قصة الجامعة الأميركية في بيروت (عرض/ زياد منى)
–الكتاب: شيوخ أميركيون: عائلتان وأربعة – أجيال وقصة نفوذ أميركا في الشرق الأوسط
-المؤلف: برين فاندمارك
-عدد الصفحات: 252 تحوي مجموعة مصورات
-الناشر: برُمِثيُس بوكس. نيويورك
-الطبعة الأولى: 2012
عرض/زياد منى
مؤلف الكتاب، برين فندمارك، سبق له أن ألف العديد من الكتب منها واحد عن حياة وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت مكنمارا، ولا عجب، فهو مدرس التاريخ في أكاديمية البحرية الأميركية.
وحيث إن تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866 مرتبط ارتباطا وثيقًا بالتطورات الاستعمارية التي شهدها المشرق العربي، وفي مقدمة ذلك ازدياد التدخل الغربي الاستعماري في بلادنا، ومن منطلق الخلفية السياسية للمؤلف، ليس بمقدورنا تجاهل الخلفية الفكرية والعقدية التي كتب بها هذا المؤلف المثير.
خلفية تأسيس الجامعة
من المعروف أن تأسيس "الجامعة" في العام 1866 كان هدفه سياسيا-دينيا، وبالتالي اقتصاديا. فهذه المؤسسة العلمية أو لنقل الأكاديمية، التي لا يمكن التقليل من شأنها ودورها التعليمي الريادي في بلادنا، بلاد العرب، كان هدفه "هداية" مسيحيي الشرق "الهراطقة" إلى المذهب الصحيح، أي إلى البروتستانتية، وهذا حسب رأي المؤلف ومؤسسي الجامعة من عائلتي بلس ودُدْج.
ذلك أن اسمها الأصلي كان "الكلية السورية البروتستانتية/ Syrian Protestant College"، ولم تضح "الجامعة الأميركية في بيروت" إلا في العام 1922، أي بعد اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بصلح باريس واتفاق المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، أي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، وبدء إعادة اقتسامهم العالم الفقير المغلوب على أمره.
بعد فترة أدرك المؤسسون عقم محاولاتهم التبشيرية، متذكرين أن أحد المؤسسِين، دانيال بلس، كان مبشرا. وبما أن الجامعة أو الكلية تأسست بمبادرة عائلية، فقد بقيت رئاستها في يد العائلتين، من الأبناء والأحفاد والأصهار.. حيث ظل يورث الرئاسة لأحد أقربائه، وهكذا.
الكتاب
تاريخ الجامعة الأميركية في بيروت مرتبط ارتباطا وثيقًا بالأحداث الكبرى التي شهدها المشرق العربي، من "اتفاقية سايكس بيكو" التآمرية، إلى تقسيم المقسم أي تقسيم سوريا إلى سوريا ولبنان، وتقسيم فلسطين "التاريخية" إلى فلسطين وشرق الأردن، وبقية التطورات الاستعمارية المعروفة.
لذا نجد أن المؤلف قسم الكتاب إلى فصول تتعامل مع مراحل أو منعطفات تاريخية مر بها المشرق العربي، وانعكس بالتالي على مسار تطور الجامعة وما شهدته من تطورات سلبية كانت أو إيجابية.
قبل الاسترسال في عرض الكتاب، من الضروري تأكيد أن التعليقات السياسية التي يوردها المؤلف، وعلى نحو خاص ما يتعلق بفلسطين ومشاريع الغرب وتحويلها إلى وطن أو كيان سياسي لليهود، ترتبط على نحو وثيق بفكر المؤلف، وبالتالي تعكس رأيه الشخصي الذي لا يلتزم دوما بالحقيقة، على سبيل المثال، يدعي أن الجيوش العربية التي دخلت فلسطين في 15 مايو/أيار 1948 كانت متفوقة عددا وعدة على الجانب الصهيوني.
كان على المؤلف الاستفادة من الحقائق الموثقة التي أوردها إيلان بابيه في كتابه الحدث "التطهير العرقي في فلسطين". هذه واحدة من التعليقات التي يمررها المؤلف، بينما وجب عليه الحياد على الأقل، مع أن الحياد بين المعتدي والضحية يمكن عده انحيازا للمعتدي أو الظالم.
على أي، الكتاب مقسم إلى مدخل ومقدمة تليهما تسعة فصول سنسردها لاحقا، وملحق يضم أسماء شخصيات سياسية واقتصادية تتميز بصيت محترم في العالم، تخرجت في الجامعة.
وجدت أن كلا من المقدمة "عائلتي بلس ودُدج" والمدخل "التوجه نحو بيروت" مثيران إلى حد كبير، لأنهما يعرفان القارئ بعائلة المؤسسين وانتماءاتهما الفكرية والسياسية، إضافة إلى علاقتهما بالطبقة الحاكمة في أميركا وضمن ذلك رئيسا الجمهورية ابنا العم من عائلة روزفلت.
الاسم الأولي للمؤسسة الأكاديمية يعكس بأوضح الكلمات الهدف الحقيقي لتأسيس "الكلية البروتستانتية"، لكن عندما اصطدم القادمون من خلف الأفق بحقائق الأوضاع تحول هدف الكلية إلى "تعليم" الشرق حضارة الغرب، أي إعداد أجيال من القيادات المتشبعة بالفكر والقيم الغربية، قيم المادية والاستهلاك.
وانطلاقًا من هذا، يحوي الكتاب في مقاطع عديدة نمطا متعاليا على أهل البلاد، وضرورة تعليمهم.. وهذا ينعكس أيضا في عنوان الفصل الأول "دانيل بلس والمهمة الأميركية التبشيرية".
الفصل الثاني "أميركا تلتقي بالشرق الأوسط" ويضم المشاكل والإشكاليات التي واجهها المؤسسان في عملهما.
الفصل الثالث "التقاليد في مواجهة الحداثة في الشرق الأوسط" ويضم سردا لأحداث مهمة في تاريخ الكلية وصدامها بتقاليد الشرق "المتخلف"، وكيف ساهمت في تحرر المرأة العربية من خلال استقبالها أول طالبة في الجامعة (هي المصرية إحسان أحمد التي كانت تحضر الدروس برفقة زوجها الجالس إلى جانبها في الصف، مرتدية نقابين).
الفصل الرابع "هورد بلس والعصبية الأميركية" يتحدث فيه عن سياسة الجامعة وأهدافها والدور الذي تمارسه في مواجهة القوى الاستعمارية الأخرى في سوريا، التي قسمتها فرنسا إلى سوريا ولبنان من المنطلق الرومي الاستعماري المعروف "فرق تسد".
الفصل الخامس "أميركا تواجه سياسة قوى عظمى في الشرق الأوسط".
الفصول الأخيرة، السادس "بيرد دُدج والعصبية الأميركية" والسابع "أميركا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية"، والثامن "ديفد دُدج والإحباط الأميركي" وأخيرا الفصل التاسع "أميركا في الشرق الأوسط المعاصر"، وهي مخصصة للأحداث الكبار التي عصفت بالمشرق العربي، من حرب تقسيم فلسطين إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ثم ثورة العراق في العام 1958 والقضاء على الملكية والوحدة بين مصر وسوريا في العام نفسه، إلى عدوان 1967 والصدام بين "العمل الفدائي" في كل من الأردن ولبنان، ومن ثم اجتياح بيروت وصعود الأحزاب اللبنانية الجديدة، وفي مقدمتها حركة أمل وحزب الله.
لقد مرت الجامعة بأحداث كبار، والكتاب لا يخفي المهمة "التلقينية" التي أمل مؤسسوها في تثبيتها في المشرق العربي، والقصد هو تصدير الفكر الأميركي، أي تحويل المنطقة إلى مستعمرة ثقافية عقدية.
والكتاب يذكر القراء بأن وزير خارجية بريطانيا "مارك سايكس" وصف العرب بأنهم "صلف ووقحون.. في الوقت نفسه خسيسون وجديرون بالاحتقار.. سلاب وجشعون وطماعون.. ودواب"، وهو الذي كتب إلى صديق له سوف ننشد ترتيلة "الرب الذي نبجله/ Te Deum" في كنيسة القديسة صوفيا (آيا صوفيا في إسطنبول) وسننشد في مسجد عمر (المقصود هنا الحرم الشريف الذي يضم كلاً من المسجد الأقصى وقبة الصخرة) ترتيلة (Nunc Dimmittis) المأخوذة من إنجيل لوقا 2/29 القائل "يا رب، تممت الآن وعدك لي فأطلق عبدك بسلام. عيناي رأتا الخلاص الذي هيأته للشعوب كلها نورا لهداية الأمم ومجدا لشعبك إسرائيل".
الدور السياسي للجامعة
الكاتب يتعرض في مقاطع عديدة للقضية الفلسطينية، بوجهة نظر منحازة للمعتدي المغتصب، لكنه يذكر أن رئاسة الجامعة كانت في أحيان كثيرة معادية للصهيونية، تماما من الروزفلتين، حيث لم يتغير الوضع إلا بتسلم ترومان رئاسة البلاد، على حد قول الكاتب.
يركز الكاتب أيضا على الدور الذي مارسته الجامعة، في بعض المراحل، للتقريب بين العرب والصهاينة ومحاولة خلق تفاهم بين الطرفين، بل إنها استضافت سيمفونية تل أبيب للعزف في قاعاتها.
كما يذكر تخرج العديد من القادة الصهاينة في الجامعة الأميركية ببيروت ومنهم على سبيل المثال إلياهو إيلات الذي كان ممثل الوكالة اليهودية في بيروت ثم عين سفيرا لدولة العدو في واشنطن ومن بعدها رئيس الجامعة العبرية في القدس المحتلة.
والأخير، دوما وفق الكاتب هو من رتب لقاء جمع الرئيس اللبناني إميل إده وحاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية في العام 1937، أيضا بهدف تأسيس مشاريع مشتركة على نهر الليطاني، والمساحة المتوافرة لهذا العرض لا تكفي لسردها كلها.
الكتاب يتعرض أيضا للمآسي التي تعرض لها بعض العاملين في الجامعة وكذلك رئيسها الذي قتل وأعضاء هيئة التدريس الذين اختطفوا في بيروت (يتهم حزب الله وإيران بالأمر).
كما لا ينسى ذكر أن دُدج كان معارضا للمشروع الصهيوني في فلسطين، تماما مثل ألبرت آينشتاين والصناعي الأميركي (اليهودي) لسنغ روزنوالد، ومصدر صحيفة نيويورك تايمز آرثر سالزبرغر (اليهودي) ومصدر صحيفة واشنطن بوست يوجين ماير (اليهودي) ورئيس الجامعة العبرية في القدس جودا ماغنس وكبير حاخامات نيويورك إيمانو إيل، وغيرهم.
الكتاب مهم لأنه يحوي معلومات ربما تنشر للمرة الأولى عن بدايات تأسيس هذا الصرح الأكاديمي الراقي، الذي تخرج فيه عدد من القادة الثوريين الفلسطينيين ومنهم الراحل جورج حبش.
هذا بالإضافة إلى شخصيات سياسية واقتصادية من مختلف بقاع العالم، حيث يورد في نهاية الكتاب قائمة بأسماء بعض هؤلاء الخريجين والخريجات ومنهم قاسم بوعلاي الذي كان وزير خارجية البحرين، وعبد الله بوحبيب اللبناني الذي عمل في البنك الدولي، ورئيس الوزراء اللبناني الحالي نجيب ميقاتي، ومحمد الصفدي، والأفغاني محمد ياسين وزير الزراعة والإصلاح الزراعي وعلي أكبر صالحي المولود في كربلاء وكان ممثل إيران في الوكالة الدولية للطاقة وأضحى الآن وزير خارجيتها، وناصر أمين سعيدي وزير مالية إمارة دبي وعلي النعيمي والسوري روبرت جبجيان صاحب مشفى العيون وغيرهم الكثير.
مع كل ما قيل، تبقى الجامعة الأميركية في بيروت صرحا أكاديميا مهما يتطلع إلى الدراسة فيها من أولويات المتفوقين في بلادنا غير الراغبين في التغرب. ورغم كل الممارسات السياسية السلبية التي تحاول قيادات في الجامعة تمريرها، ثبت أنها صرح علمي كبير ندر مثيله في عالمنا العربي، وهذا الكتاب يحوي قصة نشوئه والتغيرات التي مر بها، إما طوعيا أو مجبرا.
موقع الجزيرة نت