا كثيفة والقطاعات الزراعية، بالإضافة إلى قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك بهدف دعم الصادرات المصرية، لخلق نمو محفز للتصدير إلى الخارج، والحفاظ على معدلات النمو التي يحققها الاقتصاد المصري عن طريق زيادة تنافسية المنتجات المصرية المختلفة من أجل تحويل عجز ميزان المدفوعات الحالي بين مصر والخارج إلى فائض بحلول عام 2024.
يحتاج مثل هذا الهدف إلى استثمار كثيف، وإلى نوع مختلف من الاستثمارات لا يشبه الاستثمار الأجنبي الحالي في الاقتصاد المصري، بل استثمارًا يهدف إلى تحصيل أرباح بعيدة الأجل عن طريق خلق قاعدة إنتاجية ضخمة من الصناعة والزراعة، ومختلف القطاعات المعتمدة على التكنولوجيا أيضا، ودفع التكاليف الضخمة المترتبة على ذلك، مع تكاليف البنية التحتية اللازمة لخلق مثل هذه القاعدة الإنتاجية، وانتظار سنوات بعدها لتبدأ مرحلة قطف العوائد.
من مقال جين – بيير سيرن يمكن فهم أن واقع التمويل الذي يحصل عليه الاقتصاد المصري، من حيث نوعه وعبء كلفته لا يدعم التوجه نحو مثل هذا الهدف بعيد الأجل، وإن كان مجديًا في تحقيق أهداف أخرى قصيرة الأجل. فما مدى صحة هذه الأمور؟ وكيف يمكن أن نقرأ المعلومات المتاحة عن الدين المصري؟ وما هي الأهداف المرجوّ تحقيقها من التمويل الذي يحصل عليه الاقتصاد المصري؟
ثمن أرقام النمو المرتفعة: العبء الثقيل للديون
ليست الاستدانة في حد ذاتها أمرًا سيئًا في علم الاقتصاد؛ فإذا وجد في العالم من لديه مال إضافي لا يستثمره، وكان مستعدًا لإقراضك بفائدة 3% – مثلًا – واستطعت أن توظف هذا المال في استثمار ما، أدر عليك عائدات بنسبة 5% على سبيل المثال، فإن الجميع يربح؛ إذ ربح المقرض في هذه الحالة سعر الفائدة دون عمل، واستطعت أنت توفير التمويل لاستثمارك الذي لم تكن لتملك تمويل كلفته لولا الاقتراض، وحصلت على 2% أرباح من هذا الاستثمار.
من ناحية المبدأ لا يختلف الأمر كثيرًا في حال الدول، ولكنّ الدولة لا تقترض فقط على أساس قدرتها على إنشاء مشاريع واستثمارات لها عائد قادر على تغطية الدين وكلفته، وتحصيل ربح إضافة إلى ذلك، بل يعتمد الأمر أساسًا على قدرة الدولة على فرض وتحصيل الضرائب من الاقتصاد المحلي، والاستمرار في فرض وتحصيل الضرائب، وربما رفعها إن احتاج الأمر إلى ذلك لتوفير القدرة على الوفاء بالالتزامات.
كما أن الدولة لا تقترض بالعملة المحلية فقط، بل تقترض من أطراف خارجية بعُملات أخرى، وهذا يعني أن على الدولة توفير مصادر تجلب العملة الأجنبية للتمكن من دفع الديون بهذه العملات، ولهذه الاعتبارات وغيرها يصبح تحليل الدين العام أمرًا أكثر تعقيدًا من مسألة الاستدانة لإنشاء مشروع استثماري خاص.
بحسب تقرير لـ«بلومبرج» فإن مصر تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث سعر الفائدة الحقيقية، تليها فيتنام وتركيا بواقع 3.8%، وسعر الفائدة الحقيقية هو الفرق بين سعر الفائدة الاسمي الذي يحدده البنك المركزي وبين التضخم في البلد، وبالمقارنة بأسعار الفائدة في الدول المتقدمة خصوصًا في ظل ظرف جائحة كورونا، فإن الدول المتقدمة تفرض أسعار فائدة مقاربة للصفر.
فلماذا تلجأ دولة مثل مصر إلى سعر فائدة مرتفع كهذا؟ لذلك عدة أسباب يذكر مقال جين – بيير سيرين اثنين منها، وهما السببان المرتبطان بهذا التقرير.
في عام 2016 حين توصلت السلطات المصرية إلى اتفاق مهم مع صندوق النقد الدولي، قضى بمنح مصر تمويلًا كبيرًا من الصندوق، مع التزام الحكومة المصرية بتطبيق إصلاحات اقتصادية عميقة، كان أحدها تعويم الجنيه، وكان أحد أهم أهداف الاتفاق معالجة نقص التمويل الأجنبي.
فما الذي قد يجذب المستثمرين الأجانب لترك سندات الخزينة الأمريكية – على سبيل المثال – والاستثمار في السندات المصرية؟ أهم ما تعبأ به الأسواق المالية هو مقدار الربح الذي قد تجنيه من الاستثمار في سوق ما، وكون الربح متناسبًا مع مقدار المخاطرة المتوقعة من الاستثمار، وعليه فإن الدول الناشئة، مثل مصر، تلجأ إلى رفع سعر فائدتها لمستويات أعلى من سعر الفائدة في الدول المتقدمة ذات المخاطر الأقل؛ ليصبح الاستثمار في أدوات الدين فيها أكثر جاذبية، فتتدفق الأموال من الأسواق الخارجية إلى السوق المحلي على شكل شراء لأدوات الدين التي تصدرها الدولة.
قضت خطة «الإصلاح الاقتصادي» التي يرعاها صندوق النقد الدولي باستجلاب رؤوس الأموال الأجنبية، للمساهمة في خفض عجز موازنة الحكومة، وعجز ميزان المدفوعات الذي يشمل جميع التعاملات المالية بين الدولة والخارج، بما في ذلك الميزان التجاري (الصادرات والواردات)، وحركة رؤوس الأموال الداخلة والخارجة من البلد.
إلا أن الحل الاقتصادي في نظر الخبراء لا يجب أن يكون مقتصرًا على الاستدانة فقط، فيمكن محاولة جذب الاستثمار المباشر أيضًا، لكن الواقع أن الاستثمار المباشر لم يمثل من الناتج المحلي الإجمالي إلا 3% عام 2019، وقد انخفض بنسبة 39% خلال عام 2020، بينما تمثل احتياجات الاقتراض المصرية ما يقرب من 68 مليار دولار خلال السنة المالية 2020 – 2021 – تبدأ السنة المالية في مصر بتاريخ الأول من يوليو (تموز)، وتنتهي في اليوم الأخير من يونيو (حزيران) – وهي تمثل نسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020 بالسعر الحالي للدولار.
يمتاز الاستثمار المباشر بميزة عدم اضطرار مصر للدفع لاحقًا، فمن يأتي للاستثمار بشكل مباشر في بلد ما يتوقع ربحًا من استثماره، كما أن مثل هذا الاستثمار قد يوجه إلى قطاعات منتجة ومشغلة للعمالة، مساهمة بذلك في زيادة الإيرادات، ومعها زيادة الضرائب التي تصل إلى الدولة، وتخفيض نسبة البطالة.
لكن مسار استقطاب رؤوس الأموال في مصر – كما رأينا – تسيطر عليه الاستدانة على شكل سندات، حتى وصل إجمالي الدين الخارجي إلى نسبة ضخمة وهي 90% من الناتج المحلي الإجمالي بحسب بلومبرج، ويعمق المشكلة ضعف الصادرات المصرية التي لا تمثل إلا 13% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة منخفضة حتى بالمقارنة مع بعض دول الجوار، فقد بلغت نسبة الصادرات الأردنية من الناتج المحلي الإجمالي 24% تقريبًا، بينما تبلغ في تركيا وإسرائيل أكثر من 28%.
وللصادرات أهمية كبرى، لا في رفع الناتج المحلي الإجمالي وحسب، بل في توفير مصدر لتدفق العملات الأجنبية، وبحسب مقال جين – بيير سيرين فإن مصر تحصل على تحويلات من عامليها في الخارج أكبر قيمة من صادراتها، إذا استثنينا منها المنتجات الهيدروكربونية (مثل النفط والغاز)، وهو مصدر ريع غير مباشر، بحيث يعتمد في الأساس على تحويلات العاملين المصريين في الخليج، والتي تعتمد اقتصاداتها على ريع النفط بشكل كبير، ومثل هذه التحويلات مهددة بالانخفاض تبعًا للظرف الاقتصادي في البلدان التي يعمل فيها المصريون المغتربون، وهو في انخفاض مستمر منذ عام 2017 مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
فلا يتبقى للدولة إذًا إلا الاستدانة أكثر وأكثر لتغطية عجز ميزانية الحكومة، وعجز ميزان المدفوعات، بل الاقتراض لتسديد الديون المتراكمة وفوائدها، وما زالت طريقة ناجحة حتى الآن، ليس في توفير احتياجات التمويل فقط، بل في خلق معدلات نمو موجبة، حتى خلال عام الجائحة التي سببت انكماشًا في الاقتصاد العالمي.
يعزى جزء كبير من معدلات النمو التي حققتها مصر خلال السنوات الماضية إلى خطة «الإصلاح الاقتصادي»، لكن وإذا عدنا إلى التفكير بمنطق المشروع الاستثماري، هل ستكون كلفة الدين في ظل أعلى سعر فائدة حقيقي في العالم أقل من معدلات النمو المتحققة؟ وهل ستكفي العوائد التي ستحققها أموال الدين لدفع الديون وتكلفتها لاحقًا؟
سعر الفائدة المرتفع الذي يحصل عليه أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية لقاء استثمارهم في الدين المصري يُسدد أساسًا من عوائد الضرائب المفروضة على المصريين، وبالتالي فإن الهدية التي يتلقاها المستثمرون تُدفع في الأساس على حساب دافعي الضرائب في مصر، وعلى حساب تخفيض إنفاق الدولة على الدعم الاقتصادي المقدم على السلع الأساسية من قبل الحكومة، وما قد تدفعه الأجيال القادمة قد يكون أكبر مما يُدفع الآن.
ولا يقتصر الأمر على الاقتراض الخارجي، فجزء من اقتراض الحكومة المصرية قادم من مصادر داخلية، وبأسعار فائدة أعلى من أسعار فائدة الاستدانة من الخارج أيضًا، وتستفيد الكثير من البنوك المحلية – في مصر وغيرها – من ارتفاع سعر الفائدة في بلادهم لجني أرباح كبيرة وشبه مضمونة، فيستدين البنك من الخارج بسعر فائدة منخفض نسبيًا، ويُقرض الحكومة بسعر الفائدة المحلي المرتفع نسبيًا، ويحصل البنك على ربح هو الفرق الكبير بين السعرين، وهذا أحد جوانب الانهيار الذي حدث في لبنان.
الاقتصاد المصري وتحديات المستقبل الضبابي
تحتاج أهداف الخطة المصرية لزيادة حصة الصناعات وعموم القطاعات التكنولوجية، بالإضافة إلى الزراعة، لتوفير استثمارات كبيرة، سواء عن طريق الإنفاق الاستثماري من قبل الحكومة، أو عن طريق الاستثمار الخاص؛ سواء كان محليًا أو أجنبيًا.
ولهذا الهدف أهمية كبيرة لتخفيض البطالة وتحقيق معدلات نمو مستدامة، وغيرها من الأهداف الاقتصادية الملحة، لكن هل تفيد التوقعات الاقتصادية بقدرة الدولة المصرية على فعل ذلك؟ أو على الأقل على البدء في تحقيق ذلك في المدى القريب؟
يشكل عبء الدين الكبير مشكلة ضخمة على الدول لسدادها، لكن تعريض الدولة إلى مخاطر الاستدانة الخارجية له تعقيدات أخرى أيضًا، فالاقتصاد العالمي يتعافى حاليًا من آثار أزمة جائحة كورونا، التي أبطأته، فخفضت الطلب على المنتجات المختلفة في العالم، وانخفاض الطلب على المنتجات يعني انخفاض سعرها، وبالتالي انخفاض معدلات التضخم.
لكن التعافي من الجائحة يعني بدء ارتفاع معدلات التضخم العالمية، وذلك يعني عدم الحاجة إلى إبقاء أسعار الفائدة منخفضة جدًا، فيتوقع في المدى القريب القادم أن تبدأ البنوك المركزية الغربية برفع سعر فائدتها، وتحتاج الدول الناشئة إلى إبقاء سعر فائدتها جاذبًا لرؤوس الأموال الأجنبية، وعليه ستضطر مصر إلى رفع سعر فائدتها أيضًا.
على المستوى الخارجي يعني ارتفاع أسعار الفائدة في العالم ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي، وبالتالي ارتفاع أعباء الدين المصري بمجرد قرار رفع سعر الفائدة، ولكون مصر تحتاج إلى رفع سعر فائدتها على المستوى المحلي فإن ذلك سيعني ارتفاع تكلفة الاقتراض الداخلي أيضًا، وبالتالي ارتفاع عبء الدين من المصدرين، فبدلًا عن أن يساعد جذب رؤوس الأموال الخارجية على حل عجز الموازنة الحكومية وميزان المدفوعات سيعني رفع الفائدة زيادة وطأة الدين وكلفته على الموازنتين معًا.
وفي حال قرر البنك المركزي عدم رفع سعر الفائدة فإن ذلك سيعني انخفاض جاذبية السندات المصرية مقابل غيرها في العالم، وانخفاض تدفق رؤوس الأموال إلى مصر، وفي ظل عدم وجود استثمار أجنبي مباشر في مشاريع استثمارية، فإن الحاجة ماسة إلى رفع الاستثمار المحلي، وتنشيط الاقتصاد بعوامل داخلية. يحتاج ذلك إما إلى إنفاق رأسمالي من الدولة، أو إلى نمو القطاع الخاص، وزيادة إنفاقه الاستثماري.
في ظل ارتفاع تكلفة الاستدانة حاليًا على الحكومة المصرية، وتوقع ارتفاعها أكثر في المستقبل القريب، مع كل الالتزامات الإنفاقية الأخرى في مصر من دفع أجور العاملين، وتوفير الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، هل ستستطيع الحكومة توفير ما يلزم لدعم الاستثمارات؟
يتضمن أحد منشورات الحكومة المصرية بيانات تشير إلى أن موازنة السنة المالية 2020 – 2021 تضمنت إنفاق ما نسبته 70% على بنود الفوائد وأجور العاملين، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وأن 15% من الميزانية فقط أنفقت على شراء الأصول غير المالية (الاستثمارات)، والتي بلغت قيمتها 18 مليار دولار فقط، أي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالطبع لن تكفي عوائد هذه الاستثمارات لحل جزء معتبر من مشاكل الديون وفوائدها، بالإضافة إلى مشاكل العجز في الميزانية وميزان المدفوعات.
أما بالنسبة للقطاع الخاص فإنه يحتاج إلى توافر مصادر التمويل لرفع الاستثمار والمساهمة في النمو، وفي ظل أسعار الفائدة المرتفعة جدًا يستحيل على الشركات المتوسطة والصغيرة أن تحصل على أي تمويل ممكن من المصارف المصرية، كما يؤكد على ذلك مقال جين – بيير سيرن، كما أن الاقتراض الحكومي من المصارف المحلية يعني مزاحمة القطاع الخاص بالمجمل على مصادر التمويل، وتقليلها أمامه، فالمصارف المحلية المصرية لا تملك – مثل غيرها من المصارف الأجنبية – قدرات تمويل ضخمة جدًا، فمتى ارتفع الطلب الحكومي عليها شحَّت هذه الموارد أمام القطاع الخاص.
هل تتجه مصر نحو المصير اللبناني؟
بدأ مقال «سماء الاقتصاد المصري تتلبد بالغيوم» بذكر معلومة بحسب الكاتب متعلقة بإرسال شركتي تصنيف ائتمانيتين هما «موديز (Moody’s)» و«ستاندارد آند بورز (Standard and Poors)»، وأحد أكبر البنوك التجارية في العالم بنك «جولدمان آند ساكس (Goldman and Sachs)» رسالة لم تُنشر أو يُعلَن عنها لعبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية المصري.
ومع أنه لا يمكن التحقق من وجود هذه الرسالة ولا من مضمونها بالدقة، فإن ناشر الخبر صحافي اقتصادي بخبرة طويلة في العمل الصحافي في المنطقة، وقد يملك معلومات عن مثل هذه الرسائل وإن لم تكن منشورة للعلن، وإن كان لا يوجد دليل واضح على ما ذكر.
تتحدث الرسالة المبعوثة إلى رئيس الجمهورية المصرية عبد الفتاح السيسي، عن تحذير المرسلين من أن مصر قد تكون الضحية التالية لظروف التمويل المتقلبة في العالم، وأن الارتفاع المتوقع قريبًا في سعر الفائدة بالولايات المتحدة الأمريكية سيعني خروج رؤوس الأموال من الدول الناشئة، ومنها مصر، ويعني ذلك أيضًا تقوية الدولار أمام العملات الأخرى! ما يعني ضعف الجنيه المصري بالنسبة للدولار، وزيادة عبء تكلفة الدين المصري، وخصوصًا ما سيسدد منه بالدولار.
فماذا تقول التصنيفات الائتمانية المعلنة من قبل شركات التصنيف الائتماني الكبرى؟
تضع شركات التصنيف الائتماني الثلاثة؛ وهي «موديز (Moody’s)» و«فيتش (Fitch)» و«ستاندارد آند بورز (Standard and Poor)» مصر في خانة واحدة من التصنيف، وهي الخانة ذات طابع مضاربة عالٍ «High Speculative» ، وهو تصنيف منخفض للغاية، ويعد ضمن «التصنيفات غير الاستثمارية (Non-Investment Grade)»، وكل هذا يعني ارتفاع المخاطر، وارتفاع الفائدة المطلوبة للاستثمار فيه ارتفاعًا كبيرًا، مع الحفاظ على نظرة مستقرة للاقتصاد المصري.
وهي نفس خانة تصنيف الاقتصاد اللبناني حتى نهاية عام 2018، قبل أن تبدأ بوادر الانهيار الاقتصادي في لبنان، والذي أدى في النهاية إلى تصنيف لبنان دولة متعثرة. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد المصري يتجه إلى مصير مشابه للمصير اللبناني في أي وقت قريب، ولا حتى على المدى البعيد؛ فلم تكن الأزمة اللبنانية أزمة اقتصادية فحسب، بل اجتمعت ظروف سياسية واقتصادية استمرت لسنوات، مع بيانات اقتصادية أسوأ من بيانات الاقتصاد المصري، ووصلت إلى قمتها بالاحتجاجات على الوضع الاقتصادي، وانعدام اليقين السياسي في لبنان، وأزمات تشكيل الحكومة، نهاية بانفجار مرفأ بيروت، ولم تزل هذه الظروف مستمرة حتى الآن.
وليست مصر في حالة شبيهة لتلك التي شهدها لبنان؛ ففي مصر نظام حاكم قادر حتى الآن – على الأقل – على تثبيت أركانه، قادر على الوصول إلى مصادر التمويل باستمرار – بصرف النظر عن الكلفة – وحاصل على ثقة الجهات الدولية، مثل: صندوق النقد الدولي، الذي ما زال ينفذ خطة إصلاح اقتصادي مع مصر؛ ما يعني استمرار ثقة الأسواق المالية بالاقتصاد المصري.
وحتى إن وصل الأمر إلى أزمة مالية غير مسبوقة، فإن ذلك لن يعني انهيار الاقتصاد المصري بشكل كامل كما حصل في لبنان، ولكن ذلك سيعني بالتأكيد أن دافعي الضرائب والمستفيدين من الدعم الحكومي في مصر سيدفعون أثمانًا أكبر مما يدفعونه الآن كمخرج من الأزمة المالية، وسيستمر هؤلاء في دفع أثمان النموذج الاقتصادي المتبع في مصر، ما لم يجر تغييره بشكل بنيوي.