لماذا يَحرِص الرئيس عبّاس على الشّباب الإسرائيليّ ومُستقبله أكثر من حرصِه على الشّباب الفِلسطينيّ؟
نعتَرِف بدايةً بأنّنا لم نَعُد نُتابع مُؤتمرات الرئيس الفِلسطيني محمود عباس واجتماعاته التي يعقِدها سواءً للمجلس الوطنيّ، أو المركزيّ، أو ثوري حركة فتح، لأنّنا بتنا، ومُعظم أبناء الشعب الفلسطينيّ، على قناعةٍ راسخةٍ بأنّها بِلا أيّ قيمة حقيقيّة، وجميع قراراتها بوقف التّنسيق الأمنيّ، أو سحب الاعتراف بدولة إسرائيل ليس لها أيّ قيمة حقيقيّة، ولن تُنَفّذ مُطلقًا على الأرض، فمن يقطع مُرتّبات أكثر من خمسة آلاف مُوظّف من أنصار حركة حماس ومُوظّفيها في قِطاع غزّة، ويُوقِف مُكافآت الأسرى في سُجون الاحتلال، ومعونات الأدوية ووقود محطّة الكهرباء اليتيمة في قطاع غزة، لا يُمكِن أن يوقف تنسيقًا أمنيًّا أو يسحب اعترافًا، أو يتمسّك بالمشروع الوطنيّ الفِلسطينيّ.
ما استفزّنا، وجعلنا نكسر هذا الموقف بطريقةٍ استثنائيّة ما ورد في الخِطاب الذي ألقاه الرئيس عبّاس في جلسة افتتاح ما يسمى بمنتدى الحريّة والسلام الفلسطيني في مقر السلطة في مدينة رام الله، الذي ضم شخصيّات فلسطينيّة وإسرائيليّة، من عبارات صادمة حيث أكّد بالصّوت والصّورة، كذِب كُل الادّعاءات التي تُردّدها الصحافة الإسرائيليّة وتتّهمه بأنّه يُريد إعادة خمسة ملايين لاجِئ لتدمير دولة إسرائيل، وقال “نحن لا نسعى ولن نعمل على إغراق إسرائيل بالملايين.. هذا هُراء.. نحن نعمل من أجل مُستقبل شباب إسرائيل.. ونُقدّر حساسيّة إسرائيل تُجاه الأمن، وخوفها من المُستقبل والتطرّف، ونقبل بحلف الناتو ليقوم بمُهمّة تأمين الأمن للطّرفين، ونتمسّك بكُل اتفاقاتنا الأمنيّة لمُواجهة خطر الإرهاب”.
لا نفهم الأسباب التي دعت الرئيس عبّاس لإطلاق هذه التّصريحات وما احتوته من تنازلات مجانيّة، فلا يوجد مؤتمر للسلام، والدولة العبريّة تقف على حافّة انتخابات تشريعيّة تُؤكّد مُعظم استِطلاعات الرأي أنّ حزب الليكود بزعامة بنيامين نِتنياهو سيفوز فيها ويعود إلى السلطة أكثر قوّة، وبتفويضٍ أوسع لمُواصلة سياساتِه الاستيطانيّة، مُضافًا إلى ذلك أنّ سلطة الرئيس عبّاس اتّخذت موقفًا بمُقاطعة مؤتمر وارسو للسّلام والأمن في الشرق الأوسط، لأنّه لا يقوم على أُسسِ الشرعيّة الدوليّة، فلمَن، ومن أجل ماذا، يُقدّم الرئيس عبّاس هذه التّنازلات المجّانيّة، هل لحماية نفسه؟ وإطالة عُمر سُلطَته بِضعَة أشهر؟
مُؤسف أن يُبدي الرئيس عبّاس حرصًا شديدًا على شباب دولة إسرائيل ومُستقبلهم، ويرفُض إغراق الدولة العبريّة بخمسة ملايين “مُهاجر” للحِفاظ على أمنها واستقرارها والحيلولة دون تدميرها، ولا يُبدي الحِرص نفسه على مُعظم الشّباب الفِلسطيني في الوطن، وخاصَّةً في قِطاع غزّة حيثُ آلاف الشّباب يغرقون في البِطالة، والآن سيُواجهون الجُوع بعد قطع مُرتّبات آبائهم الذين يُوفّرون لهم لقمة الخُبز الحاف.
نُذَكِّر الرئيس عبّاس، بأنّ هؤلاء اللاجئين الذين يتحدّث عنهم ليسُوا قادِمين من باكستان، والهند، وأفغانستان، بحثًا عن ملاذٍ آمن، وفُرصة عمل تحسن ظُروفهم وأسرهم المعيشيّة، وإنُما من أبناء فِلسطين الذين مارَست الحركات الإرهابيّة الصهيونيّة التّطهير العرقيّ ضدهم، وإخراجهم من قُراهم ومُدنهم قبل عام 1948، وأن الثّورة الفلسطينيّة التي أطلقت حركة “فتح” رصاصتها الأُولى عام 1965، انطَلقت من مُخيّمات اللّاجئين، وبهدف إعادتهم إلى أرضهم في يافا وحيفا وعكّا وعسقلان وصفد.
لا يَخفَى علينا أنّ الرئيس عبّاس وأُسرَتِه من بين هؤلاء، ولكنّه لا يُريد الانتِساب إليهم، وتنازَل عن صفته كلاجِئ، ولكن خمسة ملايين لاجِئ فِلسطيني يعيشون في الوطن والشّتات لن يتنازلوا عنه مهما طال الزّمن، وطالت المُعاناة، وسيُوَرّثون هذه الصّفة المُشرّفة إلى أبنائهم وأحفادهم.
الإسرائيليّون، وبحُكم التّجربة، لا يشترون هذه المواقف من الرئيس عبّاس، لأنّهم لا يفهمون إلا لغة المُقاومة بأشكالِها كافّة، وهي المُقاومة التي أوصَلت الرئيس عبّاس وسُلطَته إلى رام الله، والتّنازلات المجّانيّة هذه هي التي ستُخرِجُه منها.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية