ولاية ترامب الثانية ستواجه تحدّيات جديدة، ليس أقلّها الحربان اللّتان تخوضهما الولايات المتّحدة بعمق في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
هيئة التحرير في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تنشر تقريراً تحدثت فيه عن كيف يمكن أن تكون السياسة الخارجية الأميركية في فترة رئاسة دونالد ترامب مع عدد من القضايا أهمها العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، والعلاقات مع إيران والصين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
يُشكّل فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالمقعد الرئاسي مرّة ثانية، بداية رحلة أفعوانية أخرى مليئة بالتقلّبات في السياسة الخارجية الأميركية. وهو يستعدّ لاستلام منصبه خلال أسابيع، لمراجعة السمات الخاصّة التي ميّزت ولايته الأولى، من الحرب التجارية مع الصين، إلى النهج السياسي الموسوم بالشكوك العميقة تجاه التعدّدية، والولع بالرجال الأقوياء، والأسلوب المتمرّد على التقاليد في دبلوماسية إبرام الصفقات.
مع ذلك، ولاية ترامب الثانية ستواجه تحدّيات جديدة، ليس أقلّها الحربان اللّتان تخوضهما الولايات المتّحدة بعمق في الشرق الأوسط وأوكرانيا. وقد وعد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل أن يتولّى منصبه، ولكن في الوقت ذاته، لم يُقدّم بعد أي خطّة مُفصّلة، كما إن خطّته لإحلال السلام في الشرق الأوسط غامضة أيضاً. ولا بدّ من مُراجعة سجّله الحافل بتصريحاته وتصريحات مُستشاريه لتقديم أدلّة حول ما يحمله مستقبل السياسة الخارجية الأميركية. فكما أظهرت فترة ولاية ترامب الأولى، أنّ نزواته الشخصية تتناقض في كثير من الأحيان مع أجندة مستشاريه، وهذه المرّةِ، قد تكون قبضته على عجلة القيادة أكثر إحكاماً كرئيس للمرة الثانية، ومن المرجح أن يكون تحت إشراف دائرة أكثر ولاء من المستشارين في ولايته الأولى.
الصين
في المواجهة مع الصين قد يتّجِه ترامب لفرض ضغوط مُنسّقة على بكّين. وربّما ينطلق ترامب من نقطة تايوان، التي تحدّث عنها بشكل مُتكرّرٍ خِلالَ حَمْلَتِهِ الاِنْتِخابِيَّةِ، وَأَرْخَى بِظِلالٍ مِن الشُكُوكِ عَنْ مَدَى الدَعْمِ الأَمْيرِكِيِّ لَها فِي المُسْتَقْبَلِ، “تايْوان لا تُقدّم لنا أيّ شيء، بل إنّها تُقدّم لنا الخدمات التي تُقدّمُها لنا العديد من الدول الأخرى، وكما تعلمون، فنحن لا نختلف عن شركات التأمين، تايْوان لا تُقدّم لنا أيّ شيء”. وقد دفعت مثل هذه التصريحات بعض الخبراء في الصين إلى الاعتقاد، بأنّ ترامب سوف يسعى إلى إبرام نوع من الاتّفاق مع تايوان في مقابل المزيد من الدعم الدفاعي الأميركي. ويبلغ الإنفاق العسكري فِي جزيرة تايوان نحو 2.6% من ناتجها المحلّي الإجمالي اليوم، وقد يطلب ترامب منها زيادة هذا الرقم، كما اقترح مستشار الأمن القومي السابق لترامب روبرت أوبراين ومسؤول الدفاع الكبير البريدج كولبي. وكانت الصين قد استثمرت بالفعل أكثر من 65 مليار دولار في مصانع جديدة تقع في ولاية أريزونا، لكنّ ترامب قد يدفع نحو المزيد من الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الأميركي، بحسب ما يقوله خبراء تايوانيون.
ومع أنّ ترامب ميّال لإبرام الصفقات المعقّدة، إلّا أنّه من غير المرجّح أن يتخلّى فعلياً عن دعمه لتايوان. كذلك، ثمّة مُؤيّد قوي لتايوان بين كبار مُستشاريه المحتملين هو وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، الذي دعا في الماضي إلى الاعتراف رسمياً باستقلال تايوان. مع ذلك، يتمسّك ترامب بسياسة الغموض الاستراتيجي التي تنتهجها الولايات المتّحدة منذ فترة طويلة بالإجابة عن سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم تايوان أم لا. فلا شكّ، أن الجيش الأميركي سوف يدافع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني أو حصار عليها، ولكنّ عدم القدرة على توقع تصرّفات ترامب الشخصية تضفي على الغموض المشار إليه نكهة خاصّة، سواء كانت استراتيجية أم لا. وكان ترامب قد أجاب عن سؤال دعم تايوان في حال تعرّضها لهجوم: “لن أضطرّ إلى ذلك، لأنّ الرئيس الصيني يحترمني ويعرف أنّني مجنون”.
إنّ الأصوات التي ستؤثّر في النهاية على حكومة ترامب سوف تؤثّر أيضاً على سياسة إدارته تجاه الصين. وكما ذكرت مجلّة “فورين بوليسي” في وقت سابق، فإنّ صقور الحزب الجمهوري، مُنقسمون حول مدى المنافسة الوجودية مع الصين، والحاجة الفعلية لفصل الاقتصادين عن بعضهما. وكما حدث في فترة ولاية ترامب الأولى على جبهة المعركة هذه سوف تعود معه بالتأكيد إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية. وقد تلعب العلاقة الشخصية التي تربط ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ، دوراً في تشكل السياسة بين البلدين أيضاً. ولقد أعرب الرئيس المنتخب بشكل متكرّر عن إعجابه بالرئيس شي: “أنا أحترم الرئيس شي كثيراً. لقد تعرّفت عليه جيّداً. وأعجبت به، وهو رجل قوي وأحببته كثيراً”. كلّ ذلك يرجّح استعداد ترامب لمقاومة سياسة إدارته لصالح مهر السياسات بعلامته الشخصية، وقد يحدث هذا مجدّداً في سعيه إلى التوصّل إلى اتّفاق تجاري ثان مع الصين.
الحرب على غزة ولبنان والعلاقات مع إيران
ما لم تُحلّ حروب “إسرائيل” مع حركة حماس في غزّة وحزب الله في لبنان بشكل تامّ قبل تنصيب ترامب، وهو أمر يبدو غير مرجّحٍ، فستكون إحدى القضايا الأكثر إلحاحاً في السياسة الخارجية على مكتبه هي التوتّرات المتصاعدة في الشرق الأوسط. ولقد تحدّث الرئيس المنتخب عن ضرورة إنهاء الحرب في غزّة، مُدّعِياً أنّهُ قال لبنيامين نتنياهو “احصل على نصرك لأنّ القتل يجب أن يتوقّف”.
من غير الواضح ما هو الدور الذي ستلعبه إدارة ترامب إن وجد، في محاولة إنهاء هذه الحرب. وكان ترامب قد انتقد دعوة فريق بايدن إلى وقف إطلاق النار، ووصفها بأنّها مُحاولة “لربط يد إسرائيل من خلف ظهرها”. واعتبر بأنّ وقف إطلاق النار لن يؤدّي إلّا إلى منح حركة حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها. وخلال فترة ولايته الأولى دعم ترامب خطابيّاً حلّ الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، في حين وضع إبهامه على الميزان، فمنح “إسرائيل” سلسلة من الجوائز السياسية التي طالما سعت إليها، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية والإعلان عن أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية لا تنتهك القانون الدولي. وكان ترامب قد قال في وقت سابق، إنّه “حارب من أجل إسرائيل كما لم يفعل أيّ رئيس من قبل”، بإشارة إلى دور إدارته في التوسّط في اتّفاقيات “أبراهام”، وهي سلسلة من صفقات التطبيع بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية.
مع ذلك ساءت الأمور بين ترامب ونتنياهو بعد تهنئة الأخير لبايدن على فوزه في انتخابات العام 2020 بعد يوم من إعلان النتيجة، ما أثار غضب ترامب بشدة. وكانت لهجته تجاه “إسرائيل” في الأشهر الأخيرة انتقادية في بعض الأحيان، حيث حذّر ترامب من أنّ الولايات المتّحِدة “تخسر حرب العلاقات العامة” في غزّة.
يتولّى ترامب ولايته الثانية في وقت تتصاعد الاشتباكات بين “إسرائيل” وحلفاء طهران في لبنان واليمن وغيرهما في الشرق الأوسط الواسع. وشهد هذا العام تبادل إطلاق النار المباشر بين “إسرائيل” وإيران لأوّل مرة، في حين سعت إدارة بايدن إلى تهدئة التوترات، وحثّت “إسرائيل” على عدم ضرب المنشآت النووية والطاقة الإيرانية في موجة الضربات الانتقامية الأخيرة، فمن المتوقّع أن يكون ترامب أقلّ حذراً، وقال في الشهر الماضي إنّ “إسرائيل يجب أن تردّ بقوّة على أيّ هجوم محتمل، اضرب النووي أوّلاً، ثمّ اهتمّ بالباقي لاحقاً”.
وَكانت إدارة ترامب الأولى قد اتّخذت موقفاً صارماً تُجاه إيران، فانسحبت من الاتّفاق النووي، وانتهجت سياسة “الضغط الأقصى” على طهران واغتالت قائد فيلق القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني في غارة جوّية في بغداد في العام 2020.
مع ذلك، وفي حديثه إلى الصحافيين مُؤخّراً، قال ترامب إنّه سيكون مُنفتحاً على إبرام اتفاق جديد مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي، “يتعيّن علينا إبرام اتّفاق، لأنّ العواقب مستحيلة”. وفي حين سعى ترامب إلى تقليص التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، فإنّه ليس رافضاً تماماً لاستخدام القوّة العسكرية الأميركية في السعي لتحقيق أهداف واضحة.
الحرب في أوكرانيا والعلاقات مع روسيا و”الناتو“
لطالما انتقد ترامب التمويل الأميركي لجهود الحرب في أوكرانيا، ودعا أوروبا إلى تحمّل المزيد من هذا العبء الكبير. ووصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنّه “أعظم بائع على وجه الأرض”. وأضاف أنّه لا يريد أن يُعلّق على مقدار الأموال التي تمكّنت كييف من الحصول عليها من إدارة بايدن، مشيراً إلى أنّ “هذا لا يعني أنّنِي لا أُرِيدُ مُساعَدَةَ زيلِينسْكِي”. ومع ذلك، أعرب ترامب عن شُكوكه في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا، ويزعم أنّ الأمر لن يستغرق منه سوى 24 ساعة للتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وسوف يقوم بذلك قبل تنصيبه بعد نحو شهرين ونصف. ولكن، تبقى التفاصيل شحيحة حول الكيفية التي ينوي بها إنهاء الحرب. وفي مقابلة أجريت معه في العام الماضي، قال ترامب أنّه سيجبر زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، من خلال إخبار الزعيم الأوكراني بأنّ كييف لن تحصل على المزيد من المساعدات الأميركية، وإبلاغ الزعيم الروسي بأنّ واشنطن ستزيد مساعداتها لأوكرانيا إلى حدّ كبير ما لم يُتوصّل إلى اتّفاق. ولم يتحدّث ترامب كثيراً عن الشكل الذي قد تبدو عليه التسوية التفاوضية، باستثناء أنّهُ يريد “رؤية صفقة عادلة”.
لكن، نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، قدّم بعض التفاصيل حول الشكل الذي قد تبدو عليه مثل هذه الصفقة. وقال إنّ ترامب سيترك للدولتين المتحاربتين وكذلك لأوروبا مُهمّة وضع تفاصيل اتّفاق السلام، الذي “من المرجّح أن يستلزم إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خطوط المعركة الحالية”، ما يسمح لأوكرانيا بالاحتفاظ بسيادتها مع إجبارها التخلّي عن بعض أراضيها التي تقع حالياً في أيدي موسكو، بالإضافة إلى ضمان بقاء أوكرانيا على الحياد، ما يعني أنّها لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي أو أيّ “منظومات حليفة” أخرى. مع ذلك، رأى المحلّلون إلى أنّ هذا يشبه إلى حدّ كبير الشروط التي وضعها بوتين لوقف إطلاق النار، والتي رفضتها أوكرانيا والعديد من داعميها، وفي مُقدّمتهم الولايات المتّحدة وإيطاليا وألمانيا.
دونالد ترامب ليس من داعمي حلف شمال الأطلسي الكبار، وأعضاء الحلف ليسوا من المعجبين به أيضاً، على خلفية انتقاده لهم بأنّهم لا يلبّون هدف الحدّ الأدنى من الإنفاق الدفاعي في الكتلة. حتّى إنّه شجّع روسيا على “فعل ما تُريد”. ويُذكر أنّ هناك 8 دول في حلف “الناتو” المكوّن من 32 دولة لا تلبّي شرط الإنفاق العسكري المذكور. وقبل الانتخابات الأميركية، حاول أعضاء “الناتو” تحصين الحلف من دونالد ترامب، خوفاً من أن تؤدّي ولاية ثانية له إلى إبطاء أو وقف المساعدات لأوكرانيا، كما عمل الحلف على تعزيز إنتاج الأسلحة والمعدّات الرئيسية، فضلاً عن العمل على تعزيز سلطته على شؤون التدريب والإمدادات العسكرية في أوروبا. وفي قمّة “الناتو” هذا العام في واشنطن، تمّ تأكيد أنّ “مستقبل أوكرانيا يكمن في انضمامها إلى الأطلسي”، لكن لم تُوجّه دعوة إلى كييف للانضمام أو تحديد جدول زمني لذلك. ومن وجهة نظر روسيا، فإنّ رئاسة ترامب الثانية قد تُمهّد الطريق لعلاقات أكثر ودّية بين واشنطن وموسكو، حيث يُفضّل الكرملين مُنذ فترة طويلة الزعيم الجمهوري على مُنافسيه الديمقراطيين. ولكن أيضاً الروس مترددون بشأن وعود ترامب بإنهاء الصراع فوراً. وقال المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في الشهر الماضي، إنّ هذا النوع من التفكير يندرج ضمن” عالم الخيال”.
لقد ورد أنّ ترامب تحدّث إلى بوتين 7 مرات بعد انتهاء ولايته الرئاسية الأولى، لكن لم يُؤكّد ترامب هذه المحادثات، فقط أوحى أنّها حصلت وهذا ضرب من “الذكاء”. ومُنذ شهرين، التقى ترامب الرئيس زيلينسكي في نيويورك، مع أنّ الرئيس المنتخب لديه تاريخ مُلوّث مع الزعيم الأوكراني، يعود إلى العام 2019، حين عزل ترامب بسبب ضُغوطه على زيلنيسكي لاستخراج معلومات سياسية عن بايدن والديمقراطيين لمساعدته على الفوز بانتخابات 2020، حينها أوقف ترامب ما يقرب من 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا.
أفريقيا
لم تحصل أفريقيا على الكثير من الاهتمام خلال الحملة الانتخابية الأميركية هذا العام. ولم يُقدّم ترامب أو المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس، الكثير من التفاصيل إن وجدت، حول ما ستكون عليه خططهما السياسية عند تولّيهما المنصب تجاه القضايا الأفريقية. كذلك، إنّ الولاية الأولى لترامب تُشير إلى الشكل الذي قد يبدو عليه نهجه المستقبلي مع أفريقيا. وهو كان قد ركّز آنذاك من خلال مُبادرته الإقليمية المعروفة باسم “ازدهار أفريقيا”، على تعزيز التجارة وتعميق العلاقات التجارية بين الشركات الأميركية مع القارة السمراء. ومع ذلك، فقد تحدّث في كثير من الأحيان عن سياسة الولايات المتّحدة في أفريقيا بفوقية وعنصرية، أوضحها حين انتقد ما سمّاه “الدول القذرة” في أفريقيا، التي لم يقم بزيارتها ولو لمرّة واحدة.
وممّا يزيد الأمور تعقيداً أنّ ترامب وضع باستمرار سياسة الولايات المتّحدة تُجاه أفريقيا في سياق المنافسة الأوسع بين الولايات المتّحدة والصين، ما أحبط الزعماء الأفارقة الذين سئموا من التعامل معهم باعتبارهم فكرة ثانوية في دوائر السياسة الأميركية أو على الأقلّ، لم يعودوا قادرين على تحمّل هذا النهج، وأن ينظر إليهم على أنّهم مُجرّد بيادق في الجغرافيا السياسية. وقال كاميرون هدسون، وهو زميل بارز في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، إنّ ترامب “صور إلى حدّ كبير مصلحة الولايات المتّحدة في أفريقيا باعتبارها منافسة مع الصين، وبدرجة أقلّ مع روسيا”.
الهجرة
كانت ولاية ترامب الأولى ملتزمة بأجندة مُتشدّدة في التعامل مع الهجرة، وأفضت إلى سياسة مُثِيرة للجدل في فصل العائلات وحظر القدوم إلى الولايات المتّحدة على بعض شعوب البلدان ذات الأغلبية المسلمة. وهذه المرّة، وعد ترامب بإجراء إصلاحات جذرية أكثر لسياسة الهجرة في الولايات المتّحدة، وتعهّد بتنفيذ “أكبر عملية ترحيل في تاريخ أميركا”. وقد وضع مستشارو الرئيس المنتخب خطّة من شأنها أن تجعل هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية تُنفّذ مداهمات واعتقالات واسعة النطاق في أماكن العمل من أجل ترحيل ملايين المهاجرين غير المسجّلين كلّ عام. وتعتزم الإدارة بناء “منشآت احتجاز ضخمة”، على الأرجح في تكساس بالقرب من الحدود الجنوبية للولايات المتّحدة، من أجل احتجاز العدد الهائل من المهاجرين المتوقّع أن ينتظروا الترحيل، وفقاً لستيفن ميلر “قيصر الهجرة” السابق والمستشار الحالي لترامب.
كما تهدف خُطط ترامب إلى وقف برنامج اللاجئين الأميركي وإعادة فرض بعض السياسات المثيرة من فترة ولايته الرئاسية الأولى، مثل تنفيذ نسخة أخرى من حظر سفر المسلمين. وَتُقدّر تكلفة تنفيذ هذه الخطط ما يزيد على عشرات مليارات الدولارات، وقد قدّر مجلس الهجرة الأميركي، وهي منظّمة غير ربحية للدفاع عن حقوق المهاجرين، المبلغ الإجمالي بنحو 88 مليار دولار سنويّاً على مدى أكثر من عقد من الزمان. وبعيداً من هذه التكاليف الأوّلية، والتكلفة البشرية الهائلة التي قد تترتّبُ على مثل هذه السياسة، حذّر خُبراء الاقتصاد من أنّ إِجْراءَ عمليات ترحيل جماعي على النطاق الذي اقترحه ترامب من شأنه أن يُوجّهَ ضربة مؤلمة للاقتصاد الأميركي.
كذلك، أنّ عمليّات الترحيل الجماعي التي اقترحها ترامب والتي تستهدف قوّة عاملة رئيسية يصعب استبدالها، من شأنها أن تُؤدّي إلى ارتفاع التضخّم، وخفض الناتج المحلّي الإجمالي الأميركي، وتقليص فرص العمل. وأشار التقرير إلى أنّ الزراعة ستكون القطاع الأكثر تضرّراً. وقال أرييل غي رويز سوتو الخبير السياسي في “معهد سياسة الهجرة”، إنّ مشروع ترامب لن يكون من السهل تنفيذه، لأنّه “من المرجّح وسيكون من الصعب للغاية على إدارة ترامب الحصول على دعم الكونغرس اللازم لإجراء عمليات ترحيل جماعية بالفعل”. ومن الناحية اللوجستية، من الصعب مُحاولة تحديد المهاجرين، و”احتجازهم لفترات طويلة من الزمن من دون انتهاك القانون الأميركي الحالي، ثمّ إعادتهم إلى بلد ربّما لم يزوروه مُنْذ زمن طويل”. ولكنّ خطاب ترامب ووعوده المثيرة للجدل من شأنها أن تزرع قدراً كبيراً من الخوف بين مجتمعات المهاجرين. وَيُضيف سوتو إنّه “سواء كانت هذه السياسات عملية أو قابلة للتنفيذ أم لا، فإنّ عواقبها سوف تُخلّف تأثيرات حقيقية على الناس والمجتمع كلّه”.
الهند
لقد رُوّج لعلاقة الولايات المتّحدة بالهند لعقود من الزمن على أنّها علاقة ثنائية شبه حصينة بين الجانبين. ولم تكن فترة ولاية ترامب الأولى استثناء، على الأقلّ من حيث المظهر. لقد أسّس ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي انتخب لفترة ولاية ثالثة هذا العام علاقة بدت أكثر شخصية وسياسية منها دبلوماسية. وحتّى الآن لا يُوجد سبب للاعتقاد بأنّ الزعيمين لن يستأنفا ما بدآه سابقاً. ولكنّ النظرة العالمية القائمة على المعاملات التجارية التي يتبناها ترامب تسببت أيضاً في درجة من الاحتكاك، حيث اصطدم شعاره “أميركا أوّلاً” بسياسة “صُنع في الهند” التي ينتهجها مودي. وبما يتّصل بالهجرة الموضوع الأقرب إلى قلوب الهنود باعتبارهم أكبر مجموعة من المتقدّمين للحصول على تأشيرات العمل في الولايات المتّحِدة، فرض ترامب قيوداً متعدّدة على برنامج تأشيرة “إتش وان بي” الذي يستخدمه آلاف الهنود لدخول الولايات المتّحدة كلّ عام. في حين أبقى بايدن على بعض القيود المذكورة في وقت مُبكّر من إدارته، فقد خفّف لاحقاً العديد من قيود الهجرة التي فرضها ترامب، الذي انتقد البرنامج باعتباره غير عادل للولايات المتّحدة. مع ذلك، ومن المرجّح أن تستمر هذه الديناميكية بين البلدين في عهد ترامب، حيث تعمل مُعارضتهما للصين على تعزيز العلاقات بينهما.
قضايا التكنولوجيا
نظراً لمركزية التكنولوجيا في الجغرافيا السياسية اليوم، فإنّ تعامل ترامب مع الصناعة على الصعيد المحلّي ومن وجهة نظر الأمن القومي ستكون له تأثيرات عالمية كبيرة. ولكنّ نهجه في الأمر الأوّل أقلّ وضوحاً أيضاً. وقد دعمت العديد من شركات وادي السيليكون حملته الانتخابية بحماس، في مُقدّمتهم إيلون ماسك، لكنّ نائب الرئيس فانس أشاد أيضاً برئيسة لجنة التجارة الاتّحادية لينا خان التي عيّنها بايدن والتي تعدّ عدوّة شركات التكنولوجيا الكبرى.
ولكن، بِما يتّصل بالمسألة الأخيرة، قد يجلب ترامب المزيد من الاستمرارية أكثر ممّا قد يتوقّعه الناس. ففي نهاية المطاف، سبقت حملة ترامب الصارمة على “هواوي” ضوابط بايدن لتصدير أشباه الموصلات إلى الصين، ولقد ألغي الحظر الذي فرضه ترامب على “تيك توك” في ولايته الأولى، ولكن بايدن بتشجيع من الكونغرس أعاد تطبيقه، وفي واقع الأمر، يظلّ منع التطبيق المملوك للصين سؤالا مفتوحاً، ومن المرجّح أن يواصل ترامب ما بدأه هو وما عزّزه بايدن.
نقله إلى العربية: حسين قطايا
فورين بوليسي| الميادين نت