في نهايات الربيع العربي (فاروق يوسف)
فاروق يوسف
من يعرف الاسلامويين جيدا ومن قرأ أدبياتهم لابد ان يكون على يقين من ان فكرة تداول السلطة لا تدخل في قواميسهم اليومية. لذلك فما من شيء ينبيء عن امكانية أن يتخلوا عن السلطة إلا بعد ان يمشوا بالبلاد الى الهاوية التي يكون الخروج منها أشبه بالمستحيل.
بدأ الربيع العربي يمنياً ولم ينته سورياً كما كان متوقعا. لا تزال آلة الموت تحصد في سوريا عشرات القتلى يوميا بعد أن فشل الربيع السوري في نهاء نظام الرئيس بشار الاسد. سوريا صارت ملعبا لاختبار القوى الاقليمية والدولية. العراقيون من جهتهم صاروا اليوم يحلمون بعيون مفتوحة بربيع عراقي، غير أن أشد ما نخشاه أن يكون ربيعهم مختلفا تماما، حيث رائحة الطائفية السياسية هناك تزكم الانوف. لكن بعدما شهدته تونس ومصر من تراجع على مستوى اداء الدولة المدنية في ظل صعود التيارات الاسلاموية إلى الحكم، ألا يزال الحديث عن ربيع عربي ممكناً، بما ينسجم مع المعاني النضرة التي ينطوي عليها مفهوم الربيع؟
صارت اليمن اليوم منسية. تتذكرها الاخبار مع دوي الانفجارات. ذهب الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الى دارته وصار نائبه رئيسا. لم يتحقق من هتاف الجماهير الذي ظل يصدح في ساحات المدن اليمنية زمنا طويلا شيء لافت. فالنظام لم يتغير ولن يتغير. ذلك لان بنية اليمن الاجتماعية لا تسمح بذلك. كان من المجدي أن يهتف اليمنيون "الشعب يريد تغيير الرئيس" بدلا من "الشعب يريد اسقاط النظام". في تونس تبدو القوى الاسلاموية في حيرة من امرها. لم تكن تلك القوى قد هيأت نفسها لاستلام الحكم وتصريف شؤون المواطنين في بلد حكمته القوانين العلمانية لأكثر من ستين سنة. يخوض الاسلاميون هناك حربا ضد القانون، لن ينتصروا فيها، غير أنهم لن يعترفوا بهزيمتهم بيسر. قد يكون العنف الاهلي هو ورقتهم الأخيرة.
في ليبيا ما من شيء واضح. لقد صارت ليبيا بعد سقوط النظام ومقتل القذافي بطريقة همجية تقف خارج التغطية الاعلامية. مَن ستكون له الغلبة في النهاية؟ لقد غض الغرب النظر عن وجود تنظيم القاعدة هناك، ذلك لان ذلك التنظيم كان قد وضع خبرته في خدمة الناتو من اجل القضاء على نظام القذافي. فهل ستتخلى عصابات ذلك التنظيم المسلحة عن هدفها في الانتقال من الشارع الى الحكم، وإن من خلف قناع؟ قدر من الصراع الدموي الطويل يمكن توقعه هناك، من غير أن يكون ذلك الصراع موضع اكتراث من قبل القوى الدولية التي استطاعت أن تتخلص من عدوها الذي بالغ في استعراضاته المزعجة.
اما مصر فما يحدث لها هو أشبه بادخال فيل في جحر فأر.
مصر ليست في مفترق طرق، فهي تتجه في ظل حكم الاخوان مسرعة الى الهاوية. شبح افلاسها لم يعد خافيا على أحد. الرئيس المصري محمد مرسي من خلال انكاره اشار الى ان الله سيحمي مصر من الافلاس. هذا معناه ان البلاد مقبلة على كارثة، ما من احد من حكامها في امكانه ان ينقذها منها. العناية الالهية وحدها كفيلة بالقيام بذلك. ربما لن تكون المفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد الدولي ليست سوى بداية في طريق ستمشيها مصر وحيدة، من غير أن يكون لحكامها مشروع اقتصادي واضح المعالم لانقاذها. فمن غير المعقول أن يتم التعويل على ملياري دولار اميركي يقدمها صندوق النقد الدولي قرضا لدولة بحجم مصر، إلا إذا كان ذلك القرض نوعا من المحاولة المؤقتة لترقيع الاحوال المتردية.
هناك من يزعم ان كل المراحل الانتقالية انما تنطوي على صعوبات من النوع الذي تواجهه دول الربيع العربي. وهو زعم يمكن أن يكون سويا في حالة ان تكون القوى الاسلاموية التي صعدت الى الحكم مقتنعة بان وجودها في السلطة مؤقت وان عليها ان لا تعمل على استعمال اجهزة ومؤسسات الدولة في تدعيم وجودها باعتبارها القوة الوحيدة التي لا يخطيء الحق طريقه اليها.
من يعرف الاسلامويين جيدا ومن قرأ أدبياتهم لابد ان يكون على يقين من ان فكرة تداول السلطة لا تدخل في قواميسهم اليومية. لذلك فما من شيء ينبيء عن امكانية أن يتخلوا عن السلطة إلا بعد ان يمشوا بالبلاد الى الهاوية التي يكون الخروج منها أشبه بالمستحيل.
هكذا صار علينا اليوم ان نعيد تعريف مصطلح الربيع العربي.
بعد سنتين من قيامة الربيع العربي لم نر زهرة واحدة.
ميدل ايست أونلاين