ما الذي يجري في اتحاد الكتاب العرب في سورية ؟ ..
لأول مرة، يعلن مسؤول ثقافي في سورية أنه يحتاج إلى ((تصحيح ثقافي سوري))، والكلمة مستوحاة من تاريخ الحركة السياسية السورية ((عام 1970))، لكن المسؤول الثقافي المذكور، وهو الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية متحمس في طروحاته الثقافية إلى الدرجة التي بدا فيها منفتحا على أي سؤال طرحته الصحافة عليه، وخطوات الاتحاد تبدو مهمة ولافتة.
في افتتاحية صحيفة ((الأسبوع الأدبي)) التي كتبها قبل فترة قصيرة حدد العنوان بسؤال مهم : “هل نحن بحاجة إلى حركة تصحيحية في مجال الثقافة” ، وفي الجواب : إن ذلك ضرورة تاريخية لأن “الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية”، وهذه اللازمة أطلقها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ورفعت كلافتة في الساحات العامة، مع الأسابيع الأولى لتولي وزير الثقافة الجديد لمهامه ..
ومن المفترض هنا متابعة مايقوله رئيس اتحاد الكتاب عن مشروعه ، فتصريحه قبل شهر أنه سيعلن أن ((ثقافة التنوير)) هي شعار الدورة التاسعة للاتحاد وفى به، وأعلن في تظاهرة إعلامية قبل أيام هذا الشعار الذي رأت فيه صحيفة البعث ((سابقة له منذ نشأته عام 1969)) وهو ما أشار إليه الدكتور الصالح نفسه عند الإعلان فالشعار ((قرار استثنائي في تاريخ الاتحاد)) ..
وجاءت التظاهرة الإعلانية عن الشعار بعد خطوات مهمة نتجت عن مشاركة الوفد السوري في مؤتمر اتحاد الكتاب والأدباء العرب في أبو ظبي من بينها : تشكيل وفد تضامني من الأدباء والكتّاب العرب مع سورية، و تشكيل وفد من الاتحاد العام للتضامن مع سورية وانتخاب الدكتور الصالح مساعداً للأمين العام للاتحاد، وعقد الاجتماع الأول للمكتب الدائم للاتحاد في دمشق صيف 2016.
وتأتي خطوة إطلاق شعار ثقافة التنوير مع نوع من البرنامج يحتوي على أهداف مهمة من بينها :
• تعزيز الهويّة السوريّة بمكنوناتها المختلفة.
• الإعلاء من شأن ثقافة الحوار.
• الانحياز إلى القرار الوطنيّ المستقلّ، والإرادة الوطنيّة المنبثقة من داخل الوطن.
• إشاعة ثقافة التنوير بين مختلف مكنونات المجتمع السوريّ، ومختلف الأجيال فيه.
• تمكين الكتّاب والمثقفين السوريين من المشاركة الفاعلة في بناء ثقافة وطنية تنويريّة.
تأتي هذه الخطوة من اتحاد الكتاب العرب لتطرح الأسئلة الضرورية التي يفكر بها المثقف السوري، وأولها يتعلق بمدى التناغم الكبير بين المشروع الثقافي المطروح وسياسة الحكومة على هذا الصعيد ((وزارة الثقافة التي يقودها الشاعر عصام خليل أحد أعضاء اتحاد الكتاب النشطين الذي صنعت منه الحرب على سورية محللا سياسيا ثم عضوا في مجلس الشعب ثم وزيرا للثقافة)) ، ونحن نعلم جيدا أن الدكتور نضال الصالح كان معاونا لوزير الثقافة السابق ، وانكفأ عن العمل فيها تحت ضغط الإحباط من فعل شيء ثقافي في هذه الظروف ، فسمى مديرا لمؤسسة لغوية، ثم شق الطريق في الدورة التاسعة لاتحاد الكتاب العرب إلى رئاسة الاتحاد.
إن المعاناة التي كابدها الشعب السوري من الحرب ، وبالتالي التآكل الكبير في البنية الثقافية السورية بكل أطيافها يجعل من مثل هذه الخطوات أحد مفاتيح إعادة البناء المجتمعي التي نطمح إليها في الأيام القادمة، وكان أخطرها غياب الفعل الثقافي التنويري في تفاعله مع الناس، وبديهي أن يكون لذلك بوابات مهمة تتداخل مع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الديني .
والقصد من هذا الكلام هو طرح سؤال فج عن ((حصة الإنسان السوري)) من الثقافة التنويرية المبتغاة، ودور وزارة الإعلام في نسج العلاقات اللازمة التي يحتاجها ترويج هذه الثقافة، ناهيك عن دور المجلس الوطني للإعلام في تعاطيه مع سيل وسائل الإعلام والتواصل الأخرى الخاصة التي تتخبط بأطر هويّاتها .. وهنا ، لابد من التعويل على المهمة التي نبناها المشروع، أي : ((الإعلاء من شأن ثقافة الحوار)) وما ينتج عن هذه الثقافة من محددات أخرى ، يبدو أن التفكير بها كان جديا نظرا لما ورد في النقاط الأخرى التي ذكرت في البرنامج .
هل نحن بحاجة إلى ((مؤتمر ثقافي مفتوح)) يواكب كل المحاولات الجادة لمؤتمر ((حوار سياسي مفتوح)) يبني على إنقاذ سورية من تبعات الحرب عليها ؟ ذلك سؤال مهم، وأعتقد أن الكتاب السوريين والمثقفين السوريين قادرين على الفعل بغض النظر عن آرائهم، وهم بالشكل العام يشغلون مساحة كبيرة من المساحات المخصصة للرأي في الصحافة العربية والعالمية بكل تلاوينها.
نطمح جميعا إلى مشروع وطني ثقافي، فهل يمكن التأسيس على هذه الخطوة لفتح الطريق نحوه ؟
إن المشروع ((الوطني الثقافي)) يمكنه احتضان كل المشاريع الوطنية الأخرى ..