لا خرق في «اللجنة الدستورية»: واشنطن وموسكو نحو صدام جديد
لم تُحقِّق الجولة السابعة من اجتماع اللجنة الدستورية أيّ خرق على المستوى العملي، سوى لجهة الاتفاق على عقْد جولة جديدة. وفيما يبدو أن واشنطن تتحضّر لاشتباك جديد مع روسيا عنوانه ملف المساعدات الأممية إلى سوريا، بدا لافتاً اهتمامها المتزايد بعمل «الدستورية»، في ظلّ تصعيد قطري، وخلاف بدأ يدبّ بين هذه الأخيرة وحليفتها التركية على خلفية رعاية المعارضة والأحقيّة في الاستحواذ عليها
لم تخرج الجولة السابعة من اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف بأيّ جديد يُذكر، على رغم التفاؤل الذي أحاط باليومين الثالث والرابع منها. وفي هذا الإطار، أحجم المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، عن إصدار أيّ بيان في نهاية الجولة، فيما أكد مسؤولون أمميون أن الوفود الثلاثة المشاركة (الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني) ستعاود الاجتماع مرّة أخرى، في أيار المقبل.
وبينما كانت الوفود تستعدّ لمغادرة جنيف، كثّف مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، الذي شارك في اجتماعات «الدستورية»، من نشاطه السياسي لضمان تحشيد جديد في مجلس الأمن هذه المرّة، تحضيراً لصدام منتظر مع روسيا على خلفية ملف المساعدات الأممية، الذي تنتهي مفاعيله في شهر تموز المقبل. وبدا لافتاً الاهتمام الأميركي المتزايد بعمل اللجنة الدستورية، وهو ما فسّرته مصادر معارضة بأنه يأتي في سياق الاهتمام الكبير الذي باتت واشنطن توليه للملفّ السوري، إذ قدّمت نصائح عديدة لوفد المعارضة خلال الاجتماع، تتعلّق بالمبادئ الأربعة التي حدّدها بيدرسن مسبقاً، وهي: أساسيات الحوكمة، هوية الدولة، رموز الدولة، وتنظيم وعمل السلطات العامة. وشهد مبدأ «رموز الدولة» جدلاً واسعاً بعد تمسُّك المعارضة بضرورة تغيير العلم السوري، ليردّ الوفد الحكومي بأن إجراء كهذا ممكن بعد التوصّل إلى حلّ سياسي يسمح بإجراء استفتاء شعبي لإقراره.
كذلك، بدا لافتاً ارتفاع نبرة تصريحات المعارضة السورية، التي لوّحت بإمكانية «مقاطعة أعمال اللجنة الدستورية»، الأمر الذي فسّرته مصادر معارضة، تحدثت إلى «الأخبار»، بأنه يأتي نتيجة للتصعيد القطري في الملفّ السوري، وتأثير الدوحة على المعارضة من جهة، والجهود الأميركية المتواصلة التي تسعى إلى «تقوية المعارضة» من جهة أخرى. يفسّر ما سبق التصريحات المتواترة التي بدأ يطلقها معارضون سوريون غير منضوين في «الائتلاف» بضرورة توحيد المعارضة و«قسد» بهدف تشكيل جسم معارض كبير، وهو مسعى تحاول واشنطن العمل عليه من طريق تقديم تطمينات لتركيا التي تعادي الأكراد، من جهة، ومحاولة تنمية العلاقات الاقتصادية بين مناطق «قسد» والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في الشمال السوري، من طريق استثناء هذه المناطق من عقوبات «قيصر»، من جهة أخرى.
وفي وقت بدأت تظهر فيه إلى العلن حالة خلاف تركي – قطري حول سوريا، في ظلّ مساعي الدوحة المتنامية للاستحواذ على المعارضة التي تستحوذ عليها أنقرة، جاء «منتدى الدوحة» ليوفّر بيئة مناسِبة لقطر لإعادة خلْق مشهد سياسي يتّسق مع موقفها المعادي لدمشق، والداعي إلى إعادة الزمن إلى الوراء والدعوة مجدداً إلى «إسقاط النظام». وظهر تأثير قطر بوضوح في كلمات المعارضة السورية، ومن بينها كلمة رئيس «الائتلاف» المعارض، سالم المسلط، الذي غزل على المنوال الأميركي والقطري، وصعّد ضدّ روسيا، معتبراً أن ما يجري في أوكرانيا حالياً مشابه لما جرى في سوريا، وأن الأزمة في سوريا «سياسية وليست إنسانية»، في وقت انصبّ فيه اهتمام تركيا، خلال مشاركتها في المنتدى، على قضية اللاجئين، وتوفير بيئة مناسبة لإعادتهم.
من جهتها، صعّدت موسكو موقفها ضدّ المحاولات الأميركية الأخيرة، فاعتبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي، في كلمة له خلال اجتماع لمجلس الأمن حول آخر المستجدات في سوريا، أن «الحل يكمن في شنّ معركة لا هوادة فيها ضدّ هيئة تحرير الشام وداعش، وإنهاء الوجود العسكري غير الشرعي في سوريا، ووقف الضربات الجوية الإسرائيلية التعسفية»، متّهماً الدول الغربية بأنها «تستخدم الإرهابيين وتستغلهم لأهدافها الخاصة». ورداً على التحركات الأميركية الأخيرة لحشد القوى السياسية لتمديد آليات إيصال المساعدات عبر الحدود (الآلية المتّبعة حالياً تسمح بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بالإضافة إلى خطوط التماس عبر دمشق)، شدّد المندوب الروسي على أن بلاده «لن تغضّ الطرف عن فشل الدول الغربية في الامتثال للقرار المتعلّق بالمساعدات الإنسانية عبر الحدود في سوريا»، في إشارة مباشرة إلى أن موقف موسكو سيكون أكثر حزماً حيال استثمار معبر باب الهوى من قِبَل الولايات المتحدة، خصوصاً أن الآلية المتبعة تعرّضت لانتقادات روسية حادّة في وقت سابق، بسبب تمرير القسم الأكبر من المساعدات عبر الحدود، وليس عبر دمشق. وقال المندوب الروسي إن «دمشق أثبتت أن عمليات التسليم إلى إدلب عبر خطوط التماس ممكنة بشكل كامل»، لافتاً إلى أن «الغرب يحاول ربط الالتزامات بشروط سياسية مسبقة».
ويفتح ملف المساعدات، واقتراب موعد انتهاء مفاعيله، الباب أمام سجال روسي – أميركي جديد، وذلك بعدما نجحت موسكو، في أعقاب موافقتها على القرار في تموز من العام الماضي، بانتزاع تسهيلات أميركية حيال الأوضاع في سوريا بهدف تقديم دفع تنموي، تمثَّل باستثناءات منحتها الولايات المتحدة لجمعيات ومنظمات عدة من قانون العقوبات «قيصر»، تبعها تصعيد أميركي جديد على خلفية الحرب في أوكرانيا، ما دفع روسيا إلى تشديد موقفها.