قصة مؤسس السرورية … من سوريا إلى نجد! (يوسف الديني)

 


يوسف الديني*

 

تنسب جماعة الإخوان المسلمين وجماعات إسلامية أخرى لمدرس مادة الرياضيات، القادم إلى مدينة "بريدة" في منطقة القصيم المحافِظة بالمملكة العربية السعودية، الداعية السوري محمد سرور زين العابدين، نشأة تيار حركي إسلامي، جمع بين حركية "الإخوان المسلمين" وعقائدية وتراثية التيار السلفي التقليدي، وحدها هذه التركيبة يمكن أن تجد لها أرضاً خصبة في بلد محافظ متدين كالسعودية.
كان محمد سرور في بداياته الحركية من المقربين إلى الجناح "الإخواني"، التابع لعصام العطار والمعروف بجناح "إخوان دمشق"، ثم انتقل إلى مروان حديد صاحب منهج استخدام العنف، أي "المنهج الانقلابي"، الذي أسسه أبو الأعلى المودودي في الفكر الإسلامي المعاصر، وتابعه عليه سيد قطب في "معالم على الطريق".
كان قطب ملهماً لمحمد سرور زين العابدين، في ما يتعلق بتكييف الواقع المعاصر للأنظمة والحكومات، مع الرؤية السلفية من بوابة "التصور القرآني" الجديد، الذي تميز به سيد قطب، حيث أعاد شكل وملامح العديد من المفاهيم القرآنية لتتلاءم مع الرؤية السياسية المتشددة.
إذن كانت النشأة التي تلقاها محمد سرور مبكراً بداية في محاضن "الإخوان المسلمين" في سوريا، وكان من الشخصيات المعروفة في الأوساط السورية، ومؤخراً سُئل عنه الأستاذ علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام لجماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا، في لقاء بشبكة "إسلام أون لاين"، فقال: "كان الأستاذ محمد سرور زين العابدين من الإخوان المسلمين في سوريا، وما يزال على صلة وتعاون مع قياداتها".
من جهة أخرى أكد محمد سرور نفسه بأنه كان "إخوانياً" متعصباً جداً لشخص وأفكار الشيخ مصطفى السباعي. ويقول في مجلة "السُنَّة"(عدد 35 ص 68): "فالصنف الأول في سورية جماعة الإخوان المسلمين، وكان يقود هذه الجماعة الدكتور مصطفى السباعي – رحمه اللَّه -، وهو في علمه ووعيه وجهاده من الشخصيات القليلة النادرة في العالم الإسلامي". وقال (ص30): "وأنا اليوم أحب شيخنا السباعي – رحمه اللَّه – وأقدِّر علمه وفضله وجهاده. ولكن أحبه حباً عن علم ومعرفة، وأعرف أن له اجتهادات خاطئة، وكنت أحبه حباً حزبياً أعمى، وأغالي في هذا الحب".
كان العام 1969 هو عام الانشقاق لحركة "الإخوان المسلمين" في سوريا، وقد تحددت ملامح تيارين رئيسين: الأول: "جماعة حلب"، وكانت ذات طابع متصوف، يستلهم تعاليم مؤسس الجماعة حسن البنا، ومن أبرز شخصيات هذا التيار: المحدِّث الشيخ عبدالفتاح أبو غدة، الذي انتقل لاحقاً إلى السعودية، ومكث فيها لتدريس الحديث النبوي والتصنيف فيه، حتى آخر حياته، لكن بقي تياره ملتزماً بالانتماء للجماعة الأم، أو ما يسمى بالتنظيم الدولي. والثاني: "جماعة دمشق"، وكانت ذات طابع نضالي يميل إلى فكر سيد قطب الصدامي، ومن أبرز الشخصيات لهذا التيار الأستاذ عصام العطار إضافة إلى مروان حديد.
وبعد التضييق على "إخوان" سوريا، قدم محمد سرور إلى السعودية العام 1965، وعمل مدرساً لمادة الرياضيات في المعهد العلمي ببريدة، وتتلمذ في ذلك الوقت على يده سلمان العودة الذي قال عنه: "هو أحد الجماعات والأفراد الذين جاءوا طبعاً من سوريا وليس من مصر و أعتقد أن الإخوان في سوريا واجهوا وضعاً مشابها بالضغوط التي كانت عليهم في بلدهم فجاءت نسبة كبيرة منهم إلى جامعة الإمام، إلى المعاهد العلمية، إلى المدارس، إلى المؤسسات المختلفة.
لا يفتأ سرور، هو وكثير من المحسوبين على تياره داخل المملكة وخارجها، عن إنكار تهمة وجود جماعة حزبية، سواء حملت اسمها أو تمت تسميتها بـ"القطبية"، نسبة إلى سيد قطب. لكن آخرين من أبرز الشخصيات الإسلامية سواء من التيارات المنافسة لهم، كالتيار "الجامي" أو "الإخواني"، يثبتون هذه النسبة ويختلفون في تسمية الجماعة هل هي "سرورية"، نسبة إلى محمد سرور زين العابدين أم أنها "قطبية" نسبة إلى المرجعية الفكرية الأبرز بالنسبة لهذا التيار وهو سيد قطب كما أسلفنا.
وهناك وثيقة مكتوبة بخط اليد عبارة عن رسالة بعث بها الشيخ المحدِّث مقبل بن هادي الوادعي، الرمز الأول للحركة السلفية في اليمن، إلى الداعية السعودي المحسوب على التيار "الجامي" عبدالله العبيلان، والذي كان يعمل آنذاك مديراً لمكتب الدعوة في منطقة حائل، حيث سأل الشيخ مقبل عن حقيقة محمد سرور، وهل هناك جماعة حزبية تابعة له؟ جاء فيها: "فالأخ محمد سرور زارنا إلى بلدنا دماج مرتين أو ثلاثاً، وقال لا نكتمكم أننا جماعة ونحن نوالي كل مسلم ليس لدينا تعصب كذا قال والذي أنصحك يا أخي أن تحذر وتحذر طلبتك من جميع الحزبيين".
ويرجع كثير من الباحثين مسألة عدم الاعتراف بوجود جماعة، أن ذلك مرده إلى استراتيجية جماعات الإسلام السياسي في البلدان التي لا تسمح بنشوء أحزاب سياسية، أو حتى منظمات مجتمع أهلية، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية. إضافة إلى أن مثل هذا الفرز، من شأنه أن يحظى برفض شرائح عديدة من الشباب وطلبة العلم والعلماء، الذين يعتقدون أن العمل الجماعي الحزبي يخالف منهج أهل السُنَّة والجماعة، وأنه من العصبية التي نهى عنها الشرع.
انتقل محمد سرور من السعودية إلى الكويت، حيث ترك سلك التدريس لينتقل إلى المجال الصحفي، وعبر مطبوعة "الإخوان المسلمين" الأولى في العالم العربي مجلة "المجتمع"، والتي تصدر من الكويت حيث أجرى عدداً من التحقيقات فيها، كان من أبرزها لقاؤه الشهير مع محدث الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. بعد ذلك انتقل إلى لندن ليؤسس مشروعه العلمي والدعوي الخاص.
كان سرور منذ انتقاله إلى لندن حريصاً على تكوين علاقات واسعة بأطياف الحركات الإسلامية جميعها، وذلك بحكم موقعه كصاحب تجربة عريقة في العمل الإسلامي في شقه الدعوي أو السياسي، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس مركز في برمنجهام، اختار له اسماً يعزز من حضوره لدى التيار السلفي الذي تضخم لديه الاهتمام بالسنة، إثر الحضور الطاغي لمؤلفات الشيخ الألباني حيث أسماه "مركز دراسات السُنَّة النبوية"، الذي أصدر مجلة "السُنَّة" الشهيرة، والتي كانت تهتم بالشؤون السياسية وأحوال العالم الإسلامي، وتأصيل ذلك من وجهة نظر الجماعة.
ألقى محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في إنجلترا العام 1996، ووصلت مسجلة إلى السعودية، صرح فيها أمام الملأ بتكفير الملك فهد بن عبدالعزيز والنظام السعودي. لكن الأمر ازداد تعقيداً بعد أن هاجم محمّد سرور "هيئة كبار العلماء" في مجلة "السنة" بشكل ساخر حيث جاء في العدد (26) سنة 1992 – 1413ﻫـ، صفحة (2- 3) قوله: "للعبودية طبقات هرمية اليوم: فالطبقة الأولى: يتربَّع على عرشها رئيس الولايات المتحدة، (جورج بوش) وقد يكونه غداً (كلينتون). والطبقة الثانية: هي طبقة الحكام في البلدان العربية، وهؤلاء يعتقدون أنّ نفعهم وضررهم بيد بوش، ولهذا فهم يحجُّون إليه، ويقدمون إليه النذور والقرابين. والطبقة الثالثة: حاشية حكام العرب من: الوزراء، ووكلاء الوزراء، وقادة الجيش، والمستشارون؛ فهؤلاء ينافقون لأسيادهم، ويُزَيِّنون لهم كلّ باطل، دون حياء ولا خجل ولا مروءة. والطبقة الرابعة والخامسة والسادسة: كبار الموظفين عند الوزراء، وهؤلاء يعلمون أنّ الشرط الأوّل من أجل أن يترفعوا، النفاق والذل وتنفيذ كلّ أمر يصدر إليهم…".
وقد أثارت مثل هذا النبرة واللغة حفيظة الكثير من العلماء الرسميين المتعاطفين مع التيار، والذين كانوا لا يرون فيه إلا داعية محنكاً في فقه الواقع وأحوال المسلمين. هذا الهجوم سبب الكثير من الحرج لأنصار التيار في الداخل، الذين ازداد تنصلهم من تنظيم كهذا، لاسيما بعد مساجلات طويلة مع التيار (الجامي)، الذي أخذ يتابع بشدة كل نتاج سرور ليقتبس منه كل ما يخص الشأن السعودي.
لم ترضِ ثورية محمد سرور التيار الجهادي، الذي كان في البداية يتعاطف مع "السرورية"، لاسيما حينما كان التيار متعاطفاً مع القضية الأفغانية، قبل أن يحصل الانشقاق ما بعد أزمة الحرب على الخليج وتبعاتها، في الانقسام والتشرذم بين الحركات الإسلامية، التي اتضحت معالمها وفق استراتيجيات اختيار "السلم" أو "العنف".
ازداد الأمر سوءاً بعد أن أصدر محمد بن سرور بياناً في مجلة "السنة" بتاريخ 19 ديسمبر 2004، يدعو فيه الجماعات المسلحة في الجزائر، إلى الاستجابة إلى نداء رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة بضرورة إلقاء السلاح، كما عبر عن رغبته أن يمثل دور "المصالحة"، مهدداً التيار الجهادي بقوله: "لن تجدوا عالماً يعتد بعلمه وفضله يفتي لكم بمشروعية موقفكم، وبخاصّة بعد صدور العفو". وقد انتقدت الجماعات المسلحة بيان محمد سرور كما ورد في مجلة "الجماعة" العدد الثاني: ديسمبر 2004 – ذو القعدة 1425هـ، معتبرة إياه خطوة تاريخيّة مهمّة للتحالف مع طواغيت الردّة ضدّ المجاهدين، كما وصفته بـ"شيخ المخبرين" بناء على فتوى له في مجلة "السُّنة"، دعا فيها إلى جواز الوشاية بالعمليات الانتحارية درءاً للفساد.
لاشك أن فكر محمد بن سرور كان هو المهيمن في السعودية منذ منتصف الثمانينيات وحتى هذه اللحظة، إذا ما قارناه بالجماعات الإسلامية الأخرى، كجماعة "الإخوان" التي ترى نجاح التيار "السروري"، طبقاً لعمر العزي في مقاله عن غياب "الإخوان" في السعودية، حيث يرى صعوبة الانسلاخ الكلي من العباءة السلفية، والتي تغطي معظم الشعب السعودي، فكان ظهور تيار إسلامي حركي في مجتمع ملتزم بالمنهج السلفي، فيه نوع من الاستهجان وعدم القبول المباشر. فالتيار "السروري" من وجهة نظر العزي يحاول الجمع بين عباءة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبين "بنطال" سيد قطب.


*خلاصة بحث يوسف الديني 'مؤسس السرورية'، ضمن الكتاب 1 (يناير 2007) 'السرورية'' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى