
في أقلّ الأيام فوضويّةً وإرهاقاً، حين تكون سماء روحك أصفى ما يمكن لها أن تكون ولا علائم تنذر بعاصفة قادمة، في الوقت الذي تتصرّف فيه كرُبّان ماهر لا يجاريه أحد، حيث كلّ شيء يبدو موضوعاً في مكانه الصحيح، والوقت يمرّ بسلاسة على نحو اعتيادي، في ذلك الحين، تأتي تلك اللحظةُ التي ينقلبُ فيها المشهد رأساً على عقب، موجةٌ خاطفة تشعرك بأنّ الدفّة أصبحت خارجة عن السيطرة، ولا شيء على السّفينة بقي في مكانه.
من ينظرُ إلى المشهد من بعيد يتعجّب كيف أنّ موجة صغيرة تُربكُ ربّاناً بارعاً، أريدُ منك أن تعذره فهو لا يعلم بأنّ تلك الموجة لم تكن السبب في إرباكك، كانت الأمواجُ تثور في داخلك منذ مدّة وأنت تكتم صوتها موجة تلو أخرى، وهكذا استمرّ بك الأمر إلى أن جاءت تلك الموجة الصغيرة التي لا تعني شيئاً في العادة وأظهرت مواطن التصدّعات التي تسبّبت بها الأمواج السابقة على هيكل سفينتك.
لا أريدُ منك أن تهلع ولا أن تشعر بالعجز، أعلم كمّ المعارك التي خضتها وكمّ العواصف التي مرّرت بها لتصل إلى هنا، أستطيع أن أحصي كلّ اللحظات التي كدت فيها أن تتوقّف لكنك قرّرت أن تُكمل رغماً عن كلّ شيء، كما أستطيع أن أخبرك كم من المرات أخفيت دموعك بين قطرات المطر المنهمرة على وجنتيك ظانّاً بأنْ لا أحد ينتبه إليها.
أنا أعرفك جيّداً أيها الإنسان المُغرق في إنسانيّته، أفهم لماذا تنسكبُ كلّك دفعة واحدة في موقف واحد يصفه الآخرون بالحماقة أو بالغباء، أفهم لماذا تغضب في موقف لا يستدعي ذلك، كما وأفهم لماذا تبدو خشناً في أكثر اللحظات حاجةً لنعومتك، ولماذا تختبئُ وراء قناع لا يشبهك في أكثر الأحاديث التي تريد فيها أن تكون فيها أنت، ولا أحد آخر.
أنا أفهمك وأريدُ منك أن تفهم نفسك، أن تفهم بأنّك داخل سفينةٍ في بحر، والسّفن ما كانت لتسمّى سفناً لو كانت على أرضٍ ثابتة. أريدك أن تفهم بأنّ البحرُ يضطرب بين الحين والآخر، وبأنّه كوننا نبحر فيه فنحنُ سنشبهه بلا شك.
لا بأس في أن نضطرب ونثور ونفقد السيطرة على سفننا، لا بأس في أن تُرينا العاصفة أسوأ ما لديها، لنكن فقط مستعدين لذلك ولنواجههُ بهدوئنا وصبرنا، فنحنُ بطبيعتنا البشريّة – كنّا ولا نزال- الأقوياءُ الضعفاء؛ الضعفاء بكلّ قوّتنا، والأقوياء بكلّ ذلك الضعف الذي جُبلت منه أجزاؤنا.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر