تحليلات سياسيةسلايد

لماذا تتوجّس تركيا من “اندماج” الشرع مع الأكراد وهل تصرّفه بغير عِلمها؟

خالد الجيوسي

فور قراءة الأنباء القادمة من سورية حول توقيع اتفاق ضمني يقضي باندماج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة، سيكون التساؤل المطروح حول موقف تركيا من هذا الاتفاق، والذي جاء في اجتماع بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي.

 “قسد” التي ترى فيها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني “بي كي كي” المُدرج على قوائم الإرهاب لديها.

الإعلام العربي قدّم هذا الاتفاق، بمثابة عمل تاريخي، سيمنع تقسيم سورية، ويُوحّد جيشها، ويُنعش اقتصادها وهو ما انعكس على الشارع السوري الذي احتفل بتوحيد سورية بالشوارع والميادين العامّة، وأطلق العيارات النارية، وذلك لأوّل مرّة مُنذ العام 2011، وبداية الأزمة السورية.

وشكّلت مناطق شمال شرق سوريا، التي كانت تحت سيطرة قسد بدعم أمريكي، تحدّيًا للسيادة السورية، كونها خارجة عن سُلطة الدولة، والأهم لأنها تضم معظم الموارد النفطية والغازية، التي تمثل العصب الاقتصادي لسورية.

وكتب زعيم قسد مظلوم عبدي عبر صفحته على “إكس”: “في هذه الفترة الحساسة، نعمل سويًّا لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار. نحن ملتزمون ببناء مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين ويحقق تطلّعاتهم في السلام والكرامة”.

وأردف: “نعتبر هذا الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار”

لافت أن هذا الاتفاق “التاريخي” جاء بعد يوم من تصعيد عسكري غير مسبوق في الساحل السوري بين قوى الأمن ووزارة الدفاع السورية من جهة وبين بقايا الجيش العربي السوري من جهة أخرى ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا بينهم مئات المدنيين.

ثمّة من يقرأ توقيت الاتفاق هذا، بأنه جاء في مُحاولة لمُواصلة منح الشرعية لنظام الشرع، وقطع الطريق على أي محاولة لاتهامه باستهداف الأقليات العلويين في الساحل السوري، وبالتالي تقديمه بأنه الشخصية المُوحّدة للسوريين، بعد أن كان طالته اتهامات بأنه غير قادر على حمايتهم بعد أحداث الساحل الدموية.

وتضمّن نص الاتفاق “التاريخي” ثمانية بنود أولها “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولية بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية”.

والبند الأبرز هو الثالث الذي ينص على وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، فيما نص الرابع على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.

ونصّ الاتفاق كذلك على “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافّة التهديدات التي تُهدّد أمنها ووحدتها”، فهل يشمل هذا الدعم الكردي التهديد الإسرائيلي للجنوب السوري، ما يعني قتال الأكراد لإسرائيل دفاعًا عن الدولة السورية الجديدة وترابها؟

وشدّد الاتفاق على أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية، كما أنه نص على وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية.

وفق التقارير، تم الاتفاق بين نظام الشرع، وقسد بقيادة مظلوم عبدي برعايةٍ أمريكية، ما دفع بالمراقبين لقراءة هذه الرعاية، بأنها لقطع الطريق على إيران، وهي المتهم الأول “دولة خارجية” في انقلاب الساحل السوري الذي فشل بقيادة بقايا الجيش العربي السوري.

تركيا الرسمية من جهتها وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال صامتة عن التصريح الرسمي يبدو أنها حذرة من الاتفاق، وقال مسؤول تركي لوكالة رويترز: إن أنقرة تشعر بتفاؤل حذر تجاه الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، وأضاف أنقرة تريد رؤية كيفية تنفيذ الاتفاق أوّلًا، وتابع الاتفاق لا يُغيّر من عزم تركيا على مكافحة الإرهاب وتمسّكها بحل وحدات حماية الشعب الكردية.

هل خرج أحمد الشرع عن سياسات حليفه التركي في هذا الاتفاق، صرّح الأخير في آخر تصريحاته بأن سورية دولة ذات سيادة، ولا تتلقّ أوامر خارجية، وأضاف أن سورية تختار سياستها الداخلية “من نفسها”.

يرى آخرون، أن الاتفاق السوري- الكردي تم بشكل أو بآخر بمعرفة وعلم الأتراك، خاصّةً أنه جاء بعد مساعي أنقرة عن إصدار زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عبد الله أوجلان خطابًا يدعو إلى حل التنظيم ووضع السلاح جانبا والانخراط في العمل السياسي.

الصحف التركية نظرت بإيجابية للاتفاق مع بعض التحفّظ، صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة التركية قالت إن البند المشار إليه ينص على أنه لن يكون هناك أي وجود لإدارة منفصلة شمال شرق سوريا في المرحلة المقبلة، لافتا إلى أن ذلك يتطابق مع موقف تركيا الرافض لإقامة دولة دولة على حدودها الجنوبية.

لكن الصحيفة التركية استدركت بالتشديد على أن تركيا ما زالت تقول: “لا يمكن أن تكون هناك دولة داخل الدولة، ولا جيش داخل الجيش”، في إشارة إلى رفض أنقرة لاحتفاظ “قسد” بكتلتها العسكرية داخل وزارة الدفاع السورية.

هذا اتفاق يحق للسوريين الابتهاج به، وتحديدًا من يخشى منهم تقسيم سورية إلى جمهوريّات، ولكن العبرة بكل حال ليست في التوقيع أمام كاميرات الإعلام، والمُصافحة التبسّمية التي جمعت الشرع بعبدي، وإنما بتنفيذ ذلك الاتفاق على أرض الواقع، بما يضمن حقوق السوريين جميعًا، ويحفظ سلامة، ووحدة، وسيادة أراضي الجمهورية العربية السورية، إلى جانب تصدّي الحكومة المركزية الجديدة في دمشق للانتهاكات والعربدة والتوغّل الإسرائيلي بالجنوب السوري، وليس فقط “فلول النظام” لتكون قيادة جامعة، ومُوحّدة.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى