“كفى مقاومة يا عرين الأسود”.. محافظ نابلس يُشعل أزمة ويفجر غضب الفلسطينيين بتصريحات صادمة..
فجر محافظ نابلس بالضفة الغربية المحتلة، إبراهيم رمضان، حالة من الجدل والغضب داخل الأوساط الفلسطينية بعد تصريحات “صادمة” أدلى بها لصحيفة أمريكية، حول مجموعات “عرين الأسود” التي دوخت بعملياتها النوعية والحاسمة أجهزة الأمن الإسرائيلية وأصابتها في مقتل، خلال شهور طويلة.
محافظ نابلس، عبر وبكل صراحة ودون أي خجل لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن انزعاجه من مواصلة مجموعات “عرين الأسود” مقاومتها للمحتل، ودفاعها عن الضفة ومخيماتها ومدنها من آلة البطش الإسرائيلية، الأمر الذي أشعل معه حالة من الغضب والسخط داخل الأوساط الفلسطينية، وكشف فعليًا عن الدور السلطة الفلسطينية في ملاحقة المقاومة وانزعاجها من كل من يقاوم هذا المحتل الغاصب.
وقال رمضان، إنه آن الأوان للتوجه بالقول لمجموعة (عرين الأسود)، التي تشتبك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكلٍ دوري منذ أشهر: “إن هذا يكفي”، وأضاف: “نعم نحن نحبهم ونؤيدهم؛ لكن علينا أن نقول لهم: إن هذا يكفي”.
تصريحات صادمة
محافظ ليس لأول مرة تثير تصريحات البلبلة والسخط داخل الأوساط الفلسطينية، فسبق تصريحاته عن “عرين الأسود”، ما قاله في أكتوبر من العام الماضي، عقب تصريحات أساء فيها لأمهات الشهداء ونال فيها من المقاومين وجدوى المقاومة المسلحة، ليكرر مواقف السلطة التي توصف شعبيًا بأنها “انهزامية”.
ففي تصريحات أدلى بها خلال لقاء إذاعي، وصف رمضان أمهات الشهداء اللواتي يرسلن أبناءهن لتنفيذ عمليات مسلحة بأنهن “شاذات”، بخلاف ما يوصفن به شعبيا بأنهن مناضلات.
في المقابل؛ سارعت حركة “فتح” في بيت لحم حينها لإصدار بيانٍ حذرت فيه من المساس بالمحافظ، مؤكدة وقوفها أمام “حملة التهديد والتخوين” التي يتعرض لها رمضان.
وليست تلك التصريحات هي الأخيرة فسبقها تصريحات أخرى مثيرة للجدل لمحافظ نابلس نفسه، فبينما كانت قوات الاحتلال تحاصر المقاومين إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح في البلدة القديمة في أغسطس الماضي، قال في حديث إذاعي: “لا أعتقد أنني محافظ، لمّا الآليات (الإسرائيلية) توصل باب مقري، ولما مجندة مومس توقفني على الحاجز، ولا يوجد تنسيق أمني، وأوسلو ماتت من 1000 سنة”.
وفي ديسمبر 2021، تفاخر رمضان بالاعتداء على المشيعين بجنازة الشهيد جميل الكيال وإطلاق قنابل الغاز، واصفًا ظهور مقاومين مسلحين في الجنازة بأنه “قمة الوقاحة”.
واتهم المسلحين بأنهم يهربون عند اقتحام قوات الاحتلال للمدينة، متسائلًا عن مبرر مشاركتهم بتشييع الشهداء.
وصفت الصحيفة الأمريكية مجموعات “عرين الأسود”، وخصوصًا في نابلس أنها “جاذبة” للشباب الفلسطيني الذي “خاب أمله من قيادته السياسية بالضفة الغربية”، وأن تلك المجموعات تفعل ما لا تفعله السلطة الفلسطينية وهو “محاربة إسرائيل”.
وجاء في تقريرٍ مطوّل لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن ظهور مجموعة عرين الأسود في الضفة نابعٌ من التأييد المتزايد من الفلسطينيين للمقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، فيما يتسع نطاق المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، عدا عن الهجمات التي يشنها المستوطنون ضد أهالي الضفة، وليس انتهاءً بـ”سلطة فلسطينية فاسدة وغير فعّالة”.
وقالت إن هذه المجموعات المسلحة -عرين الأسود- “محطّ إعجاب من أهالي نابلس؛ فصور أعضاء المجموعة معلقة في الميدان الرئيسي للمدينة وعلى واجهات المتاجر ونوافذ السيارات وحتى على خلفيات شاشات الهواتف النقالة، فيما تضجّ أناشيد العرين في المقاهي هناك”.
وبحسب الصحيفة، “يعكس هذا الدعم الاجتماعي لعرين الأسود كيف أن المسلحين أصبحوا بالنسبة للعديد من الأهالي، يفعلون ما لا تفعله السلطة الفلسطينية، وهو محاربة إسرائيل”.
وتنقل عن المسؤول المجتمعي في حركة فتح عميد المصري قوله إن “هذه المجموعات المقاتلة بلا أفق سياسي واضح، وهم يعانون من البطالة المرتفعة، عدا عن تزايد وتيرة الاستيطان وجرائم الاحتلال، لذا فإن تراكم كل ذلك دفعهم للقيام بشيءٍ مختلف وأن عليهم أخذ الأمور بأيديهم”.
وقال المصري: “إن بدء انتفاضةٍ ثالثة بحاجة إلى قرارٍ سياسي، وأن ذلك لم يُتخذ بعد، داعيًا الجنة المركزية لحركته لاتخاذ ذلك القرار”.
خطة القضاء على المقاومة
وفي هذا الصدد، وضمن هجوم السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” المستمر على المقاومة وتحديدًا مجموعات “عرين الأسود”، حذر مراقبون من خطة أمريكية – إسرائيلية تشارك فيها السلطة الفلسطينية لاستئصال المقاومة في الضفة، بافتعال حرب أهلية على غرار خطة الجنرال الأمريكي كيث دايتون عام 2006.
وعلى الرغم من مرور 17 عاما على خطة دايتون، والتي وضعت بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، إلا أنها ما زالت قائمة، مع تغير الأدوات والشخصيات والجغرافية، بحيث تنفذ اليوم على يد الجنرال الأمريكي مايك فينزل.
ويقول الكاتب والباحث الفلسطيني مصطفى اللداوي، إنه “قبل أن ينعتق الفلسطينيون من رقبة دايتون ولعنته، ويتخلصوا منه ومن تركته، طالعهم خلَفه الجديد مايك فينزل، المبعوث الأمريكي الجديد، الذي يحمل ذات الأفكار، ويسير مع السلطة الفلسطينية على ذات المنوال، يعد ويكذب، ويتعهد ويخلف، ويمنيهم ويورطهم، ويغرقهم أكثر في وحول التنسيق الأمني” على حد تعبيره.
وأضاف اللداوي، في تصريحات صحفية له، “يريد فينزل بالاتفاق مع الإسرائيليين والتنسيق معهم، خدمة مصالحهم وتحقيق مآربهم، وأن يبعث الحياة من جديد في الاتفاقيات السابقة.. رغم أن الشعب الفلسطيني كرهها وعافها، وعمل الكثير لوأدها وإبطالها والتخلي عنها وعدم الالتزام بها”.
واعتبر أن الشعب الفلسطيني “ما زال يعيش لعنة الضابط الأمريكي كيث دايتون، ويقاسي المر بسبب تفاهماته، ويعاني ويقاسي نتيجة السياسات التي فرضها، والاتفاقيات التي أبرمها، والقيود التي كبل بها سلطتهم وشل حركتها، وألزمها بالعمل وكيلةً لدى الاحتلال في جوانب كثيرة”.
وأضاف “يعلم (المبعوث الأمريكي الحالي مايك) فينزل يقيناً أن مهمته ليست سهلة كسلفه (كيث) دايتون، وأن الطريق أمامه غير معبدة، بل هي وعرة ومتعثرة، ومليئة بالفخاخ والعقبات، وأنه سيواجه تحدياتٍ شعبيةً صعبة ومقاومةً قاسيةً، فالزمان قد تغير، والأجيال قد تبدلت، والظروف قد اختلفت”.
وبحسب تقدير اللداوي فإن السلطة الفلسطينية “ستخضع وتقبل وتوافق، على مقترحات فينزل، وستلتزم بضوابطه ومحدداته.. فالسلطة في حالٍ لا يسمح لها بفرض شروطها، أو العناد، ورفض النصائح المقدمة”.
من جانبه شدد الخبير الأمني والاستراتيجي إبراهيم حبيب، على أن كافة الأطراف تعمل على استهداف المقاومة في الضفة الغربية من خلال خطة أمنية محكمة أعدت في اجتماع العقبة، مشيرًا إلى أن هذه الأطراف على علاقة بالسلطة الفلسطينية، ودولة الاحتلال، والإقليم، والولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدًا أن العقبات التي ستواجه الخطة الأمريكية لاستئصال المقاومة، تتمثل في أن “المقاومة باتت فردية بعيدة عن التنظيمات”.
وقال حبيب: “الخطة المطروحة الآن لاستئصال المقاومة كانت مطروحة لإسقاط حكم حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات عام ٢٠٠٦، وتمكّنها من تشكيل الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية”، محذرًا من افتعال السلطة للمشاكل الداخلية؛ للقضاء على المقاومة، وتحول المواجهة من مواجهة مع الاحتلال إلى مواجهة داخلية، مؤكداً صعوبة الواقع الجديد.
وأوضح قائلا إن “المشاكل الداخلية ستسوق للعالم على أن الفلسطينيين غير قادرين على إدارة أنفسهم، بل واحترابهم مع بعضهم البعض، والنتيجة مريحة لإسرائيل والإقليم وأمريكا” وفق توقعاته، مضيفًا “في حال نجاح الخطة؛ فإسرائيل وأمريكا والإقليم والسلطة رابحون، ولن يُفسد هذا المخطط إلا التوعية الشاملة التي يجب أن يقودها كل الغيورين على الوطن والشعب لإفشالها، والاصطفاف كتلة واحدة ضد هذا المخطط الخبيث، والوقوف خلف المقاومة”.
وانطلقت، الأحد الماضي، قمة أمنية، في مدينة العقبة الأردنية على ساحل البحر الأحمر (350 كيلومتر جنوبا)، بمشاركة وفد يمثل السلطة الفلسطينية، ومسؤولين من الحكومة الإسرائيلية، وحضور وفود من أمريكا ومصر والأردن، لبحث ومناقشة ملفات سياسية وأمنية وعسكرية، وسط تنديد فصائلي وشعبي كبيرين.
وصدر عن القمة بيان أكد على ضرورة خفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية، و”منع المزيد من العنف”، ووقف الاستيطان والبؤر الاستيطانية لستة أشهر.
ووضع الجنرال الأمريكي “مايك فنزل” خطة لتدريب 12 ألف عنصر أمني فلسطيني لمحاربة المقاومة في شمال الضفة الغربية.
وأمام هذه التطورات الساخنة، تطرح بعض التساؤلات التي تنتظر الإجابة.. لماذا تُقلق المقاومة السلطة وحركة “فتح”؟ وهل ستنجح الخطة الأمنية بالقضاء على المقاومة؟ وكيف سيكون شكل الضفة؟