لماذا نقلت أمريكا قواعدها البريّة من قطر إلى قاعدتها “الجديدة” في الأردن؟
أعلن جون كيربي المُتحدّث باسم وزارة الدّفاع الأمريكيّة (البنتاغون) يوم أمس عن إغلاق ثلاث قواعد عسكريّة في مِنطقة السيلية القطريّة كانت تُستَخدم كمُستودعات للذّخيرة والمعدّات الثّقيلة ودبّابات وعربات جُنود مُدرّعة، ونقلها جميعًا إلى الأردن، كما أعلن المُتحدّث كربي عن تأسيس مكتب تعاون أمني في قطر برئاسة الجِنرال كورتيس بازارد لدعم قوّات الدّفاع الوطني الأفغانيّة في كابول.
هذا الإعلان يَكشِف عن مُفاجآتٍ عديدة، وخطط أمريكا المُستقبليّة العسكريّة في منطقة الشرق الأوسط نُلخّصها في النّقاط الأربع التّالية:
أوّلًا: الإعلان وللمرّة الأولى عن وجود قاعدة أمريكيّة ضخمة في الأردن ستَكون مركزًا للقوّات والمعدّات الأمريكيّة الثّقيلة في الشّرق الأوسط، وكان قد جرى نشر تفاصيل بُنود المُعاهدة الأردنيّة الأمريكيّة التي تُنظّم هذه القاعدة “السريّة” وجُنودها في المجلّة الرسميّة الأردنيّة، ودُون اعتِمادها من البرلمان الأردني، بل ودُون علمه، وهذا أوّل تدشين أمريكي رسميّ لها.
ثانيًا: تأسيس هذه القاعدة ونقل المعدّات الثّقيلة والجُنود إليها من قطر إلى الأردن، جاء لتجنّب استِهدافها من صواريخ الفصائل المُوالية لإيران في العِراق، وتِكرار سِيناريو قصف قاعدة “عين الأسد” في الأنبار بعد اغتِيال قاسم سليماني الأمر الذي أدّى إلى سُقوط 100 جريح بإصاباتٍ في الدّماغ، ومن غير المُستَبعد أن تُشرِف وتُشارك هذه القاعدة الأمريكيّة في أيّ حرب بريّة في المُستقبل المنظور ضدّ إيران وربّما العِراق وسورية أيضًا، وهذا ما يُفَسِّر “بُرود” العُلاقات الأردنيّة مع إيران، وتأسيس تحالف إقليمي ثُلاثي أردني عِراقي مِصري تحت اسم “الشّام الجديد” بالتّنسيق مع الولايات المتحدة، وفرض حظر على السّياحة الشيعيّة إلى المزارات الدينيّة للأئمّة من آل البيت.
ثالثًا: يأتي هذا التحرّك بعد رفع الغِطاء العسكري الأمريكي الدّفاعي عن دُوَل الخليج والمملكة العربيّة السعوديّة تدريجيًّا، وإعادة تموضع منظوماتها الصاروخيّة إلى شرق آسيا لمُواجهة الخطر الصّيني، وأكّدت وزارة الدّفاع الأمريكيّة الأُسبوع الماضي نقل 8 بطاريّات صواريخ باتريوت من السعوديّة والأردن والعِراق والكويت دُون أن تُحَدِّد وِجهَتها بالدقّة الكافية.
رابعًا: ستظل القِيادة المركزيّة الأمريكيّة للقوّات الجويّة في الشّرق الأوسط على حالها في قاعدة العيديد في قطر مصحوبةً بمئة طائرة حربيّة، وهي القاعدة التي كانت مُنطَلقًا للهجَمات الجويّة الأمريكيّة على أفغانستان (ضدّ الطالبان في حرب 2001) والعِراق (في حرب 2003)، وسورية (عام 2011).
ما نُريد قوله إنّه جرى تقسيم مهام القواعد الأمريكيّة وتوزيعها على دولتين في الشّرق الأوسط بحيث يكون اختِصاص القاعدة الأمريكيّة في الأردن القِيام بدور رئيسي في أيّ حربٍ إقليميّة بريّة قادمة ضدّ إيران في حال انهِيار مُفاوضات الاتّفاق النووي في فيينا، أمّا قاعدة العيديد في قطر فسَتُواصل دورها كقاعدة جويّة أمريكيّة تُشرِف على المعارك، وتَنطلِق منها الطّائرات في جميع حُروب المنطقة المُستقبليّة مع إضافة قِيادة أمريكيّة بمُهمّة جديدة وهي مُواصلة الحرب ضدّ طالبان وتمويل وتجنيد المُعارضين لها وتسليحهم في مرحلةِ ما بعد انسِحاب القوّات الأمريكيّة كُلِّيًّا في شهر أيلول (سبتمبر) المُقبل.
اللّافت أنّه جرى تجاهل ذِكر المملكة العربيّة السعوديّة والكويت والبحرين وسلطنة عُمان في جميع هذه الخطط والمُتغيّرات، ممّا يطرح العديد من علامات الاستِفهام حول طبيعة النّوايا السّريّة الأمريكيّة المُستقبليّة في منطقة الخليج في عهد إدارة الرئيس بايدن.
يبدو أنّ الخريف المقبل سيكون ساخِنًا إقليميًّا بسبب خطط توزيع الأدوار الأمريكيّة الجديدة، وما يُمكن أن يترتّب عليه من تطوّراتٍ عسكريّة على وجه الخُصوص، فإيران وحُلفاؤها في سورية واليمن والعِراق ولبنان هُم الهدف الأكبر في جميع سيناريوهات هذه الاستراتيجيّة الأمريكيّة العسكريّة الجديدة، الأمر الذي قد يَنعكِس اضطراباتٍ داخليّة في الدّول التي ستُشَكِّل رأس الحربة فيها في ظِل تنبّؤات عديدة باحتماليّة عودة ثورات الرّبيع العربي المُحسَّنة والأكثر تركيزًا على القضايا الداخليّة والقوميّة معًا.
الحليف الرئيسي غير المُعلَن الذي سيكون له الدّور الأكبر في هذه المُخطّطات هي إسرائيل، ولا نَستبعِد انضِمامها قريبًا إلى محور التّنسيق العسكري الأمريكي الأكبَر في المِنطقة.. واللُه أعلم.