كتاب للمناقشة: إعادة التفكير في ثورات الربيع العربي بعد خمس سنوات
Marc Lynch, “The New Arab Wars: Uprisings and Anarchy in the Middle East”, (New York: Public Affairs, 2016).
استهل مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، مقدمة كتابه “الحروب العربية الجديدة: الانتفاضات والفوضى في الشرق الأوسط” بومضات من الثورة الليبية، عادّا إياها نقطة تحول في مسار الثورات العربية من انتفاضات داخلية إلى حروب إقليمية بالوكالة، فقد كشفت تلك الحرب عن التداعيات العنيفة، جراء السعي إلى التغيير الديمقراطي، بما في ذلك التدخلات الخارجية، والحروب الأهلية.
من خلال عدد من المقالات والمقابلات مع مسئولين من إدارة الرئيس باراك أوباما، كان الكاتب قد عبّر عن موقفه من التدخل الأمريكي في الشأن الليبي، مؤكدا ضرورة التدخل لدعم وحماية الليبيين المدنيين من عنف الدولة المتزايد، ودعم مسار الثورات العربية.
ولكن مع فشل التدخل، اضطر الكاتب لإعادة النظر في العديد من الحجج الأمريكية المؤيدة للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط.
من هنا، يتمثل أحد دوافع الكاتب من وراء مؤلفه في إعادة التفكير في تحليله الأولي، ليس فقط تجاه الثورة الليبية، ولكن تجاه الربيع العربي ككل. ففي مؤلفه “فهم الانتفاضات العربية: السياسات الجدلية الجديدة في الشرق الأوسط”، الصادر في عام 2014، جادل الكاتب بأن الحكم على نتائج التدخل في ليبيا، وعلى عملية التغيير في المنطقة بأسرها، لا يزال صعبا، محذرا من أن شكل النظام الجديد لا يمكن ضمانه بأي حال. فالانتفاضات العربية، وإن أثبتت قدرتها على تغيير الوضع القائم، فإنها عجزت عن تقديم بديل مرض لذلك الوضع. وبالمقارنة بمؤلفات الكاتب الأخرى، يقدم الكتاب رؤية للانتفاضات العربية من منظور إقليمي، رابطا بين المعارك السياسية المحلية المتعددة والمعقدة من جانب، والإطار السياسي الأوسع الذي تنتمي إليه من جانب آخر.
الحروب العربية الجديدة:
يجادل الكاتب بأن منطقة الشرق الأوسط قلما شهدت التقاء عدد متزايد من التدخلات الخارجية، والحروب الأهلية والدولية على النحو الذي شهدته منذ اندلاع الانتفاضات العربية، سواء في حالات سوريا، أو اليمن، أو ليبيا. وعلى إثرها، شهدت المنطقة سياسات إقليمية جديدة عبر قومية، تتنافس في إطارها الدول، والفاعلون من غير الدول، سياسيا وعسكريا.
وعقب خمس سنوات على الثورات العربية، يري “لينش” أن المنطقة تبدو في حالة سقوط حر، بعد أن انتهى التحول الديمقراطي في مصر، وسقطت سوريا، وليبيا، واليمن في براثن الحرب الأهلية، ولاقي ملايين اللاجئين ظروفا قاسية، وأحكم تنظيم “داعش” قبضته على سوريا والعراق. ومن ثم، لم تكن المحصلة نشر الديمقراطية، بل التدخلات الإقليمية، والحروب الأهلية، والقمع المتصاعد. ولكن ذلك لا يعني فشل الربيع العربي، أو أن العرب غير مستعدين للديمقراطية، أو أنه من الممكن تفسير الربيع العربي على ضوء المؤامرة، أو العوامل الخارجية، أو إنكار أهمية السياق الوطني. فجميع تداعيات الانتفاضات العربية من أنظمة أوتوقراطية قمعية، وتدخلات عسكرية لم تكن متوقعة أو مأمولة، والحرب الأهلية ستنتهي في الأخير.
النظام الإقليمي على شفا الانتفاضة:
اندلعت الثورات العربية التي بدأت في تونس في لحظة فارقة من التاريخ الإقليمي، انحصرت فيها السياسات الإقليمية بين كتلة متشددة تقودها إيران، وأخرى معتدلة. وقد خاضت كلتاهما حروبا بالوكالة في ساحات عديدة، بما في ذلك العراق، واليمن وفلسطين.
وعقب الثورات، أعيدت صياغة جميع المعارك والسياسات الإقليمية، على نحو تحدي الموقف الأمريكي بطرق عديدة، وفضح التناقض بين السياسات الأمريكية، والقيود على قدرتها، فضلا عن صورة الأنظمة العربية التي تمكن الحراك الشعبي من أن يعصف بها.
فعقب الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، عانت الولايات المتحدة حربا ضد الإرهاب، وأزمة مالية عالمية. وعليه، استخدم أوباما سياسة برجماتية، ورغب في الحد من الوجود الأمريكي المتزايد في الشرق الأوسط لتوجيه مزيد من الاهتمام إلى آسيا، فكان التفاوض مع إيران الخيار الاستراتيجي الأول لأوباما. ذلك أن الوصول لنقطة اللاعودة كان سيجبر إسرائيل والولايات المتحدة على شن ضربات عسكرية على إيران، على نحو قد يدمر المنطقة بأسرها.
وقد أغفل الكاتب التداعيات السلبية للاتفاق مع إيران على المستوى الإقليمي، بعدّه المستوى التحليلي الذي انطلق منه. فمن المتوقع أن ينعكس التقارب الأمريكي – الإيراني على توازنات القوي في المنطقة، فضلا عن السياسات الإقليمية التي دفعت الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة إلى توسيع مساحة ما يتاح لهم من خيارات، والتحرك صوب قوى دولية أخرى، في مقدمتها روسيا والصين، على حساب علاقاتها الوطيدة بالولايات المتحدة.
الحروب العربية الجديدة:
تغير ميزان القوى في المنطقة بشكل درامي على خلفية الانتفاضات العربية. فقد فقدت الدول القائدة مكانتها في النظام الإقليمي، وغرقت في صراعاتها الداخلية، وعانت هشاشة الاقتصاد. فقد اعتمدت مصر على مساعدات دول الخليج، وغابت سوريا والعراق عن القلب العربي، عقب سنوات من الحرب الأهلية، وفشل الدولة. ومع إضعاف الدول الرئيسية فتحت الأبواب أمام سياسات إقليمية جديدة من الحروب بالوكالة، والتدخلات التنافسية، على نحو عصف بآمال التغيير الديمقراطي.
يقع اللوم الرئيسي في فشل الانتفاضات العربية على القوى الإقليمية التي تستغلها لمصلحتها، حيث خشيت الدول العربية من بعضها بعضا كما كانت تخشى من إيران. فأخذت القوي الإقليمية أشكالا وديناميكيات جديدة في السنوات التي أعقبت الانتفاضات العربية.
أجمل مارك لينش عددا من الصراعات التي اجتاحت المنطقة، عقب الانتفاضة العربية، والتي تتمثل في الصراع المذهبي، ومعركة قيادة العالم العربي – السني، والصراع بين ما تطرحه الحركات الإسلامية المعتدلة والتنظيمات المتطرفة العنيفة، مثل تنظيمي القاعدة، و”الدولة الإسلامية”، وأخيرا المواجهة بين الأنظمة الأوتوقراطية، والقوي الثورية.
وتحتاج الأطروحة السابقة لكثير من المراجعة. فحتى لو سلمنا بفشل الثورات العربية، فمن الصعوبة بمكان إرجاع ذلك الفشل إلى عامل بعينه، بما في ذلك السياسات الإقليمية. كما أوضح المؤلف في مواضع أخرى من كتابه أن الثورات العربية لم تفشل، وإنما هي سجل مختلط من النجاح والفشل.
وعلى صعيد آخر، يمكن القول إن كثيرا من الصراعات التي أجملها “لينش” سابقة على اندلاع الثورات العربية، مثل الصراع المذهبي، الذي تعود جذوره إلى الثورة الإيرانية، على نحو أدى، من الناحية العملية، إلى ظهور نوع أشبه بسباق تسلح من أجل بسط النفوذ.
وعلى صعيد ثالث، لا يمكن إجمال صراعات المنطقة في الصراعات الأربعة السابقة. فمن غير الممكن إغفال صراعات الهوية العرقية، والعشائرية، والدينية، والطائفية، بعد أن عانت الأقليات هيمنة الأغلبية، وقد كافحت بعضها -ولا يزال- من أجل الحفاظ على حقوقها في لبنان، والعراق، وإيران، واليمن، فضلا عن الصراعات السياسية بين الأنظمة، والتي غالبا ما تتجاوز المواجهة بين السنة والشيعة، وغيرها.
التدخل والعسكرة:
فتح التدخل العسكري في ليبيا الباب للحروب بالوكالة، على نحو يؤثر في هيكل المنطقة بأسرها. فقد مثلت الثورة الليبية تحديا أمام الدول العربية الأخرى، بعد أن أثارت إمكانية استخدام القوة العسكرية، بل والتدخلات الخارجية الدولية. ولم تكن الدول العربية الأخرى، بما في ذلك تونس، ومصر، واليمن، بمعزل عن التأثيرات الإقليمية، والتدخلات الخارجية على نحو قاد مسارها التحولي للأسوأ.
لم تضع الدول الإقليمية تونس على قمة أولوياتها. ورغم بعدها عن قلب السياسات الإقليمية فإنها لم تنج من تداعيات التنافس الإقليمي. وتحولت مصر من منافس محتمل على القيادة الإقليمية إلى جائزة للنضال الإقليمي، على نحو يغير موازين القوى في المنطقة.
و لا يمكن عدّ ما أسفرت عنه الانتفاضة اليمنية “نقلة ديمقراطية”، ولكنها محاولة للحفاظ على النظام بطريقة أو بأخرى. ومن ثم، يمكن عدّ نموذج اليمن طريقة للاستجابة للمطالب الشعبية دون الاستسلام لمخاطر فشل الدولة أو الفوضي.
أما الحالة السورية، فتعد حالة فريدة من نوعها، ولكنها تظل جزءا لا يتجزأ من الانتفاضات العربية. إذ تأثر الثوار السوريون بكل من مصر وتونس، وتأثر مسار الأحداث بالحرب الليبية، والتدخلات التنافسية من قبل القوى الإقليمية. فقبل الانتفاضة، كانت سوريا الحليف العربي الوحيد لإيران، كما كانت دمشق لاعبا رئيسيا في المنطقة. ولكن مع اتساع نطاق العنف، وتزايد حدة الاحتجاجات، بدت سوريا هدفا وفرصة للبعض، ومصدرا للكارثة الإنسانية للبعض الآخر. فقد أدى القمع الوحشي إلى اثارة جدل حاد وصعب حول مفهوم المقاومة السورية. فقد بنيت السياسة الخارجية، والهوية الوطنية السورية -لعقود عديدة مضت- على مفهوم المقاومة، واقتراب المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن صار محتما على القوى الشعبية العربية أن توازن بين الموقف الشعبي المقاوم لإسرائيل، والقمع العنيف لانتفاضة سوريا الشعبية.
يتجلى في الانتفاضة السورية موازين القوي الإقليمية، على اختلاف مصالح كل دولة ودوافعها. غير أن التأثير الأكبر لسوريا لا يظهر في الأردن، أو لبنان رغم ارتفاع أعداد اللاجئين، ولكن في العراق. فاستيلاء تنظيم “داعش” على الموصل، وإعلان الخلافة الإسلامية غيرا من سياسات الحرب السورية، والمنظور الدولي عن الانتفاضة العربية. فقد مثل صعود الدولة الإسلامية، والأوضاع السورية تحديا استراتيجيا للقوى الإقليمية التي تعاملت مع تداعيات ما بعد الانتفاضات العربية. بيد أن الخطر الأكبر لـ “داعش” لم يكن يتمثل في وجوده، أو نشأته، ولكن في تأثيره الإقليمي. فصعوده المتسارع في الإعلام أجبر كل الحركات الإسلامية الأخرى على الرد والاستجابة، إما بالاختلاف، أو التقليد، لكن لم يعد ممكنا تجاهله، وهو ما سيؤثر على مدى طويل في موقع الإسلام السياسي في المشهد الإقليمي.
وعليه، يتوقع الكاتب أن المنطقة لن تعود إلى سابق عهدها، خاصة أن الأنظمة العربية لم تبدأ بعد في التعامل مع أي مشكلة من المشكلات التي أسفرت عن الانتفاضات العربية، متوقعا استمرار الحروب في المنطقة، واستمرار تأثيرها على مدى عقود عديدة آتية. ولذا، لابد من التفكير في لماذا وكيف ساءت الأمور.
يقدم الكتاب رؤية مفادها أن الانتفاضات العربية لم تفشل، والأنظمة العربية لم تستقر، وليست هي الحل، والتدخل الأعنف عسكريا لم يكن لينقذ سوريا، وفشل “الإخوان المسلمين” لم يدعم الرؤى المعادية لهم، و”داعش” لا يمثل الإسلام الحقيقي، وتحدي الجهاد سيستمر لفترة طويلة عقب تدميره. ولكن على صعيد آخر، يجادل الجميع في أن الانتفاضات العربية فشلت، وأن الظروف التي قادت للاحتجاجات الشعبية لم تنته، بل على العكس تفاقمت.
فرصة الديمقراطية:
رغم ما تشهده الثورة السورية، لا تزال هناك شواهد في المنطقة على تحولات ديمقراطية. فقد شهدت تونس في 2011 انتخابات الجمعية التأسيسية. كما شهدت مصر انتخابات برلمانية، بعد ثورة 25 يناير، وإن هيمن عليها الإسلاميون. وأكدت الانتخابات الليبية لدول الخليج أن الإسلاميين لن يفوزوا دائما بالسلطة، خاصة عقب فوز “الإخوان المسلمين” في مصر، والنهضة في تونس. ونجحت الانتخابات المصرية عام 2012 في نقل السلطة سلميا، وإدماج الإسلاميين في العملية الديمقراطية. ووفقا لـ “لينش”، كان لإسقاط حكم محمد مرسي تأثيرات تجاوزت الحدود المصرية، وعكست إمكانية فشل الانتفاضات. ورغم ذيوع حجة أن الديمقراطية المصرية لم تكن لتنجح دون تدخل الجيش، أو أن الأخير لم يكن يملك خيارا إلا منع الدولة من الانهيار، فإنها ليست مقنعة، من وجهة نظر المؤلف. فكان ممكنا لمرسي الموافقة على انتخابات رئاسية مبكرة، لكنه أساء تقدير حجم الغضب الشعبي، وطبيعة النظام الإقليمي المتغير.
ويتضح جليا اهتمام “لينش” بالحالة المصرية، وانحيازه ضد ما حدث بعد “30 يونيو 2013”، حيث يركز على تداعياته السلبية على المنطقة العربية، دون أن يتطرق إلى تداعياته الإيجابية، أو اختلاف وجهات النظر بشأن كيفية توصيفه بين “الثورة”، و”الانقلاب”، و”التغيير” … إلخ، ودون أن يشير إلى التداعيات المحتملة لسيناريو استمرار “الإخوان المسلمين” في الحكم، وتداعيات ذلك مصريا وعربيا، أو حتى التداعيات الإقليمية لكثير من ثورات الربيع العربي الأخري، بما في ذلك الثورة السورية.
الهجوم على الأوتوقراط:
تعدّ الفترة من 2012 حتى النصف الأول من 2013 مرحلة تحول الانتفاضات العربية عن مسارها، عقب تسليح المعارضة السورية، وانهيار التحول الليبي، وتحوله إلى صراع مفتوح بين الميليشيات المسلحة، والصدام العنيف بين المحتجين السنة العراقيين مع حكومة المالكي، واقتراب إسرائيل من شن هجوم عسكري فردي على إيران.
ويعود “لينش” للحديث عن تداعيات “الثلاثين من يونيو”، واصفا إياه بالحدث المدوي في السياسات الإقليمية لما له من تداعيات جمة. فقد دفع مناخ الاستقطاب السياسي بمنظمات المجتمع المدني التونسية إلى التوافق بشأن المستقبل، مشجعا حزب النهضة الحاكم على تجنب فشل مماثل في عملية التحول. لكنها سرعان ما شهدت – على شاكلة مصر – استقطابا سياسيا بين الإسلاميين وخصومهم – رغم الفارق بين الحالتين – على نحو عمّق الإحساس بعدم الأمان والفشل الثوري.
كما ساعدت التحولات المصرية، وفقا للمؤلف، على سرعة انهيار ليبيا، وسقوطها في الحرب الأهلية، حتى تبدلت الصورة من شعوب تنتصر سلميا إلى صور دول عربية تتهاوى وتسقط في العنف. وعانت ليبيا مشاكل هيكلية عنيفة تعمقت على خلفية التطورات المصرية. ومع تزايد عنف الميليشيات، وعدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات بناءة ذات معنى، اتجهت ليبيا صوب المواجهات العسكرية التي خشيها الجميع، لكنه فشل في تجنبها.
وفي ظل تعقد المشهد العربي وضبابيته، قرر أوباما التركيز على المحادثات مع إيران كهدف واحد رئيسي يمكن تحقيقه، في محاولته لإدارة منطقة تتجه صوب الاتجاه الخاطئ. وبالفعل، يتفق تحليل “لينش” مع الملامح الرئيسية للاستراتيجية الأمريكية تجاه الإقليم، والتي تتمثل في تبني استراتيجية إعادة الهيكلة الأمريكية، بداية من استمرار التمسك بخيار عدم التورط عسكريا في المنطقة، والتركيز على التعامل مع أزمات الإقليم بانتقائية، وعدم تبني استراتيجية شاملة، وصولا لتغيير البيئة الاستراتيجية في الإقليم. وعلى أثرها، دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية مرحلة جديدة دشنت للشك في توجهات الإدارة الأمريكية، وإعادة صياغة التحالفات العربية مع القوى الدولية.
وختاما، يمكن القول إن الحروب العربية الجديدة ستصيغ شكل المنطقة لعقود عديدة قادمة، رغم ضبابية المشهد العربي الراهن، وغياب الأفق السياسي، في ظل تعدد الحروب العربية في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، وما يشنه “داعش” من هجمات إرهابية، وإعادة تأكيد قوة الدولة ضد التعبئة الشعبية، على نحو يخلق أشكالا جديدة أقل استقرارا. فكل الأسباب التي قادت للانتفاضات العربية لم تتم مواجهتها، بل على العكس ازدادت الأوضاع سوءا.
وقد خلّف بعض الأحداث التي شهدتها الأنظمة العربية حروبا ومآسي إنسانية، ونشر أشكالا جديدة من التطرف لم يخلقها المتظاهرون السلميون بنزولهم للشوارع، ولكنها نتاج الأنظمة السياسية، ولذلك هناك انفجارات ستأتي لاحقا، ولا عودة للاستقرار، من وجهة نظر المؤلف.
لقد كانت الانتفاضات العربية في 2011 تحديا لفشل النظام السياسي، وتضمنت معارك عدة، ربح المتظاهرون بعضا منها، وربحت الأنظمة بعضها الآخر. لكن في الحالة السورية، تعددت المعارك التي لم يربحها أحد. وفي ضوء تلك المعارك، يرى المؤلف أنه يظل محتما على الولايات المتحدة، في سبيل تعزيز نفوذها في المنطقة، أن تستثمر جهودها وسياساتها في الشعوب العربية الطامحة للديمقراطية، لا في الأنظمة العربية.
مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة.
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)