لماذا يتخوّف الجيش الإسرائيلي من خطة «الانقلاب القضائي»؟
كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» اليوم، عن مضمون مداولات سريّة عقدت في لجنة القانون والدستور في الكنيست، خلال شهر شباط الماضي، والتي عبّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون من كافة الأجهزة الامنية والعسكرية (الجيش، «الشاباك»، و«الموساد»، ومجلس الأمن القومي) في خلالها عن تخوّفهم من فقدان المحكمة العليا مكانتها القانونية دولياً، ما يؤثر على الحماية القانونية التي يتمتع فيها الاحتلال على مستوى الاستيطان وجرائم الحرب بحق الفلسطينيين.
وطبقاً للصحيفة، فإن المداولات المذكورة انعقدت على خلفية دفع الحكومة بخطة «الانقلاب القضائي» التي من شأنها أن تضعف من استقلاليّة المحكمة «العليا»، وتحدّ من صلاحياتها الرقابية على السلطات الأخرى، وبالتالي تفقد المحكمة المكانة القانونية والاحترام الذي تتمتع فيه على المستوى الدولي، ما يُعرّض ممارسات الاحتلال الإجرامية، من استيطان وقتل وانتهاك لحقوق الفلسطينيين، والتي ينفذها الجنود الإسرائيلييون، للمساءلة والملاحقة القانونية الدوليّة.
وخلال المداولات، قال ضابط رفيع المستوى إنه «في حال إضعاف مكانة المحكمة العليا، لن يكون بالإمكان مصادرة أراض فلسطينية لاحتياجات أمنية، مثل بناء جدار (الفصل العنصري)»، وذلك «تحسباً من ألا يُعترف بالمحكمة العليا، التي تشرعن هذه الممارسات، على أنها محكمة مستقلة وقوية». ما يعني أنه في حالة كهذه قد يُتهم العاملون في بناء جدار الفصل العنصري، والجنود الذين يحرسون الضباط المسؤولين، بارتكاب جرائم حرب، وفقاً للمحكمة الجنائية الدولية، بموجب القانون الدولي.
وفي الإطار، نقلت الصحيفة عن مسؤول أمني شارك في المداولات قوله إن «المحكمة العليا تتمتع بمكانة مرموقة على المستوى الدولي (نتيجة لـ”الاستقلاليّة” التي تتمتع فيها في ظل النظام القائم). وإذا تم تعيين قضاة موالين للسلطة، فإن مكانتها الدوليّة ستتضرر، والدرع الواقي لدولة إسرائيل مقابل الوضع في المناطق (المحتلة) سيخترق (لأنها ستصبح مُسيّسة»؛ إذ تطرقت المدولات إلى جرائم حرب اتركبها الجيش الإسرائيلي في خلال مسيرات العودة عن السياج الأمني الفاصل بين غزّة وبقية الأراضي المحتلة، والتي استشهد خلالها مئات الفلسطينيين العُزّل.
وكانت «العليا» قد رفضت الالتماسات ضد أنظمة إطلاق النار في الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين خلال المسيرات، مبقيّة على على هذه الأنظمة. وكان رئيس الاركان الحالي، هرتسي هليفي، في حينه، مدعى عليه في تلك الالتماسات، بصفته قائد المنطقة الجنوبية آنذاك. وبناء على ما تقدم، لفت المسؤولون خلال المداولات إلى أنه «لولا حماية المحكمة العليا لسياسته، لوجد هليفي نفسه اليوم متهماً بجرائم حرب، إذ أن القانون الدولي يحظر إطلاق رصاص حي على مثيري أعمال شغب غير مسلحين».
وأوضح مسؤول أمني رفيع شارك في المداولات أن الفلسطينيون يبادرون طوال الوقت لفتح تحقيقات ضد الجيش الإسرائيلي في المحكمة الدولية، وحتى الآن النيابة العسكرية ووزارة الخارجية يستخدمون علاقات غير رسمية لإحباط مثل هذه المحاولات، معللاً «هذا يحدث لأن أجهزة إنفاذ القانون والقضاء في إسرائيل تحظى بثقة كبيرة في العالم». وأضاف المسؤول للصحيفة، أن كل المشاركين في المداولات أجمعوا على أن «المس بسمعة المحكمة العليا سيلحق ضرراً بالجيش الإسرائيلي وجميع من يخدم فيه».
وخلال المداولات، طرح مندوبو الجيش الإسرائيلي قضية الغارات الجوية التي يقصف بها سلاح الجو الاسرائيلي من الطائرات الحربية مناطق سكنية مكتظة في غزة والتي أسفرت عن استشهاد آلاف الفلسطينيين وغالبيتهم من المدنيين العُزّل، لافتين إلى أن «خبراء القانون الدولي يشاركون في التخطيط لهذه الغارات ويشرعنونها بالاستناد إلى قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية».
وطبقاً لما نقلته الصحيفة عن خبير قانوني عسكري شارك في المداولات السرية، فإن «الاغتيالات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي من الجو حصلت بموجب دعم المحكمة العليا التي تُعد عالمياً رائدة في مجالها، وبالتالي فإن التخوف نابع من أنه في حال نظرت العليا في التماس جديد (بعد تنفيذ خطة الانقلاب القضائي)، لن يصمد التصريح والمصادقة على عمليات كهذه في الحلبة الدولية، كما أن أي طيار سيشن غارة من هذا النوع، سيجد نفسه متهماً بجريمة حرب خارج إسرائيل».
في غضون ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن هليفي أطلع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، على موقف المدعية العامة العسكرية، ييفعات تومر – ييروشلمي، والقاضي بأنه في حال نشوء أزمة دستورية وتناقض بين تعليمات الحكومة وقرارت «العليا»، فإن «الجيش الإسرائيلي سيعمل بموجب القانون»، أي وفقاً لقرارات المحكمة.
إلى ذلك، قال عضو الكنيست من حزب «هناك مستقبل»، يوآف سيغالوفيتش، والذي بادر إلى عقد المداولات السرية في شباط الماضي، إنه منذ ذلك الحين «لم تعقد مداولات أخرى كما أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) لم يناقش هذا الموضوع، ولم تفعل ذلك الحكومة بكامل هيئتها ولا مجلس الأمن القومي».
صحيفة الأخبار اللبنانية