«قسد» بمواجهة العشائر: محاولات احتواء متعثّرة
للأسبوع الثاني على التوالي، تتواصل الاحتجاجات العشائرية ضدّ «مجلس دير الزور العسكري» التابع لـ«قسد»، مُطالِبةً بحلّ قيادة المجلس المتَّهمة بارتكاب جرائم بحقّ السكان، ومحاولة فرْض السطوة الأمنية على المنطقة. وبدأت الاحتجاجات على خلفية اختطاف فتاتَين واغتصابهما وقتْلهما وإلقاء جثّتَيهما على الطريق العام في بلدة الصور، انتقاماً من أحد أقاربهما بسبب خلافات بينه وبين شقيق رئيس «دير الزور العسكري». وتَطوّرت التحرّكات التي انطلقت من قرى الخطّ الغربي لدير الزور حيث تتركّز عشائر قبيلة البكارة، لتمتدّ إلى ريف دير الزور الشمالي، ومنه إلى بلدة مركدة وقريتَي العطالة وزين المبرج في ريف الحسكة الجنوبي.
وأقْدم المتظاهرون على قطْع الطرقات العامّة بالإطارات المشتعلة، كما رفعوا لافتات تطالب بإلقاء القبض على قائد «مجلس دير الزور» أحمد الخبيل، الملقَّب بـ«أبو خولة»، وشقيقه، القيادي في المجلس خليل الوحش، ومحاسبتهما على جريمة قتْل الفتاتَين، وتشكيل مجلس عسكري خاص بأبناء كلّ قبيلة. كذلك، حمَل المتظاهرون أسلحتهم للتلويح بإمكانية اللجوء إلى القوة من أجل تحقيق مطالبهم. في المقابل، حاولت «قسد» امتصاص غضب الأهالي، من خلال بثّ لقاء مصوَّر مع قائد «دير الزور العسكري»، نفى فيه الاتّهامات المُوجَّهة إليه، مُحمِّلاً جهات من خارج المنطقة مسؤولية «تهديد الأمن والسلم الأهلي» فيها، فيما انتشرت أيضاً مقاطع صوتية له يحضّ فيها عناصره على الخروج في تظاهرات مؤيّدة له.
على أن هذه التحرّكات آتت مفعولاً عكسياً؛ إذ توسّعت رقعة التظاهرات وازدادت أعداد المشاركين فيها، لتضطرّ «قسد»، إثر هذا، إلى إصدار بيان تعِد فيه بـ«محاسبة مرتكبِي جريمة قتل الفتاتَين مهما كانت صفاتهم أو مواقعهم»، بينما اجتمع القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، مع وفد من عشائر دير الزور، برئاسة أحد أبرز شيوخ البكارة، حاجم البشير، واعداً إيّاهم باتّخاذ إجراءات تُرضي المحتجّين.
والظاهر أن «قسد» باتت تجد في الاحتجاجات فرصة للتخلّص من قيادة «مجلس دير الزور»، بسبب السخط الشعبي عليه من ناحية، وتزايُد عدد عناصره من أبناء العشائر وتعدّد ولاءاتهم من ناحية أخرى، ما يخلق لديها هاجس انقلابه عليها في أيّ لحظة، خاصة في ظلّ معلومات عن رفضه إرسال تعزيزات عسكرية إلى الشمال لصدّ الهجوم التركي المحتمَل. كذلك، تخشى «قسد» من انفلات الأمور من يدها، في ظلّ المطالَبات بإنشاء مجالس عسكرية قبَلية، والتي قد تؤسّس لانقسام كبير في صفوفها، وتَدفع بالكثير من عناصرها إلى الانشقاق والانتساب إلى المجالس المُراد تشكيلها. وفي هذا الإطار، تقول مصادر عشائرية من ريف دير الزور الغربي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الاحتجاجات التي تشهدها أرياف دير الزور والحسكة ضدّ قسد، ليست وليدة اللحظة، وهي نتيجة تراكمات، والتهميش المستمرّ للعشائر العربية ومَطالبها»، لافتةً إلى أن «العشائر مُمثَّلة شكلياً في مجالس قسد المدنية والعسكرية، فيما يَجري تعيين كوادر كردية للتحكّم بالمنطقة وإدارتها».
وتشير المصادر إلى أن «اعتماد قسد على أشخاص ليس لهم أيّ اعتبار عشائري، والتحالف معهم ومحاولة تسويقهم على أنهم يمثّلون العشائر العربية، كل ذلك بات مكشوفاً ومرفوضاً»، مضيفةً أن «أبناء العشائر لا يريدون انفلاتاً أمنياً في المنطقة، ويدركون أن وجود قسد والأميركيين سينتهي يوماً ما، ولذلك يتعاملون معهم بمبدأ الحفاظ على السلم والاستقرار، إلى حين إيجاد حلّ نهائي». وتحذّر من أنه «إذا لم تَقُم قسد بمحاسبة مرتكِبي جريمة قتل الفتاتَين، واعتقال كلّ المسيئين للأهالي في المنطقة، فستكون هناك أمور لا تُحمد عقباها»، كاشفةً عن «التحضير لعقد اجتماع عشائري كبير في ريف دير الزور، سيَجري خلاله اتّخاذ القرارات المناسبة، مع الحرص على تحقيق المطالب سلمياً وحقن الدماء».
في هذا الوقت، فرضت «قسد» حظْر تجوال كاملاً في مدينة الرقة حتى إشعار آخر، وذلك بعد إعلانها إفشال هجوم لخلايا «داعش» على إحدى نقاطها في حيّ الدرعية في المدينة، ما أدّى إلى مقتل مهاجم، واعتقال آخر يحمل حزاماً ناسفاً، وفرار قسم ثالث إلى داخل أحياء المدينة، مقابل مقتل ستّة من عناصر «قسد».
وعلى رغم محدودية الهجوم – الذي تبنّاه «داعش» عبر «وكالة أعماق»، عادّاً إيّاه «انتقاماً للمعتقَلين في السجون، وللنساء في مخيم الهول» – قياساً إلى الهجمات شبه اليومية التي تشهدها أرياف دير الزور، إلّا أن «قسد» سارعت إلى استغلاله، وربْطه بالتهديدات التركية الأخيرة ضدّ مناطق سيطرتها، وهو ما ظهر في حديث عبدي عن أن «الهجمات الإرهابية في الرقة تتزامن مع التهديدات التركية»، وأن «المعلومات الواردة من الرقة، تفيد بتحضيرات خطيرة من داعش، علينا ألّا نتهاون معها». بدوره، اعتبر رئيس «المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، عبد حامد المهباش، في تصريحات إعلامية، أن «الهجوم الأخير يهدف إلى ضرب الاستقرار في المنطقة»، داعياً «التحالف الدولي إلى تكثيف عملياته، ودعْم القوات العسكرية لمكافحة داعش». وتُنبئ تلك التصريحات بأن قيادة «قسد» تريد استثمار الواقعة لإثبات صحّة تحذيراتها من إمكانية إحياء التنظيم نفسه مجدّداً، بالاستفادة من التهديدات التركية التي تعطيه دفْعاً معنوياً، بحسب «الإدارة الذاتية». أيضاً، تحاول «قسد» دفْع «التحالف» إلى استعجال إعادة التمركز في «قاعدة الفرقة 17» التي انسحب منها في عام 2019، ويَجري العمل على تأهيلها حالياً لتكون مهبطاً للمروحيات، وخطّ إمداد دائماً للأميركيين مربوطاً بقواعدهم في كلّ من الحسكة ودير الزور.