كيف تجنب بايدن والديمقراطيون هزيمة ساحقة في الانتخابات النصفية الامريكية؟
كشفت نتائج الانتخابات النصفية الامريكية التي إنطلقت ان الرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي وأنصارهم نجحوا جميعا، وعكس التوقعات، واستطلاعات الرأي، في تجنب إنتكاسة كبرى، وتقليص الأضرار، والفضل في معظم هذا “الإنجاز” يعود الى الرئيس السابق دونالد ترامب وتصريحاته الاستفزازية “الغبية”، واختياراته “السيئة” للمرشحين الذين دعمهم وبلغ عددهم 200 مرشح لم يفز الا نسبة محدودة منهم في هذه الانتخابات، وكان أبرزهم محمد اوز الشخصية التلفزيونية الشهيرة الذي كان يطمح بأنه سيكون أول مسلم يدخل مجلس الشيوخ.
الأمر اللافت، والإيجابي، الذي كشفت عنه نتائج الانتخابات حتى كتابة هذه السطور، ان اربعة مرشحين عرب ومسلمين، خرجوا فائزين، وأصبحوا نوابا في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، هم الهان عمر (من اصل صومالي) ورشيدة طليب، وعبد الناصر رشيد ورؤى رمان، والثلاثة من أصول فلسطينية وأجمل تعبير عن هذا الإنجاز صدر عن النائبة السيدة الهان عمر عندما قالت: “لا نرحب باللاجئين فقط بل نعيدهم الى الكونغرس”.
لا شك ان هذا الفوز الذي يجسد زيادة عدد العرب والمسلمين في مجلس النواب، سيشكل صدمة للوبي الصهيوني، الذي ظل طوال السنوات الماضية يشن حملات كراهية ضد النائبتين عمر وطليب، وكل النواب الآخرين الداعمين للقضايا العربية والإسلامية العادلة وعلى رأسها قضية العرب والمركزية فلسطين.
هذه الانتخابات النصفية تمثل “بروفة” للانتخابات الرئاسية بعد عامين، وتمهيدا لها، وترسم خريطة طريق أولية للمشاركين فيها، وقد لا يكون من بينهم ترامب نفسه الذي سلطت الانتخابات الأضواء على خصم قد يكون منافسا صاعدا شرسا له هو دي سانتيس الذي فاز بولاية فلوريدا، ويعتبر من اليمينيين المتشددين، علاوة على كونه أكثر شبابا (في الاربعينات من عمره) ولم يكن من المئتي مرشح جمهوري الذين إختارهم ودعمهم ترامب.
كراهية الناخبون لترامب، وعدم رغبة غالبية كبرى منهم لعودته الى البيت الأبيض، هي التي قلصت حجم كارثة سقوط الحزب الديمقراطي، فجاء تصويتهم للحزب الديمقراطي، ليس حبا في بايدن وإنما كرها بترامب، وتصريحاته الأخيرة، وأبرزها قوله بإطلاق النار على تجار المخدرات وقتلهم فورا دون محاكمات، علاوة على دعمه لتجار السلاح، وعدم الحد من إمتلاكه.
نحن لا نتناول في هذه الصحيفة “راي اليوم” الانتخابات النصفية الامريكية من موقع الإنحياز الى هذا الحزب او ذاك، لأننا نعتبر الحزبين، والدولة الامريكية العميقة أعداء يقفون جميعا ضدنا كعرب ومسلمين، ويدعمون الأعداء وخاصة دولة الاحتلال الإسرائيلي ومجازرها في الأراضي المحتلة والمنطقة، وتتحمل المؤسسة الامريكية المسؤولية الكبرى عن غزو منطقة الشرق الأوسط برمتها ودمارها، وليبيا والعراق وسورية واليمن وأفغانستان، ويفرضون حصارا جائرا وتجويعيا على شعوب هذه الدول الى جانب الشعبين الفلسطيني والإيراني أيضا، علاوة على ابتزاز بعض حكوماتنا بحجة الحماية ونشر الطائفية البغيضة، ونهب ثرواتنا النفطية على مدى سبعين عاما.
أمريكا القوية العظمى التي حكمت العالم لعقود، واستخدمت قوتها لقتل الملايين من الأبرياء، بدأت تفقد هذه القوة المدعومة بالغطرسة بشكل تدريجي متسارع، ولعل هزائمها غير المباشرة في الحرب الأوكرانية وقبلها أفغانستان والعراق وقريبا سورية بإذن الله أبرز الأدلة، ولا نستبعد ان تكون الإنتخابات الرئاسية المقبلة بعد عامين مختلفة عن جميع سابقاتها، من حيث تراجع الديمقراطية الأمريكية وتصاعد مؤشرات الإنقسام الداخلي، وتعاظم الإقتراب من عالم متعدد الأقطاب في ظل صعود القوتين الروسية والصينية، والتمرد الأوروبي المتسارع ضد الهيمنة الامريكية.