قرارات

بعضهم لديه دولارات في البنوك اللبنانية بالآلاف، وبعضهم بالملايين وبعضهم بالمليارات. هؤلاء اليوم لا يبتسمون لملكات جمال الخبزالساخن، ولديهم اضطرابات من يلسعه جمرالخسائر في كل دقيقة. والسبب هو “نظام اقتصاد اللصوص” متعدد الجنسيات، والهويات.

من لديه ملياردولار، الآن، لا يستطيع أن يسحب أكثر من 500 دولار في الأسبوع ، والأزمة تتعقد وتتفاقم باتجاه أن تضيع الودائع كلها، ويصبح أثرياء الأمس مثلنا تقريباً، مع فارق أنهم سيحاولون تعويض خسائرهم من لحمنا ودمنا في دورة جديدة أخرى للسرقة والفساد الجديد المعدل بوصفات المرحلة.

بعضهم صار يقول: أفضل مكان للنقود هو طربوش الجدة وزنّار الجد، وتحت بلاط البيت. وإذا كان النظام البنكي الموقر، بالغ الدقة والسمعة الحسنة، قد أفسد لعبة الادخار، وتدوير المال ، وعولمة زراعة الطماطم… فإنه، في المعادلات القادمة، قد يعيدنا إلى عصرتلك الجملة المشحونة بالمجازات، التي كتبها جبران خليل جبران قبل ربع قرن: “ويل لأمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع” أي إلى ما يسمى اقتصاد المعيشة. وإذا ما اضطررنا إلى ذلك… فيجب ان يكون لدينا الاستعداد لوفيات جماعية متعددة الأسباب، الأمر الذي يعني البقاء للأصلح عضلياً، في اختبارات “نقص المناعة، وضررالمجاعة، وعدم فائدة الشفاعة”

قلت لبعض الأغنياء الصغار، وأنا أضحك، وطبعاَ هم عابسون، أنا عندي في درج مكتبي 50 دولاراً. أمس تفقدتها، وبدأت أتمعن بتفاصيلها. ولأول مرة أتمعن بالصورة التي عليها …صورة الرئيس السابع عشر، كما أظن، واسمه يوليسيس غرانت.

يوليسيس يعني يوناني، وابن ملاحم. ومن باب التسلية والفضول قررت التعرف إلى يوليسيس هذا. فأنا زرت الخليج الصغير في بحرإيجة (اليونان) الذي انطلق منه يوليسيس في الإلياذة مبحراً في تلك الملحمة الشهيرة.

يوليسيس هذا…هوأحد أبطال الحرب الأهلية التي خاضها إلى جانب الرئيس إبراهام لينكولن وانتصر فيها وأنهاها في العام 1865 حيث أصبح بعد سنتين رئيساً للولايات المتحدة لدورتين . ولكن مفخرة” هذا الرجل أنه أحد أهم الجنرالات الذين انجزوا إبادة الهنود الحمر. وكان شعار حملته الانتخابية الأولى: “إبادة الهنود الحمر … تعني حماية الأمريكيين”.

كرهت هذه القطعة، التي لا تستطيع أن تفعل أكثرمما فعلت …دعمت اقتصادياتي وخربت اقتصادات سورية،كانت تعادل قبل الحرب في سورية 2000 ليرة ، وها هي الآن تصل إلى 50000 ليرة.

قلت سأستبدلها، واحتفظ بأصغر قطعة… دولار واحد ، فاكتشفت أن عليها صورة الرئيس ابراهام لينكولن صاحب مأثرة تحرير العبيد ومأثرة إنهاء الحرب الأهلية.

ولكن… تبين لي أنه ، هو أيضاً ، صاحب “مجزرة ” القبيلة الهندية التي بنى على أنقاض قريتها مدينته … واشنطن .

أغلقت الدرج بهدوء…

وقررت ألا أحتفظ بأية عملة يكون عليها صورللرؤساء.