كارثة بيروت تفتح العيون على ( الحرب الخفية)
لا أحد يستطيع أن يخبرنا بشكل جازم كيف حصل إنفجار مستودع الأمونيا في مرفأ بيروت ؟؟ أي أنه إنفجار غامض حتى الآن. في البداية قالت مصادر الجيش اللبناني أنه إنفجار مستودع مفرقعات. ثم جاء مدير الأمن العام إلى موقع الإنفجار وأعتبر أن خبر المفرقعات يثير السخرية، مؤكداً أن مواداً شديدة الإنفجار كانت صودرت منذ سنةهي ما أنفجر. ثم أفاد الصحفي علي حمادة، أنه تابع الإنفجار من مبنى النهار المطل على المرفأ، حيث سمع هديراً لطائرات ثم إنفجار أول و مع هروبه مع زملائه للداخل حدث الإنفجار الثاني الضخم. و بهذه الإشارة، أيد حمادة، ما قدمه الخبير العسكري رياض قهوجي من تحليل يرى أن صاروخاً أصاب المستودع وفجره بهذه الطريقة، وأن إسرائيل أرسلت بذلك رسالة إلى لبنان عامة و إلى حزب الله خاصة حول حجم ردها إذا قام حزب الله بأي عملية إنتقامية ضد إسرائيل بسبب إستشهاد أحد عناصره في سورية. وفسر القهوجي تصريح وزير خارجية إسرائيل، بأن بلاده لا علاقة لها بالإنفجار، بأنه جاء بعد خبر مصدر لبناني أن الإنفجار سببه المفرقعات. وإذا كان لبنان لا يريد أن يتهم إسرائيل فالفرصة مناسبة أن تنسحب إسرائيل إلى الخلف عبر تصريح وزير خارجيتها. ثم جاء ترامب ليقول أنه إنفجار رهيب سببه قنبلة. ورد عليه ضباط من البنتاغون بأن ما قاله ترامب غير صجيح.. وما حصل مع ترامب يلخص كل ما يحصل حول تفسير الإنفجار. عمل عسكري إسرائيلي. ليس عملاً عسكرياً. إنفجار حصل، لكن لا نعرف كيف ومن تسبب به. إنه إنجار غامض. صحيح دمر نصف بيروت. لكنه مازال ملفعاً بالغموض.
صفة الغموض باتت كثيرة الإستعمال في وصف أحداث كثيرة في الفترة الأخيرة. من حرائق و إنفجارات مواقع إيرانية، قيل أنها غامضة، إلى قصف جوي لمواقع في سورية، وضع الفاعل في خانة الغموض بالقول أن الطائرات التي قامت بها مجهولة الهوية. ويأتي إنفجار بيروت الكارثي ليجعلنا ننتبه إلى جوهر ما يجري في منطقتن ويفتح العيون على حقيقة الحرب التي تستهدفنا… بالمنطقة.
يبدو أن هناك قوى إقليمية و دولية تستهدف المنطقة، وخاصة سورية ولبنان والعراق وإيران، بحرب يمكن تسميتها ( الحرب الغامضة) وهي إستراتيجية تستبعد تجشم عناء الحروب العارية الواضحة، وتحقيق إصابات و دمار و كسر بالمنطقة دون إعلان أو الظهور بمظهر الفاعل، و ( إستراتيجية الحرب الغامضة) تجمع حروب عديدة متنوعة مثل حرب الإستخبارات، و حرب سيبرانية، و حرب عصابات، و حرب طائرات مسيرة، و حرب صواريخ، وحرب جوية، وحرب إعلامية، وحرب سياسية، وحرب عقوبات و بجمع كل هذه الأنواع من الحروب في حرب واحدة تقوم على تجهيل الفاعل نحصل على ما يمكن أن نسميه ( إستراتيجية الحرب الغامضة) وهي الحرب التي تقصف أو تفجر أو تدمر أو تحرق أو … أو … دون معرفة الفاعل و دون إمتداد الحرب و توسعها، و دون الرد عليها من قبل المتضرر أيضاً.
إن الغموض يجعل من هذه الحرب حرباً خبيثة توقع الضرر دون أن تتيح فرصة للمقاومة او الرد عليها. بل كل ما يمكن أن يحدث بعد كل معركة غامضة، وهو ما يجري حول إنفجار بيروت، الدوران في دائرة مفرغة حول الفاعل… ولكن، من يستطيع القيام بمثل هذه الحروب الغامضة؟؟؟ ليس هناك من يمكن أن يقوم بمثل هذه الحرب غير أميركا ومن ثم إسرائيل، و إذا دققنا بمن يعادي المواقع المستهدفة بهذه الحرب من إيران إلى سورية إلى لبنان يتضح بشكل مؤكد أن كل الحروب الغامضة التي حدثت وتحدث في المنطقة، أساسها أميركا والمسارعة إليها إسرائيل.
إن كانت ( الحرب الغامضة) التي نكبت عاصمة مرموقة مثل بيروت، و تستهدف مواقع سورية و إيرانية غاية في الأهمية، وإذا كانت هذه الحرب خبيثة إلى هذا الحد، فلا بد من اليقظة تجاه هذا الإسلوب من الحرب الغادرة، والشيطانية، والغامضة. ولا بد من العمل على توفير كل ما يلزم لكشف واستباق هذه الحرب الغادرة. كما أنه لا بد من توحيد الجهود واعتماد ما هو مناسب لمواجهة مثل هذا الخبث في العدوان و الحرب ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) . والمناسب في التصدي للحرب الغامضة لا يكون إلا بالعمل والعقل والمتابعة واليقظة والتوحد والتعاون… لأنه بدون ذلك سنظل نردح و نتبادل الردح عند كل ضربة من ضربات هذه الحرب الغامضة الخبيثة…. و كل ردح نردحه تجاه بعضنا يعمق من غموض و خبث ما نتعرض له من عدوان يدمر مفاصل في قوتنا.. و يدفعنا نحو الإنهيار أكثر فأكثر فأكثر …..!!
باب الشرق