فن و ثقافة

كتاب مترجم يفتح وثائق التاريخ عن موضوع معاصر

عماد نداف

كيف أجهضت أول تجربة ديمقراطية للدولة السورية؟

 

أنجز الشاعر والمترجم السوري نضال بديع بغدادي ترجمة واحدٍ من أهم الكتب الجديدة التي تتناول موضوعاً معاصراً، من بوابة التاريخ، والكتاب سبق ونشرته إليزابيث ف. تومسون، ويعتبر أول كتاب يروي بالتفاصيل الدقيقة والموثقة إجهاض أول تجربة ديمقراطية لتشكيل الدولة السورية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية، مع ما رافق ذلك من أحداث إقليمية ودولية.

والكاتبة إليزابيث تومسون في المعهد السوري للدراسات الاستراتيجية، وحاصلة على دكتوراه من جامعة كولومبيا في التاريخ؛ وهي مؤرخة للحركات الاجتماعية والدستورية الليبرالية في الشرق الأوسط، مع التركيز على كيفية تأثير التدخل الأجنبي والقانون الدولي على العلاقات العرقية والجندرية.

ويستكشف الكتاب، وهو الثالث بعد كتابين آخرين عن العدالة المنقطعة، وعن الحقوق الجمهورية.

وتعود في بداية الكتاب إلى عام 1920 عندما أصدر المؤتمر السوري في الثامن من آذار إعلان الاستقلال باسم الشعوب الناطقة بالعربية التي تعيش في سوريا الكبرى، والتي تتألف اليوم من دول لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، وكان السوريون قد انضموا خلال الحرب العالمية الأولى إلى الحلفاء في القتال ضد الدولة العثمانية، ” وفي نهاية الحرب، تبنوا “المبادئ النبيلة التي وضعها الدكتور [وودرو] ويلسون بشأن الحرية للدول الكبرى والصغيرة على حد سواء، واستقلالها على أساس المساواة في الحقوق، والتخلي عن سياسات الغزو والاستعمار”.

وتقول الكاتبة إن العلماء والسياسيين يتذكرون نقاط ويلسون الأربعة عشر الشهيرة التي أعلنت أهداف الحرب العظمى، ولكن معظمهم نسوا الدور المحوري الذي لعبته سوريا في الجهود الرامية إلى تحقيق رؤية الرئيس الأميركي للنظام العالمي الجديد.”.

ويحاول الكتاب الإجابة على سؤال أساسي هو: كيف سرق الأوروبيون الديمقراطية العربية وطردوا سوريا من العالم المتحضر المزعوم، وتشير إلى أن المؤرخين في الآونة الأخيرة، بدأوا في استخدام الوثائق المكتوبة باللغة العربية لتكوين صورة أكثر دقة لهذه اللحظة السياسية في سوريا، ولكنهم ما زالوا يروون القصة باعتبارها قصة استشهاد وطني، وليس قصة إنكار الديمقراطية.

وتقول إليزابيث طومسون: “إن محو الماضي الديمقراطي لسوريا ينعكس في المشهد الختامي لفيلم لورنس العرب الذي أنتج عام 1962. فبعد أن غزا العرب دمشق، يظهر الفيلم المدينة وهي تذوب في الفوضى. والعرب، الذين يرتدون جميعاً الزي البدوي غير قادرين على تأسيس حكومة، بسبب انقسامهم القبلي وجهلهم الصريح”.

وتقوم الباحثة المذكورة في توثيق ما حصل بالفعل من خلال تجميع الوثائق والذكريات التي كانت متناثرة في كل مكان والمتعلقة بالخامس والعشرين من يوليو/تموز 1920، وهو اليوم الذي أجبر فيه جيش الاحتلال الفرنسي الزعماء السياسيين على الفرار من دمشق إلى المنفى في فلسطين والأردن ومصر وأوروبا. ولحسن الحظ، احتفظ العديد من الشهود بمذكراتهم معهم. كما نجت الصحف من التلف. وتم حفظ نسخ من المنشورات والخطابات والرسائل العربية في أرشيف وزارة الخارجية في كل من لندن وباريس وواشنطن العاصمة”

وقد أجرت قناة الجزيرة حواراً مع الكاتبة بينت فيه أن المؤلفة ترى في كتابها “أن الغرب استنكر مجهودات سوريا في تأسيس تجربة ديمقراطية ليبيرالية داخل المنطقة العربية. ويستكشف حوار الجزيرة نت مع المؤرخة إليزابيث ف. تومسون مضامين كتابها القيم، محاولا فهم دور رشيد رضا في تشكيل تجربة سوريا الديمقراطية، وكيف أجهض الغرب الاستعماري تجربة سوريا الديمقراطية الرائدة حينئذ..”.

يبدو هذا الكتاب وثيقة اندفع المترجم النشط نضال بغدادي إلى تقديمه في مرحلة مهمة من تاريخ المنطقة بشكل عام وسورية بشكل خاص، وقد سعى إلى تحقيق فرصة الإطلاع عليه لكل القراء من خلال نشره على حلقات في موقع بوابة الشرق الأوسط الجديدة، وهو بذلك يقدم عملا جليلا في توثيق التاريخ وإتاحة الفرصة أمام المحللين للبناء عليه في ضوء واقع صعب تمور فيه الصراعات مع الأنظمة الديكتاتورية التي دفعت البلاد إلى صراعات طائفية واثنية لا تنتهي.

والكتاب المترجم في هذه الحالة هو خطوة متقدمة على صعيد الترجمة الدقيقة، والموثقة التي يحتاجها الباحثون والسياسيون العرب على وجه التحديد.

موقع نينار برس

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى