قناة السويس.. أولى ضحايا الاتفاقيات الخليجيّة – الإسرائيليّة؟
بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركيّة، أُثيرت عدة تساؤلات مؤخراً عن جدوى توسعة قناة السويس، والتي تم إكمالها في نهاية العام 2015، بعد أن كلّفت الاقتصاد المصري مليارات الدولارات.
حينها، قال الرئيس السابق لهيئة قناة السويس إنَّ التوسعة ستزيد أكثر من ضعف الإيرادات من القناة، من حوالى 5 مليارات دولار سنوياً إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول العام 2023، مع عائد هائل على الاستثمار وعدت به الحكومة المصريَّة، لكن القناة عملياً لم تحقّق أي زيادة في الإيرادات، وأصبحت الآن واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، إذ تعطلت حركة 300 سفينة على الأقل إلى جانبيها، ويواجه الشاحنون وشركات التأمين خسائر بمليارات الدولارات، بعد حادثة جنوح إحدى أكبر سفن الشحن في وسط مجراها.
لا يمكن أن تكون إشارة الصّحيفة الأميركيّة “وول ستريت جورنال” بعيدة من توجّهات أميركيّة أو صهيونيّة مخفية تحاول الترويج لما يدور من مخطّطات تتعلّق بتقدم فكرة الاستغناء عن قناة السويس، من ضمن ما يُحاك في بنود وإغراءات مشاريع التّطبيع بين دول عربية خليجية و”إسرائيل”، فكيف يمكن فهم ما قد تتعرَّض له مصر من استهداف كارثي يصيب أمنها القوميّ والاقتصاديّ في الصّميم، من خلال الاستغناء عن قناة السويس كممرّ شبه وحيد بين الشّرق والغرب؟
بالعودة إلى حادثة السفينة التي جنحت في قناة السويس، فقد فتحت هذه الحادثة الاستثنائية الأنظار، وبقوة، نحو خطورة وحساسية الاعتماد عليها بشكل أساسيّ في نقل النفط والبضائع بين الشرق والغرب، إذ إنَّ أية حادثة مماثلة، لأسباب تقنية – فنية أو جغرافية مرتبطة بالمد والجزر أو ما شابه، أو إذا كانت نتيجة عمل إرهابي أو تخريبي في القناة، وهو ما لم ولن يكون مطلقاً مستبعداً، نظراً إلى موقعها القريب إلى حدّ ما من سيناء غير المتوازنة أمنياً، ستؤثر في التجارة العالمية سلباً حتماً بشكل واسع. ومن جهة أخرى، وهي الأهم، إنَّ أي توقف للقناة يقتل أمن مصر القومي والاجتماعي والاقتصادي.
بعد توقيع الاتفاق الأخير بين “إسرائيل” والإمارات، طرح وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال زيارته مؤخراً إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي مبادرة لربط السعودية والخليج، مروراً بالأردن، بخط السّكك الحديدية الإسرائيلية، وصولاً إلى حيفا، وفق ما بيَّنت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لخارجية الاحتلال، والتي كشفت أنَّ المبادرة “تتمخّض عن طرق تجارة إقليميَّة أقصر وأرخص وأكثر أماناً، من شأنها دعم اقتصادات الدّول الخليجيّة أو العربيّة الأخرى، والتي ستكون سباقة لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع إسرائيل”.
طبعاً، هذا الخطّ البري بين الخليج وفلسطين المحتلّة، والذي سيكون مركَّباً من خطوط سكك حديدية وطرق برية سريعة، هو في أساس أهداف الاتفاقيات الخليجية – الإسرائيلية، ويعد نقطة ارتكاز رئيسية لمشروع التطبيع أو ما يُسمى “صفقة القرن”، ففي انطلاقه تحديداً من مدينة دبي الإماراتية، وامتداداً عبر السعودية، فالأردن، ففلسطين المحتلة، وصولاً إلى ميناء حيفا، سيكون قاضياً على قناة السويس، والمسبّب الرئيس لإمكانية الاستغناء عنها، إذا لم يكن بشكل كامل، إنما بشكل جزئي، ولن تكون تداعياته الكارثية على مصر سهلة. من هنا، تظهر أول إشارة إلى عدم وجود مصلحة بتاتاً لمصر في المضي باتفاقيّات التطبيع الخليجية الإسرائيلية.
النّقطة الأخرى التي بدأت تظهر تداعياتها السلبية على مصر أيضاً، هي خسارة الأخيرة جزيرتي تيران وصنافير – بغض النظر عن التبرير المصري – ومنحهما للمملكة العربية السعودية. ويبدو اليوم أكثر وضوحاً سبب الإلحاح السعودي حينها حول إنهاء الموضوع بسرعة.
هذه التداعيات ستكون مؤثرة بشكل سلبي جداً في أمن مصر القومي، بعد اعتماد السعودية الجزيرتين اللتين تشكلان نقطة ربط بحرية برية بين البحر الأحمر وميناء حيفا عبر خليج العقبة، فالأراضي الأردنية، ففلسطين المحتلة، وهو المسار الذي يشكل طريقاً مختصراً لنقل النفط السعودي إلى شرق المتوسط، بعد تجاوز قناة السويس، فتكون مصر بذلك، من حيث تدري أو لا تدري، بقناعتها أو رغماً عنها، ومن خلال دعمها للاتفاقيات الخليجية – الإسرائيلية من جهة، ومن خلال تخلّيها عن تيران وصنافير للسعودية من جهة أخرى، ساهمت في استهداف أمنها القومي.
دائماً ما كانت مصر بوّابة استراتيجيَّة للسّلام والأمن في الشرق. ولم يأتِ لقب مصر “أم الدنيا” أساساً من العدم، ولم يكن مجرّد لفتة إعلامية أو سياسية مجرّدة من أيّ دلالات مركزية أو أبعاد استراتيجية بالغة الأهمّية، بل جاء تعبيراً، وفي فترة ليست بعيدة في التاريخ العربي، عن القيمة الواقعية لدور مصر ووزنها كدولة فاعلة في المحيط العربي والإسلامي في الشرق الأوسط، وفي القارّة الأفريقية، ودول آسيا القريبة، امتداداً إلى المحيط الدولي، وذلك من النواحي الفكرية والسياسية والأمنية وغيرها، إذ كانت مرجعاً محورياً للعرب في الثقافة والفنون والقضاء والدراسات العلمية والأدبية وغيرها. كما جاء أيضاً تعبيراً عن دورها الريادي سابقاً في ضبط التضامن العربي وصيانته. والأهم أن دورها التاريخي كان محورياً في تثبيت التوازن داخل المجتمع العربي.
في الواقع، كيف يمكن للأشقّاء العرب الخليجيين خيانة مصر بهذه الطريقة، وهي التي تحتاج إلى قناة السويس بشكل كبير؟ لطالما كانت القناة أحد أهم مصادرها المالية التي لا يمكنها الاستغناء عنها، في الوقت الذي تعمد هذه الدول الشقيقة (الدول الخليجية)، والتي تملك أموالاً ضخمة ومصادر تمويل كبيرة من ثروات النفط، إلى الانخراط في اتفاقيات إقليمية خارج مسار المصلحة العربية والإسلامية القومية، تعد إحدى نتائجها حرمان مصر من أحد مواردها الضرورية.
ألا يعني شيئاً لهذه الدّول المطبعة أنَّ مصر دولة فقيرة ومحتاجة تتراكم عليها الديون بشكل كبير؟ هل تنتبه هذه الدول المطبّعة إلى ما تشهده مصر من كوارث متلاحقة في انهيارات المباني السكنيّة المكتظّة، وفي حوادث القطارات التي أصبحت غير صالحة للنقل، بسبب حاجتها الماسة إلى تبديل أو إلى صيانة دورية تعجز الدولة المصرية عن تنفيذها لأسباب مالية؟ أهكذا تفهم هذه الدول الشقيقة معنى الأخوّة والتضامن العربي، من خلال الجري وراء اتفاقيات تطبيعيّة انهزاميّة مع العدو الصّهيونيّ؟