قطار الحجاز
أعبر يومياً سكة القطار… قطار الحجاز في دمشق الذي أنشأه السلطان العثماني لنقل الأغنام والغنائم وجنود الحرب، وموظفي الأستانة. هو القطار المتوقف الآن داخل سور المحطة الكالحة الحجارة، هو القطار الذي نقل الجنود المهزومين، والضباط المتنكرين بأزياء الفلاحين، من قناة السويس إلى دمشق، ومنها إلى اسطنبول. وربما كان هو القطار الوحيد الذي نجا من قطاع الطرق،ومن قصف الطائرات، وممن كتبت لهم النجاة عدد من الضباط العثمانيين، كانوا يدفنون صناديق الذهب على جانبي الطريق، لكي يعودوا الى هذه المقابر الصغيرة من المعادن الثمينة المسروقة من مصر والحجاز والأردن وفلسطين. إذ يأملون نهاية للحرب وعودة الى هذه البلاد.
بعد أن انتهت الحرب، وعاد من عاد ومات من مات… جاء الكثيرون إلى محطة الحجاز المهجورة، يفتشون في خبايا وثنايا المقطورات المصطفة، والصدئة، وفي أنقاض الصناديق والمقاعد عن احتمالات مخابىء الذهب. ثم انطلقت مجموعات اخرى إلى الطريق الموازي لسكة القطار حتى حدود الأردن، وصولاً إلى مصر ومعهم معاول الحفر، وخرائط المكان الذي خبأوا فيه الذهب. مات من هؤلاء الكثيرون واستوطن عدد كبير منهم في دمشق، وإلى اليوم، يذهب أحفاد أحفاد هؤلاء إلى الطريق الحجازي ومعهم خريطة تالفة، في محاولة كأنه وراثة نفسية، للعثور على مقابر ومستوطنات ذهب الأجداد.
في السنوات الأخيرة، ما قبل الحرب في – وعلى سورية، خطرت فكرة برأس ما أن يتحول هذا القطار الأخير، المتوقف منذ العام 1917، نهاية الحرب العالمية الاولى ، وسقوط الدولة العثمانية… إلى مقهى. المقاعد هي هي، بعد إعادة تأهيلها، والمقصورات هي أيضاً، والنوافذ، وصار اسمه غير المعلن “مقهى قطار العشاق السريع” فالمكان مناسب، كما في رحلات القطارات لاختلاس القبل، وتدخين النراجيل، ولعب الورق… وأصبح هذا المقهى مطروقاً إلى أن جاءت الحرب…
الحرب سيدة الخراب… هي التي تدمر الفكرة والصخرة، الحرب وظيفتها تخريب سياق الحياة. واختراع المصائر المزورة.وتغيير فاتورة الزمن.
الحرب بدت علاماتها على قطار الحجاز الذي عاد إلى وحدته وغباره وصدئه. لكن ثمة “أحد ما” ايضا فتح قاعة المحطة الداخلية لزوار جدد. فتحولت القاعة الرئيسية ، في مبنى المحطة ، إلى معرض دائم للكتب.
ومن بين هذه الكتب قصة “قطار الحجاز …شابّا” !