كان يا ما كان

 

يحكى أنه كان في قديم الأزمان مدنية إسمها دمشق تقع في جنوب ما كان يسمى “سوريا” يشرف عليها من الشمال جبل عريق إسمه ” قاسيون” و يجري في أرضها نهر إسمه “بردى” و تحيط بها من الشرق و الغرب و الجنوب البساتين المثمرة باسم ” الغوطة”.

كانت هذه المدنية أشبه بالجنة و هذا ما كان يغري القوافل التجارية الأتية من كل الجهات أن تتعمد التوجه نحو دمشق كي تنعم في ظلال أشجارها ومياهها بالإستراحة التي كانت تطول أحيانا إلى درجة إقناع المسافرين بالبقاء في ذلك الفردوس الأرضي مما ساعد على زيادة عدد السكان و إقناع الجميع بأن أفضل ما يمكن تحقيقه في تلك المدينة هو جعلها واحه حرة و موطناً  للتعارف البشري و التقدم الحضاري و هكذا غدت دمشق العاصمة الأغنى و الأكرم بين عواصم المنطقة …

ظلت دمشق على هذه السمعة قرونا إلى أن طمع الغزاة الذين نهبوا ثرواتها و أبادوا الكثير من مرافقها السخية بالعطاء إلى أن حلت العصور الحديثة ففقدت مع تغلب أنظمة الطغيان على حكمها الكثير من مزاياها الخصبة وعلى الأخص حين تعرضت المدينة لهجوم سكان الأرياف الفقيرة حتى غدت المدينة عاجزة عن إيواء أهلها و تقديم خدمات المدينة الراقية لهم .

هكذا تحول نهر بردى من إرواء الأرض إلى سقيا البشر المتزايدين ففقد مع الزمن طاقة المياه الكافية حتى جفت مجاريه في فروعه المختلفة و تحولت إلى خزانات للنفايات ، و إذا بالغوطة التي تعرضت للسطو و الصراع المسلح و ندرة الماء الواصل إليها تتحول إلى مغارات خاوية و إذا بنظام الحكم يتحول مع الزمن إلى إرهاب متواصل بين السلطات العسكرية المتصارعة على الحكم مما دفع الكثير من سكانها إلى الهجرة بعيدا عن بلدهم الذي بات يترنح ضعفا من وفرة الأمراض التي نزلت به.

و هكذا مع تفاقم الأحوال اقتصاديا و إجتماعيا جنحت هذه المدينة إلى الخراب الشامل سنة بعد أخرى و قرنا بعد آخر إلى أن أودت بها الكوارث التي يصنعها الإنسان بأخيه الإنسان .

هذا ما قالته لي الأثار المتبقية من المدينة التي كانت ذات يوم أجمل و أقدم مدينة على وجه الأرض ثم غدت أطلالا زال منها الكثير و لم يبق منها سوى مأذنة واحدة من مآذن المسجد الأموي الشهير ، و صليب حجري لكنيسة كانت من أضخم و أروع كنائس الشرق الأوسط و بضع شجيرات يابسة في الغوطة.

هذا كل ما تبقى من تلك المدينة العظيمة المسماة ” دمشق ” في كتب التاريخ القديم !!…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى