كيف سيَنظُر السنوار إلى الصّراعات بين نتنياهو وشريكه غانتس في مجلس الحرب؟ …
عبد الباري عطوان
لا نشكّ لحظة في أنّ المُجاهد يحيى السّنوار يُتابع تفاقم الخِلافات داخِل مجلس الحرب الإسرائيلي بين رئيسه بنيامين نتنياهو وخصمه بني غانتس لحظةً بلحظة ومن موقع الخبير، ويَفرُكُ يديه فرحًا، لأنّ كُل ما يحدث حاليًّا في دولة الاحتِلال من انقساماتٍ، وانهياراتٍ داخليّة، وخارجيّة، هو أحد أبرز نتائج عمليّة “طُوفان الأقصى” التي هندَسها ووضع تفاصيلها، ومن ثمّ نفّذها، هو شخصيًّا بمُساعدة جِنرالات كتائب القسّام وقائدهم العسكريّ محمد الضيف ونائبه مروان عيسى.
لا أحد على وجه الخليقة يفهم ما يجري في دولة الاحتِلال من صراعاتٍ وانهياراتٍ، وطبيعة المَأزِق الوجوديّ الذي تعيشه حاليًّا، مِثل السّنوار (أبو إبراهيم) الذي قضى 23 عامًا من عُمره خلف القُضبان، يَدرُس العقل الصّهيونيّ وتركيبته النفسيّة والعسكريّة، ونُقاط ضعفه وقوّته، وباللّغة العبريّة التي كان، وما زال، يُجيدها جيّدًا مِثل عُلمائها وليس أهلها فقط، ولهذا صدقت نُبوءته التي ذكرها المُحقّق الصّهيوني معه بعد اعتِقاله، التي قال فيها سيأتي يوم سأكونُ فيه أنا المُحقّق وأنت مكاني في المُعتقل، وباتت إسرائيل كُلّها في مُعتقل المُقاومة.
***
هذه الخِلافات التي تُمزّق دولة الاحتِلال ونُخبتها السياسيّة هي أحد أبرز ثِمار الانتِصارَين السياسيّ والعسكريّ لكتائب المُقاومة في ميادين القِتال وفي السّاحات الإقليميّة والدوليّة، وما ترتّب على ذلك من خسائرٍ ماديّة وبشريّة ومعنويّة.
فمَنْ كانَ يتصوّر أن يسحب سياسي إسرائيلي يدّعي التطرّف مِثل إيتمار بن غفير مُسدّسه من جُرابه ويُوَجّهه إلى مُحتجّين عُزّل من أبناء جِلدته، انتقدوا فشله بطُرُقٍ سلميّةٍ في دولةٍ تُسوّق نفسها على أنها الأكثر حضاريّة في المِنطقة، إنّه الجُنون والارتِباك في أوضحِ صُوره، وإنّها بداية الحرب الأهليّة، وانهِيار المنظومة الصّهيونيّة وبسُرعةٍ فاجأتنا والكثيرين مِثلنا.
أساس الخِلاف بين الرّجلين يتلخّص في أنّ الأوّل، أي نتنياهو، “يَحلُمُ” بانتصارٍ عسكريٍّ في حرب غزة يُؤدّي إلى القضاء على كتائب المُقاومة بقيادة حماس، وإعادة احتِلال القطاع ووضعه تحت الحُكم الإسرائيليّ في الضفّة الغربيّة، ولكن بُدون سُلطة رام الله، وبغطاءٍ عربيٍّ “مُزوّرٍ وخِيانيٍّ”، أمّا الثّاني، أي غانتس، فيُعارض هذا المشروع العسكري، لأنّه يُدرك، وهو الجِنرال، ووزير الدّفاع الأسبق، ويتبنّى وجهة النّظر الأمريكيّة التي تُريد عودة سُلطة رام الله إلى حُكم القطاع كبديلٍ لحُكم حماس وبدعمٍ أمنيٍّ إسرائيليٍّ أمريكيٍّ مُشترك وتواطُؤ ودعم عُملاء أمريكا العرب في المِنطقة.
ما يُثير الغيْظ هو تجدّد الحديث المُتكرّر هذه الأيّام في الأوساط الأمريكيّة والغربيّة عن مرحلةِ ما بعد حُكم حركة “حماس” في قطاع غزة، وكأنّ هذا الحُكم قد انتَهى، وأنّ المُشكلة في إيجادِ البدائل.
ثمانية أشهر والعُدوان الإسرائيليّ على القطاع مُستمر، دُونَ القضاء على المُقاومة، أو الحدّ الأدنى من السّيطرة عليه في ظِلّ تصاعُدٍ غير مسبوق للخسائر في صُفوف قوّات الاحتِلال، ويكفي الإشارة في هذه العُجالة إلى مقتلِ 25 جُنديًّا إسرائيليًّا في اليومين الماضيين فقط في مِنطقتيّ جباليا وشرق مدينة رفح وتدمير 100 آليّة مُعظمها من دبّاباتِ ميركافا “الأُسطورة” وحامِلات جُنود “النّمر” أحدث إنتاج الصّناعة العسكريّة الإسرائيليّة، حسب ما جاء على لِسانِ “الجِنرال” أبو عبيدة في إطلالته الأحدث يوم الجمعة الماضي، ولعلّ الفيديو الذي وزّعه الإعلام الحربي التّابع للقسّام الذي صوّر المُجاهدين يُقاومون الجُنود الإسرائيليين من المسافةِ صِفر، ويقتلون العديد منهم، والأهم من ذلك أنّ أحدهم الذي سقط جريحًا نهض وواصل إطلاق النّار وهو ينزف حتّى استشهد.
***
الولايات المتحدة التي تتزعّم حاليًّا مُخطّطات ومشاريع ما بعد غزة وتُمارس أعمال السّمسرة مع دُولٍ عربيّة، قيل إنها وافقت على إرسالِ قوّاتٍ لحُكم القطاع، تنسى، ونَجِدُ لزامًا علينا أنْ نُذكّرها، أنها فشلت في البقاء في أفغانستان، وهربت منها وتركت الرئيس الأفغاني أشرف غني وحُكومته وجيشه لوحده آخِر من يعلم، وأخَذ آخِر طائرة إلى أبو ظبي للنّجاة بحياته، وما يَحدُث في قطاع غزة من صُمودٍ وضرباتٍ مُوجعة وقاتلة للقوّات الإسرائيليّة تتواضع أمامها ضربات حركة طالبان للقوّات الأفغانيّة المُرتزقة وحامِيتها الأمريكيّة، وأنّ النّهايات ستأتي مُتطابقة.
نقولها، ونُكرّرها، مرّةً أُخرى بأنّ ما بعد طالبان.. طالبان في أفغانستان، وما بعد حماس.. حماس في قطاع غزة، ولهذا ما زالت الصّواريخ تضرب اليوم سدروت وعسقلان وتل أبيب، وما زالت مصانع قذائف الياسين والصّواريخ تعمل بأقصى طاقاتها في أنفاق القطاع التي فشلت جميع القوّات والأجهزة الاستخباريّة في الوصولِ إليها، ولهذا قد آنَ الأوانُ للمُجاهد السنوار أن يَمُدّ رجليه.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية