لماذا لا تستحق ذِكرى مُرور عام على توقيع اتّفاقات “سلام أبراهام” ..
بعد مرور عام على توقيع اتّفاقات أبراهام للتطبيع بين أربع دول عربيّة (الإمارات البحرين السودان والمغرب) ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، تبدو الأخيرة هي الرّابح الأكبر حتى الآن، لأنّها فتحت أسواقها وحُدودها أمام بضائع ومنتوجات الاحتِلال من أراضٍ ومِياه عربيّة مسروقة.
من الصّعب علينا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أن نتوقّع استِمرار حالة الدّفء “في العُلاقات بين هذه الدّول المُطبّعة ودولة الاحتِلال في السّنوات المُقبلة، خاصَّةً في ظِل الهزائم الإسرائيليّة “الميدانيّة” في غزّة والضفّة الغربيّة على أيدي فصائل المُقاومة، وحالة الضّعف المُتسارعة في أوساط المُؤسّستين العسكريّة والأمنيّة الإسرائيليّتين، بسبب ضربات المُقاومة الأخيرة المُوجعة.
أنتوني بلينكن، وزير الخارجيّة الأمريكي تعهّد أثناء تزعّمه احتِفالًا “باهتًا” بهذه المُناسبة (مُرور عام على الاتّفاقات) بحُضور وزراء خارجيّة الدّول الأربع المُطبّعة، عبر شبكة الانترنت، أنّه سيُشَجِّع مزيدًا من الدّول العربيّة للسّير على النّهج نفسه.
التطوّر الأبرز الذي يُمكِن رصده في عمليّة التّطبيع واتّفاقاته هذه هو حُدوث تغييرات ملموسة مُقلقة في مواقف الدّول المُطبّعة القديمة، مِثل الأردن ومِصر، من حيث انفتاحهما سياسيًّا واقتصاديًّا بصُورةٍ أكبر على تل أبيب، رُغم حالة الجُمود القاتِل التي تسود عمليّة السّلام، وزيادة التغوّل الاستِيطاني، والجرائم الإسرائيليّة التي تستهدف أبناء الشعب الفِلسطيني في الأراضي المُحتلّة.
كان رِهان الدّول المُطبّعة، قديمةً كانت أو حديثةً، ينصب على تبنّي نظريّة ثَبُتَ خطأها تقول إنّ الشعب الفِلسطيني استسلم، وتخلّى عن المُقاومة لتحرير أرضه، ولكنّ حرب غزّة الأخيرة دِفاعًا عن القدس التي أطلقت أثناءها فصائل المُقاومة أكثر من 4200 صاروخ على العُمُق الفِلسطيني المُحتَل، ونجاح عمليّة هُروب الأسرى من سجن جلبوع في كسر هيبة الأمن الإسرائيلي، ووصول المازوت الإيراني إلى لبنان دون أن تجرؤ إسرائيل على ضرب ناقلته أو صهاريج نقله، كُلّها مُؤشّرات تُنبِئ بمُستَقبلٍ قاتم للدّولة العبريّة وللمُطبّعين معها.
لا نعرف ما هي “المُغريات” التي سيستخدمها بلينكن كطُعمٍ لتشجيع دُوَلٍ أخرى للسّير على طريق التّطبيع نفسه مع دولة إسرائيليّة مُرتبكة ومُنهارة، وتعيش حالة من الرّعب والهلع حاليًّا ولا تستطيع تنفيذ أيّ من تهديداتها في لبنان وقطاع غزّة، وفي ظِل الهزائم المُتناسخة للحامية الأمريكيّة وما ترتّب عليها من انسِحاباتٍ مُهينةٍ من أفغانستان وقريبًا من سورية والعِراق.
الحُكومات العربيّة المُطبّعة ارتكبت إثم “أُمّ الكبائر” بتوقيعها اتّفاقات “سلام مُزوَّر” مع دولة عُنصريّة مُدانة بجرائمِ حربٍ ضدّ شُعوبٍ عربيّة في فِلسطين المُحتلّة ولبنان وسورية ومِصر والأردن، ولعلّ السّقوط الفاضح والمُخجِل لحُكومة العدالة والتنمية في انتِخابات المغرب البرلمانيّة الأخيرة، بسبب تصدّرها للتّوقيع هو مُؤشِّر لما يُمكِن أن يَحدُث لحُكومات ودول عربيّة أُخرى في المُستَقبل المنظور، فالشّعوب لا تنسى ولا تغفر.
مُرور عام على اتّفاقات التّطبيع مُناسَبة لا تستحقّ الاحتِفال، وإنّما إقامة سرادق العزاء لتقبّل التّعازي، وإذا اعتقد المُطبّعون أنّ إسرائيل يُمكِن أن تحميهم، وتحفظ أمنهم واستِقرارهم فَهُم مُخطِئون، لأنّها لم تَعُد تستطيع حماية نفسها.. والقادم أعظم.