لماذا تتكدس الدهون في أماكن معينة من الجسم؟
يحتاج جسم الإنسان إلى الدهون، كما هي الحال بالنسبة إلى المواد الأخرى، مثل البروتينات والسكريات والمعادن والفيتامينات، خصوصاً أن هناك أحماضاً دهنية أساسية لا يمكن الجسم أن يصنعها لوحده. لذلك، هو مجبر على تأمينها من طريق الغذاء.
لقد ارتبط اسم الدهون بالسمعة السيئة نظراً إلى ما يتناقله الناس عن أنها مواد سامة تجلب معها الأمراض للجسم. لكن الواقع العلمي يؤكد أن الدهون ضرورية جداً لكل خلايا الجسم، وعندما يكون الوزن عادياً فإنها تتوزع في الجسم في شكل طبيعي، لكن المشكلة تحصل عندما يزيد الوزن عن الحد الطبيعي، فتتحول الدهون إلى مخزون فائض يلقي بتداعياته على الجانبين الجمالي والصحي.
وتنظر غالبية الناس إلى الدهون الفائضة في الجسم من الناحية الجمالية فقط من دون اكتراث بما تسببه من تداعيات صحية. لا شك في أن تكدس الدهن في أماكن معينة هو مشكلة يعاني منها كثيرون لأنه يشوه جمال الجسم وتناسق القوام، خصوصاً بالنسبة إلى النساء.
وترسو الدهون الفائضة في أماكن عدة في الجسم، لكن يحلو لها جغرافياً أن تحط رحالها في أماكن معينة أكثر من غيرها. ويختلف توزيع هذه الدهون بين الرجل والمرأة، فلدى الذكور تتجمع أكثر ما تتجمع في الخصر وحول البطن. ولدى الإناث تتكدس أكثر ما تتكدس في الصدر والوركين والفخذين. ويعود هذا التباين في التوزيع إلى عوامل وراثية وأخرى هرمونية، ويمكن القول أن التموضع الدهني المذكور هو لمصلحة المرأة أكثر منه للرجل، فالفائض الشحمي في تخوم البطن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.
إن الموضع الأول للدهون الذي يؤثر في جمالية الجسم يقع على مشارف الرقبة، وهنا يعطي تكدسها شكلاً غير محبب يطلق عليه اسم «رقبة ديك الحبش»(الذقن المزدوجة)، ولم تكشف التحريات السريرية وجود أي رابط بين هذه الكتلة الدهنية والإصابة بالأمراض، وكل ما في الأمر هو مظهرها المترهل. وتعتبر زيادة الوزن السبب المباشر لرقبة ديك الحبش.
ويشكل النظام الغذائي التخسيسي الصحي والمتوازن أسهل الطرق لتقليص حجم الخلايا الدهنية في الرقبة، إضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية، خصوصاً تلك التي تطاول العضلات التي تمتد من الذقن حتى أسفل الحلق. وإذا فشلت هذه الطريقة في القضاء على الذقن المزدوجة، فإن الاستعانة ممكنة ببعض الحلول الأخرى السلمية والجراحية للتخلص من المشكلة.
أما المكان الثاني الذي يشهد تراكم الدهون فهو منطقة الوركين والفخذين، وهذه السمنة التي تعطي الجسم شكل الكمثرى، تنتشر أكثر عند النساء، وهي من المشاكل الشديدة الإزعاج لهن لأنها تزعزع الثقة بالنفس وتثير الإحباط وتدفع إلى الخجل بسبب منظرها البشع.
ويلعب العامل الوراثي دوراً في سمنة الوركين والفخذين، لكنه ليس العامل الوحيد، فهناك عوامل أخرى مثل الحمل المتكرر، وسن البلوغ، والضغوط النفسية، والعادات الغذائية السيئة التي تحمل في طياتها كماً هائلاً من الهرمونات والمبيدات والسعرات الحرارية.
وكي تتم إطاحة دهون الأرداف والأفخاذ لا مفر من تقنين الواردات الغذائية، بحيث تعطي سعرات أقل من تلك التي يحتاجها الجسم لإجباره على التماس الطاقة من المخازن الدهنية الفائضة لديه إلى أن يتم التخلص منها. وحبذا لو تم حذف منتجات فول الصويا من قائمة الأطعمة لأنها ترفع من مستوى هرمون الأنوثة الذي يساهم في تضخم الأرداف والأفخاذ. ويُنصح بقوة بممارسة التمارين الرياضية بانتظام، خصوصاً تلك التي تساعد في تقوية عضلات المؤخرة والفخذين لأنها تزيد من صرف السعرات الحرارية وتسمح ببلوغ الهدف المنشود.
أما المكان الآخر الذي تستطيب الدهون الفائضة الإقامة فيه فهو البطن كونها تساهم في مطه إلى الأمام ليعطي الكرش الذي يعتبر من أكبر المشاكل التي يعاني منها الرجال والنساء على حد سواء، خصوصاً أنه يعطي منظراً غير جذاب بالمرة ويمثل العدو الأول للمرأة.
لكن موضوع الكرش هو أكثر من مجرد مظهر غير جذاب، فالدهون التي تتجمع في البطن تشكل خطراً على أصحابها لأنها تعتبر من النوع النشط من الناحية الاستقلابية، وتستطيع التدخل في وظائف بعض المركبات الكيماوية والهرمونات، خصوصاً هرمون الأنسولين، الأمر الذي يزيد من خطر احتمال الإصابة بعدد من المشاكل الصحية، من بينها الداء السكري النوع الثاني وأمراض القلب والسكتات الدماغية.
وفي بحث حديث أعده باحثون من مركز مايوكلينيك في الولايات المتحدة، وأجري على أكثر من ١٥ ألف شخص، تبين أن الأشخاص المصابين بمرض الشريان التاجي للقلب هم أكثر تعرضاً لاحتمال الوفاة في حال كانت بطونهم مكتنزة بالشحم، وأنه تم رصد هذا التأثير حتى ولو كان هؤلاء يملكون مؤشراً طبيعياً لكتلة الوزن.
واستطاع باحثون من جامعة ديوك الأميركية التوصل إلى الجين المسؤول عن إصدار التعليمات للدهون كي تتجمع في البطن بدلاً من الوركين والفخذين، ومن يدري؟ فقد يفتح هذا الكشف نافذة تسمح بصنع أقراص دوائية تمكّن من وقف تخزين الدهون في محيط البطن من خلال إيقاف نشاط الجين المذكور، وعند ذلك يمكن القول وداعاً للكرش!
في المختصر، إن الفائض الدهني في الجسم يحتل مناطق في الجسم أكثر من سواها، وقد يترتب على هذا الفائض تداعيات مرضية أو جمالية، وأفضل وسيلة وأكثرها فاعلية للتخلص من الفائض الدهني في الجسم التقليل من كمية السعرات الحرارية التي تتسلل من طريق الطعام والشراب، وذلك من خلال اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن إلى جانب تنفيذ برنامج رياضي منتظم يساهم جدياً في صرف الطاقة.
صحيفة الحياة اللندنية