“مؤسسات” الملك تنتصر.. مجلس الأعيان يدخل بعنفٍ على خط الأزمة فهل ينزل “الجميع” عن الشجرة؟
رغم تأخر مؤسسة البرلمان في الحالة الأردنية عن التدخل بالأزمة، والموقف الذي اعتُبر متخاذلاً للغرفة التشريعية الأولى فيه (النواب)، إلا انه وغداة عودة الملك عبد الله الثاني للبلاد (ليلة السبت الاحد) دخل مجلسه المُعيّن (مجلس الاعيان) على خط الازمة، وبصورة سريعة ليرفع توصيتين يُعلي فيهما الانطباع مجدداً ان مؤسسات المَلِك أقرب إلى الشارع منها للحكومة.
مجلس الأعيان وبرئاسة رئيس الوزراء الاسبق فيصل الفايز توافق على توصيتين للملك ليختار احداهما، الاولى الايعاز للحكومة بسحب القانون لبدء الحوار الوطني الذي طالب فيه عاهل الاردن ذاته، والثانية الامر بدورة استثنائية للبرلمان خلال اليومين المقبلين ليرد فيها مجلس النواب مع الاعيان القانون ويبدأ ايضاً الحوار الوطني.
بهذا المعنى يتخذ مجلس الملك الخطوة الأجرأ منذ بداية الازمة مع الحكومة، ومنذ اندلاع الاضراب فالاحتجاجات، الامر الذي يوحي برغبة الاول بتصدّر المشهد وانزال الجميع عن الشجرة بصورة دستورية وقانونية ودون ان يصل اي طرف الى حائط مسدود.
لاحقاً للاعيان، تحرك مجلس النواب مجددا، وتراجع رئيسه المهندس عاطف الطراونة عن تصريحاته السبت ليؤكد ان المجلس سيستأذن الملك بتقديم موعد الدورة الاستثنائية وان رد تعديلات الضريبة هو الرأي الغالب لدى مجلس النواب، وفق تصريحات نقلها موقع القوات المسلحة الاردنية “هلا أخبار”، الا ان النواب- كالعادة- وصل متأخراً جداً.
في اجتماع مجلس الاعيان، قال الرئيس الاسبق للحكومة الاردنية العين الدكتور عبد الله النسور كلمة السر التي تفتح على المُلقي “أبواب جهنم”- كما يُقال-، فالاول والمعروف انه “عراب رفع الاسعار” والداهية السياسي قال:” قانون ضريبة الدخل لا يمكن أن يمر بصيغته الحالية لأنه يفرض زيادة على الضرائب المفروضة مقدارها 1 بالمئة من الناتج القومي الاجمالي، وهو أمر لا يمكن ان يقره اي اقتصادي او سياسي أو مفكر او إعلامي.”
الشطر الثاني من الجملة وجه فيه النسور الضربة القاسمة لخلفه الدكتور هاني الملقي، ومن مظلة الملك ومجلسه، وهو من يقرأ الرسالات والاشارات جيداً.
حين يتحرك مجلس الملك، فالإشارة واضحة: عاهل الاردن يريد لمؤسساته الانتصار للشارع هذه المرة، ولا يريدها لنفسه، والذي عزز ذلك لاحقاً كان ان ولي العهد (ابن الملك) الامير الحسين، الذي التقطت “رأي اليوم” انه يتسلم سلطاته السياسية باكراً هذا الاسبوع، كان متواجداً بعد مطالبة الاعيان في المركز الوطني لإدارة الازمات، ثم طالب الملك عبد الله الثاني من رئيس الحكومة الدكتور هاني الملقي المثول بين يديه صباح الاثنين.
استقالة الحكومة على ما يبدو باتت قاب قوسين أو أدنى، وطلب الملك مثول الملقي بين يديه، يعني ان رئيس الحكومة شخصياً ذهب ككبش فداء، في حين بورصة اسماء خلفه، ترجح – كما ذكرت “رأي اليوم” باكراً- الدكتور عمر الرزاز وزير التربية والتعليم الحالي ليقود “حكومة الانقاذ”.
الرزاز طبعاً ذو خلفية اقتصادية وسياسية فكرية مهمة، فقد شغل منصب مدير مكتب البنك الدولي (اساس الازمة الحالية) في لبنان سابقا، كما ترأس منتدى الاستراتيجيات وكان مديراً عاماً لمؤسسة الضمان، إلى جانب نجاحه اليوم كوزير تربية وتعليم لكونه عمل اصلا على استراتيجية العمل والتشغيل التي تعاملت مع فكرة تنمية الموارد البشرية، كما انه مشهودٌ له بنظافة اليد والقرب من الجميع، ويمكن له ان يشكّل مخرجاً “من خارج الصندوق” في أزمة كالتي تشهدها البلاد.
ترجيح الرزاز لدى مصادر “رأي اليوم” لا يمنع توقّع أي مفاجأة جديدة من وزن أن يشهد الشارع عودة لرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز كرئيس حكومة بعد الموقف القوي الذي صدر عنه اليوم، أو حتى الرئيس الاقتصادي الرفيع سمير الرفاعي، والذي يحمل بكل الاحوال برنامجاً اقتصادياً واضحاً يمكن ان يسهم في الخروج من عنق الزجاجة.
لماذا الآن؟
السؤال الابرز المتبادر لذهن المراقبين هو “لماذا الان” وليس قبل ذلك، وليس مثلاً فور وصول الملك عبد الله للعاصمة الاردنية ليلة السبت الاحد. الاجابة قد تكون ان السبب هو الاستمرار بالحراك رغم بدء الاسبوع الاردني للعمل (يوم الاحد هو اول ايام العمل الرسمية من كل اسبوع في المؤسسات الاردنية) وفي رمضان من جهة، ومن أخرى أن عاهل الاردن لا يريد أصلا ان يعيد عمان العاصمة لاجواء “حراك ربيعية” كالتي حصلت عام 2011، وبذلك فتأجيل المهمة يوما اضافياً تزامنا مع بدء الروتين اليومي، منح الفرصة لدخول مجلس الملك على خط الازمة واقراره توصيات “رسمية”.
بهذه الحالة، يسقط “شخص الرئيس” وليس مؤسسة الحكومة ومعها البرلمان- كما كانت مطالبات الشارع-، فالاخير على الاقل تداركه مجلس الملك وحفظ له ماء وجهه، كما ان الرئيس ذاته “هاني الملقي” رفع عن نفسه الغطاء وهو يقول: “من عيّنني يقيلني” في نبرة تحدّت الشارع، رغم ان هناك اجماعٌ اصلا على “ضعفه” في ادارة العديد من الملفات.
أما الشارع..
يحصل كل هذا في الاردن في الوقت الذي لا يزال فيه المتظاهرون مستمرون في الشوارع وفي محيط الدوار الرابع (منطقة دار رئاسة الوزراء)، وفي المحافظات، كما اعلنت النقابات المهنية الاربعاء اضراباً عاماً، أي انها صعّدت من احتجاجها لتلحق بموجة الغضب في الشارع.
الامن الاردني والدرك ساهموا بصورة واضحة في حماية مظاهر “السلمية” في الحراك الاردني، لا بل وبدا ان الحراك فيه الكثير من الهموم المشتركة بين الجانبين، كما ظهرت مشاهد من الاردن الحقيقي والمتنوع، حيث فتاة شابة تهتف على اكتاف المتظاهرين وشاب يعبّر عن رفضه بالموسيقى، واخر يعلن لمحبوبته انه يحبها جدا ويتعذر لعدم لقائها لانه “يحب الاردن اكثر”.
كل هؤلاء كانوا “في منازلهم” في الحراك الاردني عام 2011، حيث من خرجوا هذه المرة هم وبإجماع المراقبين “الاكثرية الصامتة” والتي مساسها من المساس بالنظام نفسه، فهم من لم يرغبوا بتغيير النظام ولا تعنيهم جدا الاصلاحات السياسية، هؤلاء هم الطبقة الوسطى التي حركتها “غريزة البقاء” ويبدو ان مؤسسة الحكم فهمت ذلك قبل المؤسسات الاخرى، وهذه ايضا: حكاية أخرى!.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية