مأساة غزة، وهي تعيد خلط الأوراق في المنطقة
أعادت حرب غزة الجميع إلى السؤال الأساسي : وماذا بعد ؟!
وهذه العبارة تنسف تلقائيا مسلسلات الإحباط التي أحاطت بمجموع قضايا المنطقة المرتبطة عضوياً بقضايا عالمية في التوازن الدولي، فقد استجلبت الحرب التي أعادت مأساة الإنسان الفلسطيني إلى الصدارة ، استجلبت مأساة الإنسان السوري واليمني والعراقي واللبناني والواقع العربي برمته بغض النظر عن إرادات صانعي القرار السياسي العربي.
وليس أدل على ذلك من ردود الفعل الواسعة عالمياً وإقليميا والتي أخذت طابعاً شعبياً ملحوظا مثيراً للاهتمام، وعلى الجانب الأخر، ظهرت إسرائيل المحتفية بتطبيع عربي واسع لم يسبق له مثيل وكأنها تعود إلى الصفر بمظهر آخر، فالهدوء الطويل غي غزة أعقبه بركان داخلي لم يكن في حسابات المحللين، والترويج الكبير القائل بأن الأمان الوحيد في المنطقة هو في النموذج الإسرائيلي، لم يعد يحمل تلك المصداقية، فصور الدمار في غزة والضحايا الذين ينتشلون من تحت الأنقاض، وصور الحرائق والخوف وأصوات صفارات الإنذار في المدن الإسرائيلية ، غير تلك الوجهة في التحليل، وعلى ذلك ، من حق التحليل السياسي أن يسأل ماذا بعد ؟!
الجواب، يعيد فتح الملفات كلها، بدءاً من السياسة الأمريكية إلى الملف الإيراني إلى العلاقات العربية ــ العربية إلى أفق الحل في بؤر التوتر في المنطقة (سورية، اليمن، لبنان ، العراق)، وصولا إلى أزمات المياه التي تتوهج ببطء.
وهنا تتداخل القضايا، ويغدو أن من الضروري طرحها على مائدة واحدة، لئلا تضيع البوصلة، وتتشظى الأزمات فتولد حروبا جديدة، فكيف يمكن لنا أن نتصور المرحلة القادمة ؟
المرحلة القادمة، ساخنة، وسخونتها ناتجة عن محاولة الجميع الاستئثار بالنتائج، ومن ثم إيجاد مخرج لمأزق كبير إقليمي ودولي، وهو قائم أصلاً على إعادة تقييم كل السياسات القائمة، وإعادة فتح مداولات قد تأخذ زمناً كبيراً، وأهم ماسنراه في هذه المداولات، هو إما العودة إلى الصفر، أو إنتاج عقل جديد في التعامل مع الأزمات المطروحة .
نعم، العالم بحاجة إلى عقل جديد، والمنطقة بحاجة إلى إعادة ترتيب في أوراقها، والقوى الفاعلة ينبغي أن تستثمر نتائج الأيام التي مرت لا من أجل إعلان انتصارات، وإنما من أجل الاعتراف بأن العقد ينبغي أن تحل.
والسؤال هنا ، من سيكسب الجولة ومن سيربح، وما هو معيار الربح والخسارة ، وهل نحن فعلاً أمام هذه المعادلة؟ الجواب بسيط، فالمنطقة كانت بحاجة إلى هزة كبيرة كهذه التي حصلت لتقوم هذه الهزة بالتذكير بأن ما يحصل لا يجلب الاستقرار إلى العالم ، وأن الشتات العربي وعدم الاستقرار قادران على نقل قضاياه إلى الواجهة في لحظة التفجر، ويفترض هنا تشكيل رأي عام خلاّق يستطيع خلط الأوراق وإنتاج واقع جديد .
هل هي ملاحظة متفائلة، دفع ثمنها الشعب الفلسطيني؟
ربما، ولكن الأهم هو انتباه العرب إلى أن المعطيات قد تغيرت ، وعليهم التعاطي مع هذه المتغيرات !