كيف عرقلت ثلاث دول حليفة سابقة لروسيا صُدور قرار بحظر أوروبي شامل على النفط والغاز الروسيّين؟
تفشل دول الاتّحاد الأوروبي مرّةً أُخرى الجمعة في التوصّل إلى اتّفاقٍ جماعيّ بفرضِ حظرٍ كامل على استِيراد الغاز والنفط من روسيا بينما يمدّ الرئيس فلاديمير بوتين رجليه سعادةً واستِرخاءً، ويفرك يديه فرحًا ليس بهذا الفشل فقط، وإنّما لمُواصلة عملته الوطنيّة (الروبل) ارتفاعها، وتحطيمها أرقامًا قياسيّةً أيضًا.
الاجتماع الذي انعقد اليوم في بروكسل على مُستوى وزراء الخارجيّة بشأن فرض عُقوبات على النفط الروسي قُوبل برَفضٍ من ثلاث دول هي المجر وسلوفاكيا وجمهوريّة التشيك لأنّ هذه الدّول أكّدت أنها تحتاج إلى استِثمارات ضخمة، وفترة من الوقت قد تمتدّ إلى خمس سنوات لتكييف اقتصادها مع تبعات هذا الحظر في حال فرضه.
أوروبا تستورد 30 بالمئة من احتياجاتها النفطيّة وحواليّ 150 مِليار متر مكعّب من الغاز سنويًّا من روسيا، وأدّت الحرب الأوكرانيّة إلى ارتفاعٍ كبير في أسعار الغاز، ووصول سعر برميل النفط إلى 115 دولارًا، وهُناك خُبراء يتوقّعون وصوله إلى 200 دولار للبرميل إذا جرى فرض حظر كامل على النفط الروسي.
النفط الروسي من النّوع الثّقيل، والبحث عن بدائلٍ له في الشّرق الأوسط ربّما يتطلّب استِثمارات ضخمة لتعديل مصافي النفط الأوروبيّة لتكرير النفط الخليجي الخفيف في مُعظمه، الأمر الذي يُشَكِّل عبئًا إضافيًّا على دول أوروبيّة تُعاني من صُعوباتٍ وأزماتٍ اقتصاديّة.
أيّ حظر نفطي أوروبي لن يُعطي أُكله وتوجيه الضّربة القاتلة لروسيا، بل الأخطر من ذلك أنه ربّما يُعطي نتائج عكسيّة كُلِّيًّا، ولمصلحة روسيا التي من المُتوقّع أن يتدفّق على خزينتها حواليّ 6 مِليارات دولار في أيّار (مايو) الحالي بسبب ارتفاع الأسعار، حسب آراء العديد من الخُبراء الأوروبيين.
مجلس الشيوخ الفرنسي كان أوّل من علّق الجرس، وحذّر من أن العُقوبات الاقتصاديّة التي تُريد أمريكا فرضها على روسيا باتت تُلحِق ضررًا بأوروبا نفسها واقتِصادها، ولكنّ الولايات المتحدة ورئيسها بايدن يَصُمّ أُذنيه عن هذه التّحذيرات.
لم يصدر عن اجتماع اليوم الأوروبي الذي شاركت فيه 27 دولة أيّ قرار بسبب الخِلافات، وآليّة صُدور القرار ذات الشّرط الإجماعي، وسعيًا لإنقاذ ماء الوجه، والاعتِراف بالفشل، جرى تأجيل الاجتِماع، وإعطاء مُهلة للدّول الثّلاث المُعارضة المَذكورة آنفًا للتّفكير، والبحث عن حُلول.
الرئيس بوتين مُتَمَسِّكٌ بشُروطه بحتميّة تسديد أثمان صادراته إلى أوروبا من النفط والغاز بالروبل، وهذا التمسّك أدّى إلى وصول سِعر عملته الوطنيّة إلى ارتفاعات قياسيّة (66 روبل مُقابل الدولار)، بعد أن كان 140 روبلًا مُقابل الدّولار في أوائل آذار (مارس) الماضي.
باختِصارٍ شديد يُمكن القول إن الحرب الأوكرانيّة مع قُرب دُخولها شهرها الرّابع لم تستنزف روسيا اقتصاديًّا، بل أدّت إلى تسمين الميزانيّة الروسيّة، وتسديد مُعظم نفقاتها العسكريّة بسبب ارتِفاع أسعار النفط والغاز والعملة المحليّة، ولا نعتقد أن الرئيس بايدن مُستَعِدٌّ للاعتراف بهذه الحقيقة.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية