كيف يرد محور المقاومة على إعلان الحرب الأميركية؟
اغتيال الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي ورفاقهما، هو بمثابة إعلان حرب ضد إيران ومحور المقاومة في المنطقة. ولا يخفف حديث ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو عن رغبتهما بخفض التصعيد، من إقدامهما على إشعال قنبلة موقوتة بقرب برميل البارود الذي يؤدي اشتعاله إلى حرق أصابع ترامب وإدارته وطرد أميركا من المنطقة.
في أسباب هذه المغامرة الأميركية عرض تناوله بعض الإعلام الأميركي كصحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها، مفاده لجوء الرؤساء الاميركيين إلى العدوان والحرب للتخلّص من أزماتهم الرئاسية كما لجأ بيل كلينتون إلى قصف العراق العام 1998 بالتزامن مع جلسات الاستماع لعزله في الكونغرس الاميركي. وكما اتهم ترامب نفسه غريمه باراك أوباما أثناء حملة التصعيد ضد سوريا.
ربما مثل هذه الألاعيب المألوفة في أميركا والدول الغربية تلائم شخصية ترامب البهلوانية بالتمام والكمال. لكن إقدامه على تصعيد بمثابة إعلان الحرب على إيران، هو كأس السم الذي حاول ترامب أن يتجنّب أن يتجرّعه أثناء تراجعه عن التصعيد بعد اسقاط الطائرة الاميركية والأحداث المتلاحقة في مياه الخليج الساخنة. فترامب يخشى الحرب المباشرة ضد إيران ومحور المقاومة لأن اليوم التالي لبدء العدوان غير محسوب العواقب على أميركا وحلفائها ولن تكون الطلقة الأخيرة بمتناول أياديهم وذاك أقرب الطرق المستقيمة لسقوط ترامب في أميركا وتغيير وقائع المنطقة ووجهتها.
لعل ما دفع ترامب للمغامرة باغتيال الفريق قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس ورفاقهما، هو محاولته تجنّب خسارة البيت الأبيض في الذهاب إلى المجهول أملاً بألّا يطيح الرد الإيراني برأسه من دون أي سند واقعي ومنطقي في هذه المراهنة كما تقول صحيفة واشنطن بوست الاميركية وصحيفة وول ستريت جورنال وغيرهما. فترامب سعى إلى تعزيز مواقعه طيلة السنوات الماضية لتجديد رئاسته، استناداً إلى الرعاية المطلقة لأحلام اسرائيل من جهة واستناداً إلى ما سماه “أقصى العقوبات” ضد إيران ومحور المقاومة. وهو ما يعوّل عليه ترامب لكسب تأييد اللوبيات في أميركا وأصوات الشعبوية الاميركية والجماعات التلمودية الواسعة الانتشار بين الناخبين في الولايات المتأرجحة.
لكن فشل “العقوبات القصوى” في الضغط على إيران ومحور المقاومة “لتغيير سلوكها”، أجّج الخشية الاسرائيلية على الوجود في وقت أفضت إليه تحوّلات قوّة محور المقاومة إلى انقلاب دور اسرائيل في المنطقة رأساً على عقب. فبينما زرعت الدول الغربية اسرائيل في المنطقة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الغربية، بات على الدول الغربية (ولا سيما أميركا) حماية اسرائيل ولو أدّى ذلك إلى المغامرة بالحرب.
هذا المتغيّر المهم في المعادلات الاستراتيجية بين إسرائيل ومحور المقاومة، دفع ترامب إلى تغليب الجنوح إلى المغامرة في مجلس الأمن القومي الأميركي بتأثير من نتانياهو الذي يلاحق بومبيو بعد اجتماعهما في البرتغال في محادثات يومية. وهو تعبير عن الصرخة الاسرائيلية “أين هي أميركا” التي ضجّ بها نفتالي بنيت ورئيس الأركان أفيف كوخافي في مؤتمر هرتسيليا الأسبوع ما قبل الماضي، تحريضاً ضد الفريق سليماني وما أسموه “الأذرع الإيرانية في العراق”.
الغيظ المتفجّر الذي ملأ قلب ترامب، هو تطويق السفارة الاميركية في بغداد الذي فجّر الذاكرة الجمعية الأميركية لكسر هيبة أميركا وشوكتها أثناء احتلال السفاره في طهران والهروب الكبير من إيران. لكن ترامب لا يزال يأمل امتصاص إعلان الحرب على الرغم من ارسال جنوده إلى المنطقة. وفي أغلب الظن يحاول في الرسالة التي أرسلها إلى إيران الطلب بأن يكون الردّ قابلاً لأن يبتلعه ترامب، كما فعل نتانياهو بعد تهديد حزب الله بالرد على عدوان الضاحية بأن أخلى الحدود من الوجود الاسرائيلي وكاد أن يسلّم الحزب هدفاً سرائيلياً ككبش محرقة.
إيران ستردّ على إعلان الحرب والمغامرة الأميركية لا محالة. ومواصفات الرد باتت معالمها واضحة على لسان المرشد السيد علي خامنئي وعلى لسان بعض القادة في حرس الثورة وعلى لسان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وهو ردّ قاسٍ ومؤلم يشمل المنطقة برمتها. لكن بأي معنى وما هي الترجيحات المحتملَة وأسبابها؟
على الأرجح أن تردّ إيران بنفسها بشكل واضح ضد هدف أو أهداف أميركية واضحة الهوية. فإيران تتعامل بندّية فائقة مع الولايات المتحدة وأولويتها في هذه الندّية ردّ الصاع من دون التفاف وتمويه. وفي هذا السبيل يمكن لإيران أن تنال من الهدف الأميركي على وسع المساحة التي تطالها اليد الإيرانية من أفغانستان إلى مياه وقواعد الخليج وأبعد. لكن إيران تسعى مع الحلفاء في محور المقاومة للمواجهة الأوسع إذا قابلت أميركا الرد الإيراني بالتصعيد ضد إيران ومحور المقاومة في المنطقة، وإذا تدحرج التصعيد إلى حرب مفتوحة. وفي هذا السياق تنسّق إيران مع الشركاء الاستراتيجيين في موسكو وبكين.
لكن إيران دولة مؤسسات وعقلية دولة في إدارة الصراع ولا تركن إلى الاكتفاء بعقلية الثأر البدوية. فهي تنتقم وتثأر للحفاظ على هيبة الدولة وعلى كرامة رموز تفتخر ببطولاتهم وتضحياتهم، لكن من أجل تحقيق أهداف استراتيجية تحصّن منعة إيران ومحور المقاومة في الصراع ضد أميركا والاحتلال الاسرائيلي. وقد يكون الهدف الإيراني من وراء الثأر للشهداء هو إحباط ما راهن عليه ترامب في إعلان الحرب أملاً بتعزيز المصالح الأميركية والوجود الأميركي في العراق والمنطقة. ولكل شيء آفة من ضده.
الميادين نت