تحليلات سياسيةسلايد

لماذا لا ترد إيران وبالسّرعة “المأمولة” على العُدوان الإسرائيلي على أصفهان حتّى الآن؟

الإيرانيّون بارُعون في إدارة حُروبهم النفسيّة ضدّ خُصومهم، والإسرائيليّون منهم خاصّةً، ولعلّ نشْر وكالة أنباء “تسنيم” مقطع فيديو من معرض للأسلحة العسكريّة في مدينة أصفهان يتضمّن عرض صاروخ “أرض جو” كُتب عليه “الموت لإسرائيل” باللّغة العبريّة هو أحد حلقات هذه الحرب، ويُمكن اعتِباره رسالة تحذيريّة لدولة الاحتِلال الإسرائيلي تقول سُطورها “إنّ الانتِقام لغارة المُسيّرات الانتحاريّة الثّلاث التي ضربت قاعدة عسكريّة تتضمّن مصانع صواريخ ومُسيّرات في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي” ما زالَ قادمًا، دُونَ تحديد الزّمان والمَكان.

هُناك كثيرون، خاصّةً في بعض الدولة العربيّة، والخليجيّة تحديدًا، يسخرون من استِعراضاتِ الأسلحة هذه، وعدم استِخدامها في الرّد على الهجمات الإسرائيليّة في العُمُق الإيراني، وقبْلها في العُمُق السّوري، وآخِرها هُجوم المُسيّرات في أصفهان، ولكنّ الإسرائيليين يأخذون الأمر بجديّةٍ أكبر، ويعتبرون أن الصّناعة العسكريّة الإيرانيّة المُتطوّرة تُشَكّل تهديدًا وُجوديًّا لهُم، يزداد خطرًا.

جوش زورقا نائب الشّؤون الاستراتيجيّة في الخارجيّة الإسرائيليّة قال في تغريدةٍ على حسابه في “التويتر” “إن كتابة الموت لإسرائيل على الصّاروخ المَذكور تحمل رسالةً واضحةً تُشير إلى سعي الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى تدميرِ إسرائيل”، ويُشاركه الرّأي نفسه بنيامين نِتنياهو الذي دشّن تولّيه السّلطة بهذا الهُجوم، وربّما يدفع ثمنًا غاليًا.

***

لا شك أن إقدام “إسرائيل” على إرسال ثلاث مُسيّرات تمكّنت قبل إسقاطها، من قصف القاعدة العسكريّة في أصفهان وبعض مصانعها الحربيّة التي قيل إنها تُنتج صواريخًا أسرع من الصّوت، يُشكّل إحراجًا وتحدّيًا استفزازيًّا كبيرًا، وغير مسبوق للسّلطات الإيرانيّة، وفي توقيتٍ اختير بعناية، أيّ بدء الاحتِفالات بالمُناسبة السنويّة لانتِصار الثورة الإسلاميّة الخمينيّة، ولكنّ إيران، وبالقِياس على تجاربٍ سابقةٍ مُماثلةٍ، لا تستعجل الرّد، ولا تنجرّ للاستِفزاز لإسكات المُشَكّكين، لأن صبْرها الاستراتيجي طويل، ولديها أولويّات وخطط مدروسة حسب ما قاله لنا أحد اللّبنانيين المُقرّبين منها، وأضاف أن الاستِعدادات للرّد تسير على قدمٍ وساق.

هُناك ثلاثة تطوّرات مُهمّة جرى الكشف عنها في الأيّام القليلة الماضية تُرجّح ما قاله المصدر المذكور:

الأوّل: كشف السّلطات الإيرانيّة النّقاب عن قاعدة جويّة للطّائرات المُقاتلة تحت الأرض في عُمُق مِئات الأمتار تحت الجِبال لا تصل إليه قنابل القاذفات الأمريكيّة تحمل اسم “عِقاب 44” وتحتضن حواليّ 300 طائرة مُقاتلة (ميغ 29، وإس يو 25 الروسيّة)، وأُخرى صينيّة من طِراز (إف 7)، علاوةً على طائرات أمريكيّة (إف 4)، وميراج الفرنسيّة جرى تطويرهما، مُضافًا إلى ذلك أن هذه القاعدة مُجهّزة بصواريخِ كروز البعيدة المدى والخارقة للتّحصينات.

الثانية: كشف إيران في عرضها العسكري قبل بضعة أيّام بمُناسبة ذِكرى الثّورة، عن “دبّابات الرّوبوت” من أربَع وسِت عجلات، مُجهّزة بمدفعيّة، ويُمكن التّحكّم بها عن بُعد، وتُجسّد أحدث إبداعات “الذّكاء الصّناعي”.

الثالث: كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن موسكو وطِهران تُخطّطان لبناء مصنع في روسيا لإنتاج آلاف المُسيّرات (6 آلاف مُسيّرة سنويًّا) وأن وفدًا إيرانيًّا رفيع المُستوى برئاسة اللواء عبد الله محرابي رئيس مُؤسّسة الجِهاد لأبحاث سِلاح الفضاء والاكتِفاء الذّاتي في حرس الثورة وكذلك الجِنرال قاسم دما دانيديان الرئيس التنفيذي لصِناعة طيران القدس وصل إلى العاصمة الروسيّة للإشراف على عمليّة البِناء للمصنع المذكور.

هذه التطوّرات تكشف استعدادات عسكريّة إيرانيّة مُتقدّمة جدًّا، مثلما تعكس أيضًا شراكة دفاعيّة إيرانيّة روسيّة مُتكاملة عُنوانها الأبرز التّبادل التّكنولوجي في القِطاعات كافّة، ومن غير المُستَبعد أن نقرأ قريبًا جدًّا تقارير تتحدّث عن بناء مصانع لإنتاج منظومات صواريخ “إس 400″، وربّما “إس 500” الروسيّة في طِهران، والاتّفاق على بيعها، أيّ إيران، أحدث المُقاتلات الروسيّة وخاصّةً “سوخوي 35” التي تتفوّق على طائرة الشّبح الأمريكيّة “إس 35”.

***

الرّد الإيراني على عُدوانِ أصفهان الإسرائيلي قد يأتي في أشكالٍ مُتَعدّدة سواءً بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، في العُمُق الإسرائيلي، أو في الدّول المُتحالفة معه، تقليديًّا أو سيبرانيًّا، وعلينا أن نتذكّر قصف قاعدة عين الأسد الأمريكيّة في العِراق، كانتِقامٍ “أوّليّ” لاغتِيال قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، وضرب السّفن الإسرائيليّة في بحر العرب، وإسقاط المُسيّرة التجسّسيّة الأمريكيّة “غلوبال هوك” من على ارتِفاع 20 كيلومترًا فوق مضيق هرمز.

لا نكشف سِرًّا عندما نقول إن الانتِقام الإيراني يتم في الأرض المُحتلّة بصفةٍ شِبْه يوميّة حتّى أن أحد الخُبراء الفِلسطينيين قال لنا إنّ كُلّ رصاصة يتمّ إطلاقها على قوّات الاحتِلال مصنوعة في إيران، ومُعظم البنادق المُهرّبة تقف خلفها إيران وأذرعها وحُلفاؤها، وهُناك تقارير عسكريّة أردنيّة تُؤكّد أن إيران باتت اللّاعب الأقوى في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة.

بنيامين نِتنياهو الذي يضع ضرب إيران وبرامجها النوويّة والصاروخيّة على قمّة أولويّاته تعرّض لعمليّة “لجمٍ” من قِبَل الإدارة الأمريكيّة التي أرسلت إليه ثلاثة مسؤولين “لإخراسه”، ابتداءً من جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي، ومُرورًا بوليام بيرنز رئيس المُخابرات المركزيّة (سي آي إيه)، وانتهاءً بانتوني بلينكن وزير الخارجيّة، وإيصال رسالة واضحة له بأنّه غير مُرحّبٍ به في واشنطن حتّى الآن على الأقل، وتُحذّره من أيّ تحرّشٍ بإيران في الوقتِ الرّاهن على الأقل في ظِل تَصاعُد الحرب الأوكرانيّة.

موازين القُوّة تتغيّر بسُرعةٍ في مِنطقتنا ولغير صالح دولة الاحتِلال، والفضْل في ذلك يعود للتّرسانة العسكريّة الإيرانيّة المُتطوّرة بشَكلّ مُتسارع، (40 ألف مُسيّرة على الأقل) وعندما يَرسُم الكاتب والمُحلّل الإسرائيلي ميخائيل بريزون، ويُؤيّده إيهود باراك سيناريو زوال “إسرائيل”، ويقول إنّها وصلت لمرحلة التّدمير والتّفكّك تدريجيًّا، مع تَصاعُد هُروب الحضاريين منها، فإنّ الكتابة واضحة على الحائط.. والأيّام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى