كورونا وإدلب.. متى ستكون المعركة الفاصلة؟
البعض يعتقد أنه سيستفيد من نقمة الفيروس ويحوّله إلى نعمة وهو يستغل انشغال الجميع به ليجمع قواته من أجل “المعركة الكبرى” التي ستقرر مصير سوريا وكل دول المنطقة، وفي مقدمتها لبنان والعراق والأردن وتركيا.
بعد أيام من اتفاق الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في موسكو حول الوضع في إدلب، وهو ما اعتبره الكثيرون انتصاراً للدبلوماسية الروسية “الناعمة والخشنة”، جاء فيروس كورونا في تركيا ليمنع أنقرة من اتخاذ أي موقف عملي في هذا الموضوع.
فبعد مناوشات بسيطة بين القوات التركية ومسلّحي الفصائل الموالية لـ”جبهة النصرة”، التي اعتبرتها وزارة الدفاع التركية “مجموعات راديكالية”، حيث تصدت هذه الفصائل للدوريات الروسية- التركية المشتركة على الطريق الدوليM4 ، تحدثت المعلومات عن اتصالات ولقاءات مكثفة بين الجانب التركي ومجمل الفصائل المسلحة المتواجدة في المنطقة، من أجل وقف الأعمال القتالية في إدلب، وهو ما تم الاتفاق عليه في موسكو في 5 آذار/مارس الماضي.
وبعيداً من اهتمامات الإعلام الدولي بمثل هذه الأخبار، وحتى بأخبار كورونا في إدلب، وسوريا عموماً، تحدثت المعلومات عن حشود تركية كبيرة على الحدود مع سوريا قبالة محافظة إدلب، مع تعزيزات ضخمة للقوات المتواجدة في الداخل السوري عموماً، إن كان في إدلب أو شرق الفرات وغربه.
وقدّرت هذه المعلومات حجم القوات التركية في إدلب بحوالى 15 ألف عسكري، وأكثر من 4 آلاف دبابة ومدرعة ومدفع وعربة عسكرية، وهو الكم الذي لا يوجد حتى في أهم المدن التركية جنوب شرق البلاد، حيث الحرب المستمرة بين الدولة التركية ومسلّحي حزب العمال الكردستاني، الذين غادر معظمهم تركيا، لينضموا إلى وحدات حماية الشعب الكردية السورية.
وتتحدث المعلومات أيضاً عن مناوشات متقطعة بين هذه الوحدات وبين مسلّحي ما يسمى بالجيش الوطني السوري المدعوم من الجيش التركي، المتواجد على طول الشريط الحدودي السوري مع تركيا، في المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض شرق الفرات.
كما تشهد المناطق القريبة من عفرين، المتاخمة لإدلب، مناوشات مماثلة في إطار “جس النبض” المتبادل بين الأطراف. ويبدو واضحاً أن أنقرة تستغل “نقمة كورونا” لتحوّلها إلى “نعمة” بالنسبة إليها، وهو ما يعني المزيد من الراحة لعناصرها، مع إمكانية الحصول على أكبر قدر ممكن من التعزيزات البشرية والعسكرية، استعداداً للمواجهات الأكثر سخونة في الصيف القادم. هذا بالطبع إذا منح الفيروس الجميع مثل هذه الفرصة لتصفية ما تبقى من الحسابات، كلٌّ وفق مخططاته التكتيكية والاستراتيحية.
وهذا ما تفعله الدولة السورية وحليفاتها، أي روسيا وإيران، على الرغم من انشغال الجميع بالفيروس القاتل الذي سيضعهم أمام تحديات خطيرة بكل المعاني، حتى لو رحم البشرية وغادر كوكبها إلى عالم آخر. فقد أرسلت روسيا عدداً من أحدث طائراتها الحربية إلى قاعدة حميميم، إضافة إلى عدد آخر من قطع الأسطول الحربي الروسي إلى السواحل السورية، وسط معلومات روسية عن وصول متطوعين شيشان إلى سوريا للقتال ضد الإرهابيين في إدلب في حال انفجر الوضع فيها.
وقد وضع الجميع من أجل هذا الاحتمال العديد من السيناريوهات التي ستقرر هذه المرة، وبشكل نهائي، مصير هذه القضية. ومن دونها، لن تكون سوريا في أمان أبداً، مع استمرار حسابات إردوغان الغامضة فيها.
وتتحدث المعلومات عن مساعي أنقرة لإقناع “هيئة تحرير الشام” ومن معها من فصائل عجيبة وغريبة بضرورة توحيد إمكانياتهم مع ما يُسمى بالجيش الوطني السوري أو إجبارهم على ذلك، ليمنح الأمر الرئيس إردوغان المزيد من إمكانيات المناورة السياسية خلال الحديث عن الحل النهائي للأزمة السورية، فيما يبدو واضحاً أن إدلب، ومعها سوريا عموماً، لن تكون الموضوع الوحيد في أجندة الحسابات الإقليمية والدولية، مهما خيم الغموض عليها، بسبب السيناريوهات الخاصة بإمكانية تلقين الفيروس من يستحقّ الدرس الذي يستحقه، فقد استمرت واشنطن في حشد قوات إضافية في قواعدها شرق الفرات، بعد أن انسحبت من 4 قواعد كانت تتواجد فيها في العراق، لجمع قواتها في ما تبقى لها من 5 قواعد، وأهمها قاعدة عين الأسد في الأنبار، وسط المعلومات التي تتحدث عن مساعي واشنطن، عبر التنسيق مع رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، للتخلص من أكبر عدد ممكن من القيادات الوطنية العراقية في الأمن والمخابرات والجيش، وذلك استعداداً لخطة عسكرية شاملة تستهدف قوات الحشد الشعبي، ولو تطلب ذلك الاستفادة من بقايا داعش في العراق عموماً.
ويرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مثل هذه الحسابات، إن تحقَّقت، فرصته الأخيرة قبل موعد انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، للانتقام من إيران التي أفشلت مشاريعه ومشاريع حلفائه الخليجيين في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وهي المشاريع التي تلتقي في أهدافها مع حسابات “إسرائيل” التكتيكية والاستراتيجية في المنطقة .
ويبقى الرهان على مزاج الفيروس، الذي إن سئم من حربه مع البشرية، فحينها ستعود إلى حروبها التقليدية في منطقتنا، وسوريا بالذات، باعتبارها قفل مجمل المعادلات الإقليمية والدولية ومفتاحها، وإلا فإن البعض يعتقد أنه سيستفيد من نقمة الفيروس، ويجعل من النقمة نعمة له، وهو يستغل انشغال الجميع به ليجمع قواته من أجل “المعركة الكبرى” التي ستقرر مصير سوريا وكل دول المنطقة، وفي مقدمتها لبنان والعراق والأردن وتركيا .
يراهن الكثيرون أيضاً على استمرارية النمط العدائي في فكر ترامب، ويستبعدون تراجع إردوغان أيضاً عن نهجه العقائدي الذي ترجمه حرفياً، وما زال، وبكل الوسائل، في سوريا منذ 9 سنوات، فتحولت إلى القاسم المشترك لمجمل سياساته، لا الخارجية فحسب، بل الداخلية أيضاً، باعتبار أن المشكلة الكردية تركياً أصبحت سبباً ونتيجة للمشكلة الكردية سورياً، وقبل ذلك عراقياً. وكل ذلك بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها إردوغان بعد ما يُسمى بالربيع العربي، الذي وضع من أجله عشرات الحسابات، وانتهت جميعاً “بصفر على الشمال”، كما يقال شعبياً.
وأياً كان تفسير هذا الشمال، أي “اليسار أو الشمال جغرافياً”، فهو يعني في الحالتين “الصديق العدو” بوتين. ويبدو واضحاً أن الأخير يريد أيضاً لنقمة كورونا أن تتحول إلى نعمة تساعده على تحقيق المزيد من أهدافه، ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة عموماً، بما في ذلك الانتقام من آل سعود وتآمرهم ضد الروس الذي بدأ بعد لقاء روزفلت بالملك عبدالعزيز في 14 شباط/فبراير 1945، ووضع آل سعود بعد ذلك كل ما لديهم من إمكانيات، أي الفكر الوهابي المتطرف وأموال البترول، في خدمة أسيادهم في واشنطن.
ولولاهم لما كانوا الآن على قيد الحياة، والقول للرئيس ترامب، الذي قال أكثر من مرة “إنه سيحلب البقرة حتى آخر قطرة من حليبها”، وهذا ما سيفعله خلال مساعيه للاستفادة من الفيروس، ويريد له أن يساعده على تحقيق جميع أهدافه في الداخل والخارج، ما دام الهدف واحداً، وهو البقاء في السلطة، مهما كلّف ذلك أميركا والعالم.
الميادين نت