لماذا من حقّ لابيد أن يقلقَ من الهُجوم على حاجِز شعفاط بالقدس المُحتلّة
انخِفاضُ صوت السّلطة وذهاب ريحها وعُلُوُّ صوتِ رصاص بنادق المُقاومة وتضخّم فاتورة تكاليف الاحتِلال الإسرائيلي يومًا بعد يوم، هي العناصر الثّلاثة الأبرز في المُعادلة الجديدة في الأراضي العربيّة الفِلسطينيّة المُحتلّة.
هُجوم شاب مُسلّح على حاجزٍ للجُنود الإسرائيليين في شعفاط بالقدس المُحتلّة أمس، وإطلاقه النّار عليهم من المسافة صِفر، والانسِحاب من المِنطقة في سيّارةٍ كانَ يستقلّها، هو المشهد الجديد المُتكرّر في مُختلف أنحاء الضفّة الغربيّة هذه الأيّام: في جنين، ونابلس، والقدس المحتلة، والحبْل على الجرّار.
المُقاومون الفِلسطينيّون للاحتِلال أحالوا قذْف الجُنود الإسرائيليين بالحِجارة والطّعن بالسّكاكين إلى التّقاعد، وبدأوا يستخدمون العُبوات النّاسفة والزّجاجات الحارقة والأسلحة الرشّاشة كبَديلٍ بعد أن تفاقمت أعمال القتل الإسرائيليّة الإجراميّة، والمُتعمّدة للأبرياء العُزّل في القدس والضفّة المُحتلّين حيث استشهد حواليّ 109 مُنذ بداية هذا العام.
الفِدائي الشّاب مُنفّذ عمليّة شعفاط التي أدّت إلى مقتل مُجنّدة وإصابة جُنديّين آخَرين، أحدهما إصابته خطيرة جدًّا، ما زال حُرًّا طليقًا ويَكمُن في مكانٍ آمنٍ حتّى كتابة هذه السّطور، الأمر الذي سيُطيل من رُعب وقلق الأجهزة الأمنيّة للاحتِلال، ويكشف هشاشة أجهزتهم التي يَدّعون أنها الأقوى، والأكثر فاعليّةً، وتنظيمًا في العالم، سيكشف مدى سُقوط بِضاعتهم الأمنيّة التي يُسَوّقون زيفها إلى العالم، ويجنون من ورائها المِليارات، وخاصَّةً في بعض البُلدان العربيّة المُطبّعة والمَهووسة أمنيًّا.
اشتِداد عود المُقاومة، وانبِعاثها من وسط رماد الخُنوع والاستِجداء، يعني بداية السّقوط السّريع لاتّفاقات أوسلو، والسّلطة التي وقّعتها، مثلما يعني أنّ التّنسيق الأمني الذي حمى المُستوطنين طِوال السّنوات الثّلاثين الماضية بدأ يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، وباتت صُفوفه تشهد صحوةً وطنيّةً تتعاظم مع تَعاظُم آلة القتْل الإسرائيليّة.
فصائل جديدة وخلايا شابّة مُستقلّة، مِثل مجموعات “عرين الأسود”، مُعظم قادَتها تحت سنّ الثّلاثين، وتتّخذ من البلدة القديمة في مدينة نابلس شماليّ الضفّة الغربيّة، مقرًّا لها، باتت تَفرِض نفسها على خريطة المُقاومة الجديدة، وتُولد من رحم القهْر والإحباط، وتعتمد أسلوبًا جديدًا حدثيًّا مُتَطَوِّرًا في كيفيّة مُواجهة الاحتِلال أحد أبرز أركانه الاكتِفاء الذّاتي الدّاخلي تسليحيًّا، والاستِقلاليّة الكاملة عن جميع الفصائل والتّنظيمات الهَرِمَة والمُترهّلة الجاثمة على صدر الشعب الفِلسطيني مُنذ إلقائها السّلاح، انتِظارًا لسَرابِ دولة أوسلو، واعتمادًا على الرّواتب والمُخصّصات الماليّة التحذيريّة والمَسمومة.
لعلّه ليس من قبيل الصّدفة أن تتعاظم الهجمات على جُنود الاحتِلال استقبالًا للسيّد حسين الشيخ العائد للتوّ من الولايات المتحدة بعد تتويجه من قِبَل حُكومتها خليفةً للرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس، والرّسالة واضحة تقول إنّ البَديل للسّلطة “المُحتَضِرة” هو المُقاومة المُسلّحة في جميع أنحاء الأراضي المُحتلّة وليس الضفّة الغربيّة والقدس وحدهما.
اللّافت أن هذه المُقاومة الجديدة الشابّة تُركّز في مُعظم عمليّاتها على الجُنود الإسرائيليين فقط، وتُحذّر من أنها ستلجأ إلى المُعاملةِ بالمِثْل إذا استمرّ العَدوّ في استِهداف المدنيين الفِلسطينيين بالقتْل والإهانات، وهُناك 800 ألف مُستوطن في الضفّة والقدس المُحتلّين باتَ الوصول إليْهُم سَهْلًا جدًّا في ظِل تدفّق الأسلحة الناريّة، سواءً تهريبًا من الخارج، أو تصنيعًا في الدّاخل.
عمليّة حاجز شعفاط المدروسة بعنايةٍ فائقة، وجرى تنفيذها وِفْق خطّةٍ مُحكَمةٍ، جاءت جرس إيقاظ للإسرائيليين وداعميهم، وأحزابهم السياسيّة قبل ثلاثة أسابيع من انتِخاباتهم الخامسة في أقلّ من سنتين، ومُساندة للمُقاومة اللبنانيّة في الشّمال، ودعمًا لها في جُهودها لتحرير الحُقول الغازيّة اللبنانيّة من بَراثنِ الاحتِلال.
المُقاومة الفِلسطينيّة تعود بقُوّةٍ، وتَجُبّ كُل ما قبْلها من عَفَنِ الاستِسلام والرّهان على أُكذوبَة أوسلو وعمليّة السّلام، ولن تتوقّف إلا بزوالِ هذا الاحتِلال.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية